“ماذا تظنين؟ إنها هدايا المنافقين الذين يرحبون بك بصفتك دوقة الآن.”
“…منافقين؟”
“من الذي يرغب في أن يجعل عائلة لوين خصماً له؟ هناك كثيرون يتمنون أن تربطهم صلة بهذه العائلة، وكل ما يفعلونه من تملق لكِ إنما هو لمصالحهم الخاصة.”
بدأت جوليا تقرأ الرسائل التي أرسلتها سيدات المجتمع. كلها تتوسل دعوة واحدة.
“هذه المرة، المرسِل هو المركيز كارتر، اللورد لورانس.”
“لورانس؟”
ما إن سمعت رابيانا ذلك الاسم المألوف حتى انتفضت. فسألت جوليا بدهشة:
“هل تعرفينه؟”
“نعم. إنه قريبي.”
كان في الحقيقة قريباً بعيداً بلا دم مشترك، بل أشبه بصديق، لكن رابيانا كانت تصر على وصفه بالقريب. لعل ذلك يمنحها بعض المبرر لجميل ما أخذه على عاتقه تجاهها.
فتحت جوليا صندوقاً من الأحجار الكريمة الفاخرة بعد أن أنهت قراءة الرسالة.
“يقول إنها هدية بمناسبة الزواج.”
لكن ما احتواه الصندوق من عقود وخواتم كان أفخم مما يمكن أن يسمى هدية قرابة، غير أن جوليا مرّت على الأمر بسطحية معتبرة أن قريبها واسع الكرم.
مدّت رابيانا يدها تلمس عقداً من الياقوت. لم تكن تتوقع هذه الهدية أبداً.
✦✦✦
أما ألبرتو فكان يتفقد القرية، متأملاً أحوال سكان الإقطاعية.
فما من شيء أدق من أن يرى الحاكم بعينيه ما يحتاجه رعيته وما لا يحتاجونه.
ألبرتو لم يكن يثق بأقوال الآخرين، بل لا يوقن إلا بما يراه ويسمعه بنفسه.
وكانت دوقية الشمال أرضاً شحيحة الغلة. الاضطرار إلى شراء الحبوب من خارجها أوقعهم تحت رحمة التجار الذين استغلوا طبيعة المنطقة ورفعوا أرباحهم، مما ألحق أضراراً جسيمة بالسوق.
الاسم مألوف لديه. قريب بعيد لرابيانا، ذاك الذي كان يعتني بها برعاية دقيقة.
“لا بد من التفاوض معه.”
وإن كان طرف التفاوض من أقارب زوجته، فقد يكون ذلك مدعاة لشروطٍ أفضل. لكنه لم يكن يتوقع أن تكون المفاوضة يسيرة، فمجرد حضور لورانس كارتر ينفث جواً من الكراهية المبطنة.
استعاد ألبرتو صورة الرجل يوم الزفاف.
لم يستطع أن يفهم تماماً ما الذي كان يختبئ في نظرته، وهو يحدّق برابيانا طوال الحفل بلا انقطاع، لكنه لمس عمقاً وإصراراً مريبين.
كان ذلك التحديق الكئيب عالقاً في ذهنه لا يغادره.
( … لأنها صديقة الدوق، يا سيدي. )
تردّد ذلك الصوت في صدره، تاركاً أثراً من الانقباض.
منذ انكشاف أمر سكارليت، كان ألبرتو قد صب جام غضبه على رابيانا. أجل، يعترف أنه بالغ في شدّته. كانت هي أكثر من تأذى، ومع ذلك فإن براءتها التي تدفعها للثقة بالناس أوجعته حتى لم يستطع كبح ثورته.
وكان يعرف أن مجرد نطقها بتلك الكلمات بصوتٍ خافت مرتجف قد استلزم منها شجاعة هائلة.
وهذا ما زاد من ثقل قلبه وضيقه.
فالبيت الكبير يزخر بالعيون والآذان، وبواسطتهم انتشرت فضائح سكارليت في أرجاء الشمال بسرعة.
سكارليت التي اعتاد الجميع أن يرونها لطيفة، حين شاع خبر محاولتها النيل من دوقة لوين، لم تعد مكانتها تُغتفر في نظر المجتمع المخملي.
بدأ المقربون أولاً ينأون عنها، ثم أخذت في الانعزال شيئاً فشيئاً. لم يعد أحد يرحب بها في المجالس، وانقطعت عنها الدعوات والرسائل التي كانت تنهال عليها من قبل.
