الرجل الذي عرفته سكاريت لم يكن من النوع الذي تجدي معه الأعذار.
لذلك ركعت فوراً على ركبتيها.
لم يكن الأمر بسيطاً أن تخدع امرأة عمياء لتدخل الغابة ثم تتركها هناك وتخرج وحدها.
ربما كان مصيرها أن تُدفن حيّة.
أظهرت سكاريت ملامح الشفقة، لكنها في داخلها كانت تلعن رابيانا.
كيف عرفت بوجود ألبيرتو رغم أنها لا ترى؟
وكيف فتحت الباب في اللحظة المناسبة كأنها شبح؟
حتى إنها غاصت في وهمٍ يقول إن رابيانا ربما تمنت في سرّها أن تصل سكاريت إلى هذا المأزق.
في ذلك اليوم الذي اختفت فيه رابيانا، بدا ألبيرتو مضطرباً بشكل ملحوظ.
حاول التظاهر بالتماسك، لكن عينيه كانتا لا تفارقان الباب.
وحين قال لويس مع غروب الشمس: “لنبحث عنها”، اندفع ألبيرتو مسرعاً وكأنه كان ينتظر هذه الدعوة منذ البداية.
الجميع خرجوا للبحث عن رابيانا.
لكن لو انكشف للناس أن سكاريت هي التي تركتها في الغابة، فإن سمعتها ستنهار إلى الحضيض.
كانت جرأتها أمام رابيانا نابعة من أن الأخيرة لم تكن تنسجم مع الجماعة.
بل حسبت سكاريت أن شخصية رابيانا غير الاجتماعية كفيلة بأن تُبقي الأمر سراً، ما دامت أحسنت كتمانه.
قالت بصوت مرتجف:
“لقد أخذت السيدة روين إلى الغابة فقط… فقط لأمازحها قليلاً. لم أتصور أبداً أنها ستتعمق إلى ذلك الحد.”
صمت ألبيرتو.
تابعت:
“أنت تعرف أيضاً، يا لورد روين… أنني… أنني أحبك…”
فقاطعها بصرامة:
“يكفي.”
لم يرد ألبيرتو أن يسمع أي تبرير منها.
كان يعلم جيداً أن سكاريت تكنّ له مشاعر، لكنه تغاضى عنها طوال الوقت لأنه لم يكن ينوي مبادلتها.
ألبيرتو كان يكره الإزعاج أشد الكره، وليس هناك ما هو أزعج عنده من امرأة تحبه.
حتى في لقاءات الزواج الرسمية، كان يستثني سكاريت وحدها، لأنه أيقن أنه إن تزوجها فستنشب مشكلات لا تنتهي.
وها هو ذا الدليل، فقد أقدمت على فعلٍ يحتقره أشد الاحتقار.
كان يتخيل كيف ستثور لو عُرض عليها الزواج مع شرط أن تكون مجرد وسيلة للإنجاب فقط.
قال ببرود:
“الاعتذار يجب أن يكون لزوجتي، لا لي.”
سكتت سكاريت، فتابع:
“أيّاً كان ما تقولينه، وأيّاً كان العذر، فلن يمحو ذلك فعلك الوضيع. أنا أتعامل معك الآن بقدر من الاحترام فقط مراعاةً لما كان بيننا من معرفة. فاعتذري لزوجتي وغادري.”
صرخت:
“يا لورد روين…!”
امتلأت عيناها بالدموع.
لكن ألبيرتو نظر إليها ببرود وأصدر أمر الطرد.
كان ذلك قسوة لم تعهدها منه، هو الذي كان يعاملها سابقاً بقدر من اللباقة.
قال:
“لا تقتربي من هنا مرة أخرى.”
كانت كالصاعقة التي قصمت ظهرها.
لم تسمع كلمة دافئة من الرجل الذي أحبته يوماً، وها هي الآن تتلقى منه الاحتقار.
