كان من الظلم الفادح أن تُطرَد رابيانا بسبب عُقمٍ لم تُثبت صحته، ومع ذلك، كانت تلك هي الحقيقة التي فُرضت عليها.
وفي مواجهة هذا الواقع القاسي، وقف الرجل الذي كان يتوق إلى إنجاب طفل أكثر من أي شخص آخر ليحميها.
رغم أنه لم يكن يحبها.
رغم أنه لم يشعر تجاهها بأي عاطفة.
“سيدتي، أنتِ لستِ عاقراً.”
“…لستُ عاقراً؟”
“عندما أغمي عليكِ، استدعيت الطبيب، وسمعت منه حالتك بنفسي.”
‘…أعتقد أننا بحاجة إلى نقاشٍ جديّ حول حالة السيدة.’
بعد أن فقدت وعيها في تلك الليلة التي قضتها مع ألبيرتو، جاء طبيب القصر لفحصها.
وفي ذلك اليوم، وبّخ الطبيب ألبيرتو على قسوته المفرطة، وشرح له مدى هشاشة جسد رابيانا وضعفه.
‘إن جسد السيدة ضعيف للغاية ومفعم بالبرودة. يجب أن تبقى دافئة ليجري الدم في عروقها كما ينبغي. طاقتها مشتتة، ونبضها خافت، لذلك سيكون الحمل صعباً.’
‘هل تعني أنها لا يمكنها إنجاب الأطفال؟’
‘كلا، بل أعني أن الأمر سيكون صعباً، لكنها قادرة على الحمل بالتأكيد. الأطباء غير المتمرسين قد يسيئون التشخيص، لذا إن سمعتَ مثل هذا الكلام، فتجاهله.’
كان طبيب عائلة روين يخدم هذا البيت منذ أجيال.
وغالباً ما كان يسافر إلى الخارج لإجراء بحوثٍ طبية، أو لعلاج المرضى، وقد اشتهر بكونه طبيباً عظيماً لا يخضع لا للمال ولا للنفوذ.
ولذلك، كان من الطبيعي أن يثق ألبيرتو تماماً بما يقوله.
حين سمعت رابيانا كل ذلك، شعرت بأن قوتها تتلاشى من جسدها.
كان غريباً أن تُكتشف حالتها دون علمها، لكنها، بخلاف ما توقعت، لم تشعر بالضيق.
ربما لأن الفحص جرى وهي فاقدة الوعي… أو ربما لأنها كانت تثق بأن ألبيرتو لن يؤذيها.
أياً يكن السبب، أحست بأن قلبها أصبح أخفّ.
أفضل بكثير من أن تبقى هنا عبئاً بلا فائدة.
عندما سمعت للمرة الأولى أنها عاقر، اجتاحها شعور لا يمكن وصفه.
أن تختار المرأة ألا تُنجب، وأن تُحرَم من القدرة على ذلك… أمران مختلفان تماماً.
حتى لو أنجبت، فلن يُسمح لها بحمل طفلها بين ذراعيها — كانوا سيطردونها على أي حال.
ولذلك، حين وقف ألبيرتو ليحميها، أدركت أن قوله “لا بأس” لم يكن يعني حقاً أن الأمر بخير.
“مع ذلك، شكراً لك.”
حتى وهو يعلم حالتها مسبقاً، اختار أن يقف إلى جانبها.
لكن ما لم يكن يدركه — هو أنه في تلك اللحظة التي دافع فيها عنها، اشتعلت في صدرها شرارة دافئة.
لهيب صغير تمدد داخلها، وملأ كيانها كله بالدفء.
‘هذه أول مرة يقف فيها أحد إلى جانبي. لا أظن أنني سأنسى ذلك أبداً.’
وللمرة الأولى، خطرت في ذهن رابيانا فكرة جديدة.
أن هذه الذكرى — المحفورة بوضوح في قلبها — قد تجعل الأيام القاسية التي تعيشها أقل مرارة يوماً ما.
أنه بفضل تلك اللمسة الصغيرة من اللطف التي أظهرها لها، ربما — فقط ربما — يمكن أن يُتذكّر هذا الزواج كشيءٍ جميل يوماً ما.
لقد أصبح ألبيرتو نوراً في حياتها المظلمة تماماً، يضيء الطريق الذي كانت تظنه ميؤوساً منه.
ومع ذلك، بدأت العاصفة داخلها تهدأ تدريجياً.
أرادت، بطريقةٍ ما، أن ترد له الجميل على ما فعله لأجلها.
لكن ردّ الجميل هذا لن يكون بالتشبث بهذا القصر.
قلبها أصبح أخفّ.