ومع ذلك، فإن ألبرتو، حتى بعد سماعه بكل ذلك، لم يستطع أن يزيح رابيانا من تفكيره.
“سيدي الدوق، هل تشاجرتما كزوجين؟”
“تشاجرنا؟”
رمقه ألبرتو بنظرة حادة وهو يحدّق في معاونه، فيل.
“لقد بدت علاقتكما فاترة في الأيام الأخيرة.”
“أترى نفسك معنياً بأموري الخاصة؟”
“حين يتعلق الأمر بسيدي، فإن الجميع يقلق. أما أنا شخصياً فلا أبالي كثيراً…”
كان فيل ينوي أن يطرح الأمر على نحوٍ عابر، نصيحةً لأجل استقرار القصر. وردّة الفعل تلك أكدت له أن الأمر لا يخلو من خلاف زوجي.
برغم أن مبدؤه الابتعاد عن التدخل في ما لا يعنيه، غير أن قلبه كان مشغولاً بخادمة أعجبته مؤخراً، وقد تساءلت هي بدورها عن حال الدوق وزوجته. أراد أن يفاخر أمامها بأنه كان سبباً في إصلاح العلاقة.
“أيّاً ما كان السبب، فإطالة الخلاف لا تجلب خيراً.”
“وما الذي تفهمه أنت؟”
“لقد اعتدت أن أرى أبي وأمي يتشاجران، ثم يتصالحان، بل ويهددان بالطلاق ثم يعودان كأن شيئاً لم يكن. حياة الناس كلّها هكذا.”
سخر ألبرتو بابتسامة باردة. قد يكون بين والدي فيل شيء اسمه الحب، أما هو ورابيانا فليسا على هذه الهيئة من العلاقة.
“ومن واقع خبرتي الطويلة في مشاجرات الأزواج، أقول لك: لو أنك اعتذرت وأتبعت اعتذارك بهدايا سخية، لانتهى كل شيء. فالنساء كذلك.”
“أتظنني مجنوناً؟”
“فكر جيداً يا سيدي. ستنجبان وريثاً، وستقضيان العمر معاً. فما الفائدة من كسب عداوة من هي شريكة حياتك؟”
كان فيل يدرك أن ألبرتو قد تزوّج رابيانا لغرضٍ ما، لكنه لم يكن يعلم ما الذي عرضه عليها فور الزواج.
ومع ذلك، لم تخلُ نصيحة فيل من بعض الصواب.
(لا ضرورة لخلق عداوات لا طائل منها.)
تردّد ألبرتو قليلاً، ثم دخل أحد المتاجر القريبة. أجل، لِمَ لا. إن كان من الممكن غسل شعور الذنب بهدية صغيرة، فهو ثمن بخس.
“هذا… وهذا أيضاً.”
دخل متجر مجوهرات واختار بعض القطع العشوائية التي وقعت عليها عيناه.
فحتى وإن كانت لا ترى، فهي ـ بوصفها دوقة ـ قد تحتاج إلى عقد أو خاتم ترتديه في المناسبات الرسمية.
وعاد بتلك الفكرة إلى القصر.
لكن أول ما رآه عند وصوله كان العقد الياقوتي المتلألئ يزين عنق رابيانا.
ذلك العقد الذي لم يره من قبل جعلها تبدو غريبة عنه، وأثار في ذهنه تساؤلات كثيرة.
ماذا جرى خلال اليومين اللذين غاب فيهما؟
وأي تغييرٍ في قلبها جعلها، وهي التي لم تعتنِ يوماً بالتزين، ترتدي مثل هذا العقد؟
“سيدي الدوق؟”
كانت رابيانا في الغرفة، تقف عند النافذة وقد أخرجت نصف جسدها إلى الخارج، عدا ذلك لم يكن ثمة ما يثير الانزعاج.
اقترب منها ألبرتو بخطوات بطيئة، يخفي علبة العقد التي ابتاعها وراء ظهره.
شعرت بحضوره، فتراجعت لا إرادياً.
حركة غريزية، كطريدة وجدت نفسها أمام صياد.
امتدت يد ألبرتو تلمس عقدها.
رفع الياقوت الأحمر بين أصابعه، وعيناه تغيم فيهما ظلال داكنة.
“هذا.”
