استغرقت الرحلة إلى دوقية الشمال ثلاثة أيام كاملة بالعربة. وما إن وصلوا، حتى لسعتها رياح حادة كأنها سكاكين تقطع بشرتها.
حين نزلت رابيانا من العربة، غاصت قدمها في الثلج المتراكم برقة. فزعت للحظة وكادت تسقط، لكن ألبرتو أمسك بيدها. تمتمت بكلمة شكر خافتة وحاولت سحب يدها، لكنه لم يتركها، بل تابع السير ممسكًا بها.
من تلك اللحظة، بدأت كبيرة الخادمات بقيادتها وصعدت بها الدرجات.
وبمجرد أن دخلت غرفتها، اجتمعت الخادمات لمساعدتها في الاستحمام وتبديل ملابسها. ولمّا انتهين، وجدت رابيانا نفسها وحيدة أخيرًا.
بأنينٍ مرهق، ألقت بنفسها على السرير. كانت أيام التوتر قد أنهكتها تمامًا. سحبت الغطاء الناعم فوق جسدها وأغمضت عينيها.
هل حلّ الليل بالفعل؟
تذكرت بشكل غامض إحدى الخادمات تقول: “أتمنى لكِ نومًا هنيئًا، سيدتي”، قبل أن تغادر. ربما كانت مجرد عبارة ترحيبية مهذبة، لا علاقة لها بالوقت.
رؤيتها العمياء لم تكن سوداء تمامًا—ربما كانت أضواء القصر لا تزال مضاءة. لكنها لم تكن تعرف. ولم يكن يهم كثيرًا إن كان الوقت ليلًا أم نهارًا.
كل ما كانت تأمله هو ألّا يكون الليل قد حل. فالليل يعني أنها ستضطر للاستعداد من جديد.
“سأنام قليلًا فقط…”
ودفنت وجهها في الوسادة.
—
عندما استفاقت من غفوة خفيفة، كانت الغرفة ساكنة تمامًا. جسدها كان يؤلمها قليلًا، وحين مدت يدها، اصطدمت بشيءٍ صلب.
توتر جسدها على الفور. لقد لمست شخصًا.
كان هناك أحدهم في السرير، رغم أنه كان فارغًا من قبل.
“إنه أنا.”
ما إن وصلها صوت ألبرتو، حتى انحسرت بعض التوترات من جسدها.
هو لا يزال غريبًا عنها، رجل غير مألوف، لكن جزءًا منها شعر بأنه لن يؤذيها.
“آه… حسنًا.”
“لابد أنكِ كنتِ مرهقة للغاية.”
“ربما… كانت المرة الأولى التي أسافر فيها كل هذه المسافة.”
“أنا آسف.”
توقفت رابيانا عن التنفس للحظة. جاء اعتذاره مفاجئًا، فتوجهت برأسها صوب صوته بذهول. كان ظل ألبرتو يتلألأ بخفوت في العتمة.
“كان بإمكاني أن أترككِ تقضين يومًا في منزل عائلتك، لكن الجدول كان ضيقًا، ولم يكن أمامنا خيار سوى القدوم مباشرة إلى هنا. أعتذر لأنكِ اضطررتِ لتحمّل كل ذلك بسببي.”
آه… إذًا هذا ما قصده ألبرتو عندما تحدث سابقًا عن المجاملة الواجبة.
أومأت رابيانا برأسها بإيماءة صغيرة.
“أنا بخير. هل أنهيت كل ما عليك فعله؟”
“بفضل زوجتي.”
ورغم أن كلمة “زوجتي” بدت غريبة على أذنيها، لم تعرها اهتمامًا. إنها مجرد كلمة. مسألة لياقة لا أكثر.
وحين حاولت النهوض، ضغطت يد كبيرة على البطانية وأعادتها للأسفل.
“من الأفضل أن تبقي مستلقية. حتى لو جلستِ الآن، ستعودين للاستلقاء مجددًا.”
“ماذا؟ لماذا؟”
“لأن الليلة هي ليلتنا الأولى بعد الزواج.”
لقد ناما في العربة طوال الأيام الماضية. كان بإمكانهما التوقف في نُزل، لكن العربة لم تتوقف أبدًا.
رابيانا لم تشتكِ. بل كانت ممتنة لأن ألبرتو لم يتخلَّ عنها على جانب الطريق.
الليلة الأولى.
ذلك التعبير لا يُقصد به سوى شيءٍ واحد.
“هل تشربين الكحول؟”
سمعت صوت تحركه، تلاه سحب كُرسي. كان التوتر الذي جلبه تعبير “الليلة الأولى” كافيًا ليُجمّدها مكانها.
ثم تبعه صوت خفيف واضح: صوت صبّ الخمر.
بلعت ريقها وردّت:
“قليلًا… أستطيع الشرب قليلًا.”
“مفاجئ.”
اقترب منها ألبرتو مجددًا، وساعدها بلطف على الجلوس، ثم وضع كأسًا في يدها.
“ستحتاجين إلى هذا.”
“…”
“سيُخفف الألم قليلًا.”
رفع ألبرتو كأسه وشربه دفعة واحدة، ثم أعاده إلى الطاولة، منتظرًا رابيانا.
وبعد تردد قصير، أغمضت عينيها بإحكام وشربت.
انتشرت رائحة الكحول الحادة في فمها.
أخذ ألبرتو كأسها الفارغ وملأه مجددًا.
حاولت ألا ترتجف أصابعها. لم يلمسها أحد غير لورنس منذ زمنٍ بعيد.
كانت أصابعه كبيرة وقاسية—لا شك أنها اكتسبت صلابتها من السيف أو القلم.