حتى آخر خيط من التعلق في داخلها بدأ يتلاشى ببطء.
“شكراً لك، يا صاحب السمو.”
خيّم صمت ثقيل على غرفة الجلوس.
وبمجرد أن نزل ألبيرتو الدرج — تحطّم!
تحطّم كأس نبيذ على الجدار وتناثرت شظاياه اللامعة في كل اتجاه.
تناثرت قطع الزجاج الصغيرة في أنحاء الغرفة، بينما جلست بيانكا على الأريكة بعينين متوحشتين، تتفوه بلعنة من بين أسنانها المتيبسة.
“أيها اللعين!”
“عمّتي.”
“كيف تجرؤ على إذلالي؟”
لم تستطع الاحتمال.
ذلك الابن البغيض الذي كرهته دوماً تجرأ على الدفاع عن تلك الفتاة العمياء أمام الخدم — وأهانها أمام الجميع.
ذلك الفتى الحقير الذي كرهته لم يفعل يوماً شيئاً سوى تعميق كرهها له أكثر.
حتى نبرته وهي يناديها الآن — ببرودٍ وجفاء — كانت تطعنها في الداخل.
ارتجفت يداها وهي تمدهما نحو زجاجة النبيذ.
كانت هذه الزجاجة الرابعة.
لقد تجاوزت مرحلة السكر بكثير.
لكن بيانكا لم تهتم.
صبت النبيذ في حلقها كمن يصب السم في جرحٍ مفتوح.
لم يكن لدى ألبيرتو أي نية لإيقافها.
لم يشعر بالقلق عليها، فلتدمّر نفسها إن شاءت.
وإن مرضت من إفراطها في الشرب، فسيكون ذلك من صُنعها، ومن نصيبها هي وحدها.
“ألن يكون من الأفضل أن تتوقفي عن هذا الجنون الآن؟”
كان صوته هادئاً، لكنه يحمل تحذيراً واضحاً.
إن أرادت أن تفقد صوابها، فلتفعل، ولكن ليس في بيته.
هبّت نسمة باردة عبر النافذة المفتوحة.
كانت بيانكا قد تركتها مفتوحة علّ الهواء البارد يُفيقها، لكنها بدت الآن أكثر بؤساً من أي وقت مضى.
كان ألبيرتو يعرف تماماً سبب تمسّكها بقصر روين — إنه ملاذها الأخير من عائلة لم تعد ترغب بها.
مؤسف، نعم… لكنها كانت تحصد ما زرعته.
“إلى متى تنوين اختبار صبري؟”
“أنت… أنت قتلت أبي، أليس كذلك؟”
قبل عامين، مات دوق روين في حادث.
في طريقه إلى الفيلا، انزلقت عربته وسقطت من فوق منحدرٍ صخري.
كانت الأرض وعرة، والعاصفة الثلجية تشتد في ذلك اليوم. قال المحققون إنها مجرد مصادفة مؤسفة.
لكن بيانكا لم تصدّق ذلك يوماً.
أعلنت الحرب وحدها، زاعمة أن ذلك الوغد ابن الإسطبل هو من قتل والدها.
“لو أنه لم يقبلك… لو أنه لم يصغِ إلى والدك الحقير… لكانت عائلتنا لا تزال متماسكة! لو لم تكن… لو لم تكن أنت!”
طقطق!
ارتطمت زجاجة النبيذ بالطاولة بقوة بينما غطت بيانكا وجهها وبدأت تبكي بحرقة.
تنهد ألبيرتو بهدوء.
نزل ببطء الدرج وجثا أمامها.
“عمّتي.”
“أنت لا يمكن أن تكون ابن أختي. أختي لم تكن لتتدنّى إلى هذا الحد. لماذا… لماذا يجب أن أقبل بطفل لم ترده هي نفسها؟ حتى لو كنت ابنها… فقبولك يعني خيانتها. لن أفعل. لن أخونها بتلك الطريقة.”
كانت كلماتها متقطعة، فوضوية، تائهة.
انتظرها ألبيرتو بصمت حتى انتهت، ثم أطلق نقرة خفيفة بلسانه.
“لو أنني قتلته حقاً…”
توقفت دموعها على الفور.
كانت ليلة هادئة باردة.
حتى الطيور كانت قد غفت.
كل صوت بدا حاداً وسط السكون.
حدّقت بيانكا به كما لو لم تصدّق ما سمعت.
التقت عيناها بعينيه مباشرة.
“ماذا كان سيتغير؟”
“…ماذا؟”
“هل سيخفف هذا من شعورك بالذنب، يا عمّتي؟”
في اليوم الذي مات فيه دوق روين السابق، كانت بيانكا قد تشاجرت معه.