“… “
“من أين حصلتِ عليه؟”
“نعم؟”
لم تستوعب رابيانا مغزى سؤاله المفاجئ.
تردّدت، وصمته أثقل الجو أكثر. أنفاسه القريبة بدت مثقلة بالغضب.
كان غاضباً على ما يبدو.
“ما الذي حدث في غيابي؟”
كره ألبرتو أن تقع أحداث لا يعلم بها.
فالرجل الذي خطط لكل شيء في حياته، لم يكن يحتمل أي متغير يعكر نظامه.
لكن رابيانا سرعان ما كبحت ارتباكها.
“… إنها هدية حصلت عليها.”
“مِن مَن؟”
“من لورانس.”
كان اسماً غير متوقع.
رفع ألبرتو حاجبيه دهشة. لم يتخيل ذلك قط.
ورابيانا، غافلة عن انقباض مزاجه، تابعت كلامها ببرود:
“بعثها بمناسبة زواجنا. ورأيت أنه من اللائق أن أرتديها… أأخلعها؟”
هل العقد قبيح في نظره؟
لم تكن تملك مرآة لترى نفسها، لكنها أدركت من ردّة فعله أنه لم يعجبه الأمر.
ألعلّه يراها امرأة متكلّفة بعيدة عن الوقار الذي يريد أن تتحلى به زوجته؟
“انزعيه.”
لم تمهلها كلماته فرصة؛ مدّ يده فجذب العقد بعنف.
احتكّت المشبكة بعنقها فخدشت الجلد قليلاً، وسقط العقد على الأرض ببرود.
“لا يليق بك.”
قعقعة خافتة رافقت سقوطه.
رفعت رابيانا يدها تتحسس عنقها الخالي.
وقد هوت حالتها المزاجية أكثر مما كانت.
لقد اعتادت استخدام الهدايا اليومية التي تصلها من سيدات المجتمع: الشاي الفاخر، العطور، والحلوى.
وكان العقد واحداً منها ليس إلا.
وحتى إن جهلت هوية المرسل، فقد رأت أن قبول الهدية والانتفاع بها من باب رد الجميل.
وربما كان سوء مزاجها أيضاً بسبب كوابيسها الأخيرة.
فقد عاشت من جديد حادث انقلاب العربة الذي فقدت فيه عائلتها و”ويلي”، حتى كاد الكابوس يقتلها ثانية.
ولكي تصرف عن نفسها تلك الظلمة، جرّبت العقد الجديد.
وما إن لبسته، حتى أفرطت جوليا في الإطراء على جماله، فشعرت رابيانا للحظة بالتحسن.
“أنا… سأخرج في نزهة قصيرة. لن أبتعد كثيراً، لن أذهب إلى الممشى، سأكتفي بالحديقة.”
كانت تبحث عن مخرج من الحوار، وعن مسافة تبعدها عنه.
ومع ذلك، شرحت بتفصيلٍ زائد خشية أن يمنعها من الخروج. أدركت كم كان ذلك يشي بضعفها.
تناولت عصاها ونهضت، تضرب الأرض بخطوات ثابتة وهي تمر بجانبه.
لكن فجأة، قبض ألبرتو على خصرها وأوقفها.
قوة قبضته رفعتها عن الأرض، فشهقت وكتمت صرختها وهي تتمسك بكتفيه.
جلس بها على الطاولة أمامه، يخرج أنفاساً ثقيلة، ثم تمتم وكأنه يحدث نفسه:
“لماذا يشتعل غضبي هكذا؟”
لم تستطع رابيانا أن تفهم سبب انفعاله.
كان رجلاً عصياً على الفهم؛ بارد قاسٍ في لحظة، ثم يكشف عن شق صغير يربكها ويتركها حائرة.
وفجأة، امتدت يده تمسك بفخذها.
ارتبكت من تلك اللمسة غير المتوقعة، فجمعت كتفيها إلى الداخل.
انحبس نفسها؛ إحساس غريب يجتاحها من ضغط قبضته على لحمها الطري، يتحرك بيده يعصر ويفلت فيثير إحساساً مربكاً.
عضّت شفتيها تخفي احمرار وجنتيها وهي تخفض رأسها.
لكن سرعان ما أمسك بذقنها ورفع وجهها.
“ما العلاقة بينكما؟”
“… “
“ما الذي يدفع رجلاً لأن يهدي عقداً لامرأة متزوجة؟”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 22"