كانت رابيانا ببساطة لا تشعر بأنها بخير.
فحتى لو كان زواجهما قائمًا على عقد، يظل ألبيرتو الرجل الذي يشاركها الفراش. ولهذا كان مجرد تخيّل أنه ربما لمس امرأة أخرى يترك في صدرها نفورًا خفيفًا… لا أكثر.
“…غيرة؟ هذا سخيف.”
يقولون إن الغيرة هي الخوف من أن يُنتزع منك شيءٌ عزيز لتأخذه يدٌ أخرى.
رابيانا لم تختبر الغيرة يومًا، ولم تصدّق أن الارتباك الذي يخالجها الآن يمكن أن يكون ذلك الشعور.
أليس كذلك؟
لا شيء يربطها بألبيرتو. هي لا تحبه أصلاً.
ظنّها بأنه ربما أقلّ سوءًا مما اعتقدت لم يكن سوى لمحة خفيفة من الود… لم ولن يتطور إلى شيء أعمق. مستحيل.
“صحيح. رابيانا، لا يمكن أن تشعري بذلك.”
الاسم الذي نادرًا ما يناديها به انساب من فمه مشبعًا برائحة الكحول القوية. عقدت حاجبيها دون قصد، فلاحظ ألبيرتو ذلك وأطلق ضحكة خافتة.
مدّ أصابعه برفق وسوّى الخط الرفيع بين حاجبيها. ترددت رابيانا قليلًا قبل أن تفتح شفتيها المتحفظتين.
“هل… شربت كثيرًا؟”
“ربما.”
“أنت عادة لا تشرب.”
“كم تعرفين عني أصلاً؟”
الكلمات، التي قالها بلامبالاة كأنها ريح عابرة، جعلتها تعضّ شفتيها.
تردد صوته في صدرها بصمت.
‘كم أعرف عنه؟’ تساءلت في داخلها بصوت يخفت ويتسع في آن واحد.
هي لا تعرف أي شيء عمّن يكون ألبيرتو حقًا.
لهذا يبدو بعيدًا… صعبًا… ومخيفًا. والآن… مثيرًا للاهتمام قليلًا.
ماذا حدث بينما كانت نائمة؟ وهي ثملة؟
يا ترى أي حديث دار؟
هل حدث شيء سيئ إلى درجة دفعه للشرب؟
“هل… حدث شيء ما؟”
“زوجتي سببت لي قليلًا من الحرقة.”
داعبت خصلات شعره جبينها. ارتجفت رابيانا وأغمضت عينيها.
ضحك ألبيرتو، فلامست أنفاسه الخفيفة أرنبتها وشفتيها.
“بسببك… لم أعد أشبه نفسي.”
عند وخزته العابرة، تملّك رابيانا هدوء غريب. لم تعد تخشاه.
تأملت كلماته المبهمة. لم تفهم معناها.
ثم اختفى الضغط عن معصمها. والوزن الذي كان يضغط جانبها انزاح بعيدًا.
فقط عندها أدركت أنها كانت تحبس أنفاسها طوال الوقت.
“كان عليّ أن أتأكد من شيء بنفسي.”
“…”
“نامي فقط.”
ضغط برفق على جفنيها. لم يكن للرؤية معنى بالنسبة لها، لكن حين استقرّت كفّه الثقيلة فوق عينيها، أغمضتهما.
لكن النوم لم يأتِ.
عقلها ظلّ يغلي بلا توقف.
✦✦✦
“ما هذا بحقّ…”
ضحك ألبيرتو ضحكة فارغة، بينما تجمّدت رابيانا خلفه عاجزة عن فهم ما يجري.
حين استيقظت، كان المنزل خاليًا تمامًا.
مهما بحثت، لم تجد أي أثر لأي شخص داخل القصر.
وفي غرفة المعيشة، فوق الطاولة، انتظرت ملاحظة وحيدة إلى جانب باقة من الزهور.
[ذهبتُ بحثًا عن الحرية. استمتعا بشهر عسلٍ لطيف. إن بقيتما في ذلك القصر المخنوق طويلًا، قد تسعل زوجتك قطعة أثرية أيضًا. — كيوبيد المحب]
لم يستطع ألبيرتو منع نفسه من ضحكة قصير مكبوتة، بينما سحبت رابيانا كمّه بخفة.
“م-ما الذي يحدث؟”
كانت ضائعة تمامًا، لكنها شعرت — حتى دون رؤية — بأن أمرًا غير طبيعي قد وقع.
حين استيقظت ونزلت للأسفل، سمعت ألبيرتو يتحرك بانشغال شديد.
سرعان ما فهمت من نبرة خطواته أنه يبحث عن ليكس — فتوترت في الحال.
حدّق ألبيرتو في رابيانا المتمسكة به، ثم نظر إلى الثلج المتساقط خلف النافذة الواسعة.
أن يهرب ليكس ويأخذ معه كل شيء؟ ذلك كان عبثيًا… وغير مفهوم.
كانت هناك أعمال يجب مناقشتها، والاختفاء ترك لدغة في مؤخرة رأسه —
لكن المشكلة الأكبر كانت أنه ترك ألبيرتو عالقًا تمامًا في هذا المكان.
“على الأرجح…” قال وهو يراقب الثلج يضرب زجاج النوافذ الممتدة من الأرض حتى السقف.
“سنضطر للبقاء بضعة أيام أخرى.”
“آه… بضع… أيام؟”
عاصفة ثلجية غير مسبوقة كانت تهطل. بدلًا من التوضيح، اختار ألبيرتو إجابة أبسط.
“نعم. نحن الاثنين فقط.”