كان دفؤها ثابتًا، لكنه غريب عنها. فقد أمسك بها بثبات، وكأنّه يُبقيها في مكانها.
شربت الكأس الثاني دفعة واحدة.
وبعد عدّة جولات، بدأت الخمر تُثقل أطرافها، وكل رشفة جعلتها تشعر أن أفكارها تتأخر عن جسدها.
“يكفي”، قالت في داخلها، شاعرة بأنها لم تعد تحتمل أكثر.
أعادت الكأس إلى ألبرتو، ثم تمددت على السرير كقطعة خشب، يداها مطويتان فوق بطنها، وعيناها مثبتتان في السقف المظلم الذي لا تراه.
خفق قلبها بجنون. ثم شعرت بانخفاض في المرتبة.
ثِقل جسد استقر إلى جانبها؛ كانت سيقانهما فقط تتلامسان، ومع ذلك، سرق وجوده أنفاسها.
تحركت قليلًا، تشبثت بالأغطية.
شعرت بنظراتٍ تتفحّصها—كانت تراها بقلبها، تتبع كل تفاصيلها—لكن لم يحدث شيء بعدها.
مر الوقت، وفجأة فكرت رابيانا:
ربما شكلي يزعجه. ربما يشمئز مني.
تسلل برد إلى دمها.
لكن بدلًا من كشف اضطرابها، استدارت وولّت ظهرها له.
“…إن كان وجهي يزعجك”، همست، “أستطيع البقاء هكذا—”
“ليس الأمر كذلك.”
جاء صوت ألبرتو، أخفض من ذي قبل.
أعادها بهدوء إلى وضعية الاستلقاء، ثم أمسك بذقنها بلطف.
ضغط خفيف فرّق بين شفتيها، ومرّ إصبعه فوق فمها.
تشنجت رابيانا—كان الأمر دقيقًا، غريبًا، وذاب معها برقة.
تنفسه امتزج بأنفاسها، ولامس أنفه خدّها.
أغلقت عينيها بقوة.
مال ألبرتو برأسه… لكنه توقف فجأة.
“هل التقينا من قبل؟” سأل بنبرة شبه عاجلة.
“م-ماذا؟”
التقيا من قبل؟
ارتبكت رابيانا.
منذ أن فقدت بصرها، نادرًا ما غادرت المنزل.
كانت متأكدة أنها لم تلتقه يومًا.
لكن صوت ألبرتو بدا… مضطربًا.
رفعت يدها.
لامست أطراف أصابعها عظمة صلبة.
خشيت أن يُبعدها، لكنها بدأت تتحسس ملامحه: خط الفك، عظمة الوجنة…
ألبرتو لم يتحرك، فقط ارتعشت شفتاه قليلًا.
سمح لها أن تلمسه كيف تشاء.
لم تكن تعلم، لكن ملامحه تغيّرت بلطف.
لسببٍ ما، لم تكن تبدو غريبة تمامًا بالنسبة له.
حين لامست أنفه، ثم جفونه، ثم مرّت برقة على شفتيه، كان جسده السفلي قد تصلب بالفعل.
رغم أن أصابعها لم تكن سوى أدوات تحسس، إلا أنها أثارت داخله رغبة مكبوتة.
ومع كل لمسة، توتر ألبرتو منتظرًا إلى أين ستتجه يدها التالية.
وبجانب ذلك التوتر، نشأ شعورٌ غريب بالتوقّع.
أطلق ألبرتو زفيرًا قصيرًا. ولم تكن رابيانا تعرف ما يحدث داخله، ففتحت شفتيها قليلًا وسألت:
“أنت… تشبه شخصًا أعرفه.”
“…”
“شخص لطيف… وحنون للغاية… لكنه رحل عني منذ زمن. لم يكن حتى من النبلاء. لذا، أظن أننا لم نلتقِ من قبل.”
أمسك ألبرتو بيدها وسحبها نحو الأسفل، ثم ضغط يديها كلتيهما على السرير في نفس الموضع، مما جعل جسد رابيانا ينتفض فجأة.
شعر ألبرتو بالغثيان. بينما كان يتساءل إن كانت هذه المرأة العمياء جزءًا من ماضيه الفارغ، كانت هي تفكر في رجل آخر بينما تلمسه.
بصراحة، لم يكن يهتم بمن تفكر فيه أثناء هذا الفعل. فبالنسبة له، لم تكن هذه الليلة سوى واجب لا بد منه.
هذا ما كان يخبر به نفسه بعقله… لكن مشاعره كانت تقول شيئًا آخر تمامًا.
“هل يمكنني لمس وجهك مجددًا؟”
“ولماذا؟ لا بد أنني أشبه ذلك الرجل الذي تعرفينه، أليس كذلك؟”
السخرية في صوته تجاه هذه المرأة غير المبالية كانت على الأرجح نتيجة شعوره بالتجاهل.
على أي حال، هو زوجها، وهي زوجته. وإن كان هناك أي ارتباط سابق، فعليها أن تقطعه بنفسها.
ما الذي كانت تفعله؟
“نعم. أنت تشبهه… تمامًا كمن كنت أعرفه.”
لوى ألبرتو شفتيه في ابتسامة ساخرة.
“هذا مستحيل. هذه أول مرة أحتضن فيها امرأة عمياء.”
تصلب جسد رابيانا، وحاولت سحب يدها بعيدًا.
“للحظة، نسيت. نسيت أنكِ عمياء.”
“…”
“يبدو أن لكِ وجهًا شائعًا يا سيدتي. لا بد أنني خلطت بينكِ وبين شخص آخر… تمامًا كما فعلتِ أنت.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 4"