كان ألبيرتو هادئاً، لكن اختفاء لطفه السابق بدا جلياً.
قال بلهجة رسمية:
“سيدة دوقة روين.”
لو استطاعت سكاريت أن تعود بالزمن للوراء لفعلت.
كانت تدرك الآن كم كان فعلها أحمق.
همست بصوت منكسر:
“لقد أخطأت…”
عندها أمسك ألبيرتو بمعصم رابيانا.
حاولت سكاريت وهي تبكي أن تتشبث بثوبه، لكنه نفض يدها ببرود، ثم صعد السلالم ممسكاً بزوجته.
كان جانب وجهه مشدوداً بالغضب.
✦✦✦
ما إن أدخل ألبيرتو رابيانا إلى مكتبه حتى أطلق معصمها من قبضته.
التفت إليها، وكان وجهه متجمداً بالغضب.
ورغم أن رابيانا لا تستطيع أن ترى ملامحه، إلا أنها استشعرت جو التوتر.
قال بنبرة قصيرة متحشرجة:
“لماذا؟”
تنفس بحدة، وكأنه يحاول كبح انفعاله.
“لماذا لم تقولي شيئاً؟”
صمتت.
قال بحدة أكبر:
“لماذا لم تخبريني لماذا ذهبتِ إلى تلك الغابة؟”
لكن رابيانا لاذت بالصمت، كالنحلة التي ابتلعت العسل.
وكان ذلك الصمت وقوداً لغضبه.
لو أنها فقط قالت: “بسبب سكاريت”، لكان الأمر أسهل.
على الأقل لفهم الموقف ولم يصرخ في وجهها.
تذكر الكلمات التي رماها في السابق:
«لمجرد أن القانون يسميك زوجتي، تظنين حقاً أنك زوجتي؟ عليك أن تعرفي قدرك.»
«لماذا دخلتِ الغابة؟ أنتِ لا ترين شيئاً، أليس كذلك؟»
كانت كلمات قاسية قالها بدافع الضيق.
والآن عاد ليسألها بنفس الحدة:
“ألم تدركي حقاً أن تلك المرأة كانت تريد أن توقع بك؟”
أجابت بهدوء:
“حتى لو كنت أدركت… لذهبتُ على أي حال.”
قال مذهولاً:
“ماذا؟”
“قد يرى الدوق أنني مثيرة للضيق… لكن سكاريت كانت أول من اقترب مني حين كنت وحيدة.”
أحسّ ألبيرتو أن رأسه يكاد ينفجر من غبائها.
“استفيقي من أحلامك.”
“…….”
“لا أعلم أي وهم تعيشين فيه، لكن مثل تلك الألعاب التي تسمينها صداقة لا يمارسها إلا من هم في المستوى ذاته.”
المستوى….
راحت رابيانا تردد تلك الكلمة المؤلمة في أعماقها. لم تظن يوماً أن مستواها يوازي معارف ألبيرتو، لكن سماعها مباشرة منه بأنها غير جديرة بذلك جرح قلبها.
كأن كل هدوءها وفرحتها التي جمعتها في هذه الغرفة معه قد تحطّم إلى شظايا.
“على الأقل كان ينبغي أن تخبريني.”
“…….”
“ألا تدركين أنني…!”
كان السبب الأكبر لجنون ألبيرتو وغضبه أن غباءها ذاك هو ما جعلها تتأذى.
لقد كان يجهل الأمر تماماً. ظن فقط أنها خرجت تتمشى بدافع الضجر أو الملل.
لكنها في الحقيقة خُدعت بكلام سكاريت حين زعمت أن ألبيرتو هو من دعاها. لم يخطر بباله أبداً أن يقع شيء كهذا.
أصبح فضولاً ينهش صدره: أي تفكير هذا الذي يقودها لتكون بتلك البلاهة والطيبة في آن؟
“ما السبب في أنك لم تخبريني؟”
قبلت رابيانا غضبه العارم بصمت، فلم يكن بيدها شيء آخر تفعله.