كان هدير العاصفة وكأنه نذير لمستقبلٍ قاتم. فكرة شاعرية على غير عادة ألبيرتو.
جلست رابيانا شاردة على الأريكة. تساءلت ما إذا كان ليكس قد سرّح الخدم أيضًا، فالمكان كان باردًا بقسوة بلا أي شخص.
لحسن الحظ، كانت ترتدي معطف الفرو الذي أعطاها إياه ألبيرتو، فلم تشعر بالبرد كثيرًا، لكنها ظلت متضايقة لأنها لا تستطيع مساعدته وهو يحاول إشعال المدفأة.
على الأقل، كان هناك بعض الخشب المكدّس قرب الموقد… لكن لم يُشقّ أيّ منه بعد.
طَق!
هُووف!
ارتطام الفأس بخشب الحطب شقّ الهواء بصوتٍ حاد.
“هُووف…”
رفع ألبرتو كمّي قميصه. لم يتخيل يومًا أنه سيضطر إلى التأرجح بفأس، ورغم البرد القارس، كانت قطرات العرق تتجمع على بشرته. اللعنة على ليكس.
كان ليكس يسير خلفه دائمًا، بتفانٍ يكاد يكون من طرف واحد، لكنه لم يخنه بهذه الطريقة من قبل.
كان حرًّا، طائشًا، يعيش بلا غد، لكن دائمًا ضمن الحدود التي يرسمها له ألبرتو.
ومع كل تهوره، كان جبانًا… كلما ورّط نفسه، يركض فورًا إلى ألبرتو طلبًا للنجاة. لكن هذه هي المرة الأولى التي يهرب فيها حقًا.
هل كان يخطط للهرب منذ البداية؟ أم أن وصول ألبرتو دفعه لاتخاذ قرار طائش؟ لم يستطع ألبرتو التأكد.
“عديم الفائدة.”
عند تذمّره المنخفض، ارتجفت رابيانـا.
“لماذا تنهضين؟”
لاحظ تحركها الطفيف فوق الأريكة وسأل بفضول.
هزّت رأسها نحو الظلال الغائمة التي تكاد تراها. لم تستطع الاعتراف بأنها أرادت المساعدة.
كيف يمكنها أن تساعد وهي لا ترى؟ لم يكن ذلك سوى عبء.
وقفت بدافع الذنب، لكنها جلست من جديد.
“أنا… فقط… هل هناك شيء يمكنني فعله؟”
“بقاؤك في مكانك مساعدة.”
كما توقعت… لم تشعر بخيبة، فقط خجل ثقيل جعلها تنكس رأسها، وكأنها مذنبة بلا جرم.
في البداية تجاهلها ألبرتو. لكن عندما لاحظ أن رأسها لم يرتفع مرة أخرى، وضع الفأس جانبًا ومد يده، رافعًا ذقنها بطرف أصابعه.
“لماذا يبدُو وجهك كئيبًا هكذا؟”
“….”
“لأنك لا تستطيعين العودة إلى المنزل؟”
لم تستطع رؤية ملامحه بوضوح، لكنها شعرت أنه يراقبها.
لو لم يهتم، لما سأل بطريقة كهذه.
متى بدأ الأمر؟
متى صار لكل حركة صغيرة منه أثر كبير عليها؟
لكن هذا لا يعني شيئًا… لا يمكن أن يعني شيئًا.
ألبرتو رجل لا يحب المتغيرات، وهي الآن متغير يراقبه فحسب. اهتمام عملي… إنساني، لا أكثر.
“ألن تتحدثي؟”
ماذا تقول؟
“لماذا منذ الأمس فقط؟”
كان محقًا في سؤاله.
منذ الليلة الماضية—تحديدًا منذ تلك اللحظة التي قال فيها إنها تستطيع السماح له بالشرب مع نساء أخريات—ومشاعرها تنقلب رأسًا على عقب.
كان قلبها يضجّ غضبًا، ثم يبرد فجأة وهي تتساءل: ما شأنها هي؟
“فقط…”
شيء كانت تخشى حتى مواجهته داخل نفسها بدأ يرتجّ، كأنه قد يفيض خارج صدرها.
فتحت شفتيها بسرعة قبل أن تخنق نفسها بالصمت.
“فقط… أشعر كأنني بلا فائدة.”
“أنت تقلقين بشأن كل شيء.”
أسقط يده، وقد هدأ فضوله، وابتعد خطوة.
ها هو الدليل… ألبرتو لا يهتم بها حقًا.
ما يعنيه هو السبب… وليس مشاعرها.
ورغم أنها كانت تعرف، شعرت بوخزة خفيفة من المرارة وهي تضم ركبتيها.
بعد قليل، ازدادت الغرفة إشراقًا، وانتشرت حرارة مطمئنة. يبدو أنه أشعل المدفأة.
“أنا لا أتوقع منك شيئًا، لذا لا داعي للشعور بالإحباط.”
قالها وهو يجلس إلى جانب الأريكة. لم تهز رأسها، ولم تجب. بقيت معقودة اللسان.
ما يريده—نعم، كان فقط طفلًا.
“إن سمحت لي…”
فجأة، تسرب إليها فضول غريب. رجل مثل ألبرتو، يكره المفاجآت لدرجة الهوس… ماذا لو فاجأه متغير لا يمكنه السيطرة عليه؟
“فقط لو… مجرد افتراض.”
رجل خطط حتى لاحتمال أنها قد لا تنجب… أو قد تنجب ابنة.
“لو… يا صاحب السمو…”
“نعم.”
“لو أنك… أحببتني يومًا… هل… سيكون مسموحًا لي بالبقاء في القصر؟”
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 36"