كان الأمر تافهًا، شيئًا صغيرًا إلى درجة أنها لم تعد تتذكر حتى ما كان سبب الخلاف. لكن في تلك اللحظة، مدفوعة بنوبة غضب طفولية، صرخت قائلة:
«أتمنى لو أنك تموت!»
وبالفعل… مات بعدها مباشرة.
كان الصدمة عظيمة لدرجة أن بيانكا فقدت وعيها أثناء الجنازة.
تحمّل ألبرتو وجود بيانكا طوال تلك السنوات لسببٍ واحد فقط: لأنها كانت شقيقة الأم التي لم يعرفها قط.
حتى كراهيتها واحتقارها لم يجرحاه، فقد كان قادرًا على تفهّمهما.
ففي النهاية، لم يبقَ أحد على قيد الحياة ليقول الحقيقة.
ربما كان هو بالفعل بذرة الخطيئة، كما كانت بيانكا تصرّ على وصفه.
تحمّل الغضب والازدراء والكره من الآخرين… كان طريقته في التكفير.
حتى لو لم يرتكب هو نفسه أي ذنب.
حتى لو لم يكن أحد قادرًا على القول بيقين إن كانت هناك خطيئة أصلًا.
إن كان مجرد وجوده يجلب الألم للآخرين، فذلك يكفيه كعقاب.
«أنا من قتله.»
توقّف تنفّس بيانكا.
امتلأت عيناها بالدموع، وخرجت منها شهقة حادة، ثم أطلقت صرخة عالية وارتدّت بعيدًا عنه، تسقط بجسدها المرتجف على طرف الأريكة.
قال ألبرتو ببرود: «ربما كان عليّ أن أُحدث بعض الضجيج أيضًا. تمنح أحدهم لقب دوق، فيظن أنه بات يملك الحق في التدخل في كل صغيرة وكبيرة…»
بالطبع، لم يكن ذلك صحيحًا.
في ذلك اليوم، لم يكن ألبرتو في الشمال أصلًا.
لقد استُدعي إلى القصر الإمبراطوري، وكان لديه دليل قاطع على مكانه.
لكنه قالها على أي حال.
لأن تلك المرأة البائسة المليئة بالكراهية أمامه… كانت بحاجة إلى سماع هذا الجواب.
«إذًا، عمّتي…»
«عودي إلى منزلك. ما دمتِ تملكين أبناءً يمكنك الرجوع إليهم. هل تدركين كم هو مرهق تنظيف الفوضى التي تتركينها وراءك في كل مرة؟ لقد نفد صبري تمامًا، والآن—»
تحطّم!
لكن هذه المرة، لم يصدر صوت الانفجار الزجاجي من غرفة الجلوس.
اتجهت عينا ألبرتو إلى الأعلى.
وقف ببطء، وأطلّ من النافذة نصف جسده.
كانت نافذة غرفة رابِيانا مفتوحة.
الستائر تتمايل في مهب الريح، ومن خلال الفتحة بين القماش، لمح خصلات شعرٍ بنية اللون تختفي في الظلام.
«…آه.»
لقد سمعت كل شيء.
تذكّر ألبرتو الابتسامة التي رسمتها رابِيانا حين شكرته في وقتٍ سابق.
كانت متأثرة للغاية لأنه دافع عنها مرة واحدة فقط. كم كان من السهل إرضاؤها، أليس كذلك؟
لكن ذلك لم يكن سوى دليلٍ على مدى جوعها لأي ذرة لطف.
والآن، شعر بشيءٍ ينعصر في صدره.
كأنّ كل ما حدث كان خطأه—لأنه ألقى بها في هاوية من البؤس، وجعلها تصدّق شيئًا لم يكن حقيقيًا أصلًا.
لم يكن ليهتم لو قلبت بيانكا قصر روين رأسًا على عقب… لولا وجود رابِيانا. ومع ذلك، ظلّ وجهها الشاحب يلاحقه في ذهنه طوال الوقت، يطارده حتى أثناء انشغاله بالعمل.
بسبب رابِيانا، صار يفعل أشياء لا تشبهه أبدًا، وأدرك بانزعاج أن هذا الأمر بدأ يزعجه حقًا.
«لـ- لـ- لا تقترب مني!»
نظر إليها ألبرتو ببرود، وهي ترتجف كغصن شجرة حور مرتجف في الريح.
كان لا بد له من إنهاء ما بدأه، من إخافتها حتى النهاية.
«قلتُ لكِ سابقًا—اخرجي قبل أن تفقدي القدرة على السير على قدميكِ الاثنتين.»
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"