“… لأنها من معارف الدوق.”
“ماذا؟”
“لم أرد أن أفسد علاقتك بها. هي معرفة صنعتها بجهدك، كما قلت أنتَ من قبل، ليست علاقة تحتاج أن تشاركني فيها كزوجة. لم أحتمل أن تكون كلماتي سبباً في انهيار سنوات مضت بينكما.”
نعم، كان ذلك تجاوزاً منها. ليس من حقها أن تحكم على معارفه.
«على كل حال، أنا عابرة سبيل في حياتك. فلماذا تُعرّفني بهم؟»
كما قال هو: رابيانا مجرد شخص سيرحل من حياته في النهاية.
أما سكاريت فمختلفة. ليست عابرة ولا مؤقتة. بل قد تكون مرتبطة به أعمق مما تظن رابيانا نفسها. إنها من عالمه، لا من خارجه.
حين سمع ألبيرتو صراحتها تلك، بدأ يعود تدريجياً إلى هدوئه.
“أنتِ حمقاء.”
“…….”
“ومتجاوزة لحدودك.”
“…….”
“أيّاً كان ما تقولينه، فإن تلك العلاقة قراري أنا وحدي. أترين أنني أحمق لدرجة أن أسمح لامرأة مؤقتة أن تملي عليّ كيف أتعامل مع من حولي؟”
بدأت رابيانا تنكمش أكثر فأكثر. لم تكن أوهاماً منها، لكنها حين سمعت كلماته أحست كمن استيقظ من حلم جميل.
راحت كلمات ألبيرتو السابقة ترن في أذنيها: «لا تفعلي شيئاً.»
لكن ماذا كان عليها أن تفعل؟ كيف؟
همست:
“أنا آسفة…”
“ألا يمكنك الكف عن قول تلك الكلمة؟”
“…….”
“أيعني لا خيار لديك سوى الاعتذار؟”
لم يكن بوسع رابيانا أن تقول شيئاً غيره. لم يكن مسموحاً أن ترفض، ولم تجرؤ أن تجادله، لأنه كان محقاً في كلامه.
لكن حين نهاها حتى عن الاعتذار، كاد البكاء يخنقها.
بدا واضحاً أن ألبيرتو يكرهها.
كل كلمة، كل فعل يصدر عنها لا يعجبه. فلم تجد إلا أن غادرت مكتب الدوق بصمت. لم يكن هناك ما يُقال بعد.
دُوّي.
كان صوت الباب وهو يُغلق خلفها يشبه وقع قلبها حين سقط من بين ضلوعها.
وكما توقعت، لم يحاول ألبيرتو أن يستوقفها.
✦✦✦
كالسحر، تباعدت المسافة بينهما.
ولم يعد ألبيرتو يفكر في استدعائها إلى مكتبه.
أما رابيانا فكانت تقرأ كتاب برايل الذي جلبته معها، تعيد قراءته مرة بعد مرة، محاولة ألا تغادر حجرتها.
لم يكن بينهما أي علاقة زوجية. منذ البداية لم تتح لهما الفرصة، فهو لم يعد إلا متأخراً عند الفجر.
“سأخرج في مهمة استطلاع.”
قالها ألبيرتو بينما كانت رابيانا تقرأ كتاب برايل للمرة الخامسة. فتح الباب، ووضع بين يديها كتاباً جديداً ليبدل به القديم، ثم غادر بعد تلك الجملة القصيرة.
كانت تفهم أن مقصده أن تبقى هادئة مكانها.
“سيدتي، لقد وصلَت رسائل وهدايا لكِ!”
دخل الخادم يتقدمه جوليا بخطوات مفعمة بالسرور.
فجأة امتلأت الغرفة بالهدايا.
وراحت جوليا تشرحها كلها، بينما ظلت رابيانا مذهولة تجلس على السرير، ثم نهضت في ارتباك.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات