صحيح أن رابيانا كانت تقف أمام ألبرتو كما أراد، لكن ما حدث للتو لم يكن بإرادتها، ومع ذلك، تحدث وكأنها هي من ارتكبت خطأ، فشعرت بشيء من الظلم والضيق.
ومع ذلك، لم تستطع الرد على ألبرتو، لأنه كان هو من قدّم لها الهدية.
أحضر لها معلمة لتعليمها طريقة برايل، واشترى لها كتبًا.
كل ذلك فعله ألبرتو من تلقاء نفسه.
“أنا آسفة… يا دوق.”
رابيانا، التي كانت قد قررت أن تكتفي بالجلوس بهدوء وقراءة الكتاب، استدارت لتعتذر.
وفي تلك اللحظة، كاد جبينها أن يلامس ذقن ألبرتو.
كان قد مدّ يده بسهولة لانتشال كتاب من الرف،
لكنه توقف ونظر إلى الأسفل.
رأى رابيانا تنظر إليه، ممسكة بجبينها.
رغم أن نظراتهما لم تتلاقَ تمامًا، إلا أنه أدرك أنها كانت تنظر إليه.
“آس… آسفة…”
رغم أنه لم يقل أو يفعل شيئًا، بدأت رابيانا تتلعثم، ووجنتاها تحمرّتا.
شعر فجأة برغبة في مضايقتها، وكانت شفتاها، التي تعضّها بخفة، تبدو حمراء بشكل مغرٍ.
رغم أنه لم يكن مهتمًا بالنساء كثيرًا، إلا أن لياليه مع رابيانا راقت له أكثر مما توقع—حتى أنه كان يتذكرها من حين لآخر.
انحنى قليلًا.
الكتاب الذي كان يسحبه من الرف علِق طرفه.
أمسك بذقنها، فسكتت شفتاها.
ضغط بإبهامه على منتصف شفتيها، فانفرجتا قليلًا، كاشفتين عن لسان وردي وأسنان بيضاء.
كان هناك لعاب خفيف يتجمع داخل فمها.
اقترب أكثر، وجهه على وشك ملامستها…
طرق، طرق.
دبّ الرعب في قلب رابيانا، فتراجعت فجأة إلى الوراء.
انفلتت من يديه بسرعة، ثم استدارت بارتباك.
“يا دوق! أحضرنا دفعة جديدة من الكتب!”
ناولها ألبرتو الكتاب، وهو يهدئ ضربات قلبها المتسارعة، ثم فتح باب المكتب.
كان أربعة من الخدم يحملون الكثير من كتب برايل، كلها مخصصة لرابيانا.
لكن رغم ذلك، لم ينظر ألبرتو إليهم بعين الرضا.
أخفى مشاعره بتنهد قصير.
“دعهم يدخلون.”
✦✦✦
“هل تشعرين بتحسن الآن، سيدة لوين؟”
الشخص الذي زار رابيانا في الصباح الباكر لم يكن ممن تحمل لهم ذكريات طيبة.
جاء ليطمئن على حالها، لكن زيارتها لم تكن موضع ترحيب.
خيم جو من التوتر على غرفة الاستقبال.
خلعت الزائرة قبعتها، وأخذت تعبث بتجعيدات شعرها الكثيف بأصابعها.
“لقد أصبتُ بالذعر عندما اختفيتِ في الغابة.”
كانت الزائرة “سكارليت”، وقد أتت لزيارة رابيانا أثناء غياب ألبرتو المؤقت عن مكتبه.
رغم أنها دُعيت إلى غرفة الاستقبال بإرشاد الخادم، لم تكن رابيانا تعرف كيف تتعامل معها.
فبالرغم من أن سكارليت من معارف ألبرتو، فهي نفسها من سببت المتاعب لرابيانا.
“ألا ترحبين بي؟ هذا محبط.”
لم تكن رابيانا قد نسيت ما حدث ذلك اليوم، حتى إن لم تكن تفكر فيه دائمًا.
ألم يكن غريبًا أن تتبع سكارليت إلى الغابة، ثم تجد نفسها محاصرة؟
لماذا ذهبت إلى تلك الغابة أصلاً؟
لو كان ألبرتو من دعاها، لما فكرت بذلك الشكل.
رغم أن ذكريات ذلك اليوم كانت مؤلمة ومحزنة، إلا أنها مضت بالفعل.
ولم تكن رابيانا تنوي أن تفتح الموضوع مع سكارليت مجددًا.
ألبرتو لم يسأل عن التفاصيل، ورابيانا بدورها التزمت الصمت.
لو لم تأتِ سكارليت، لربما مرت الأمور بسلام.
أو ربما، لو فسرت الأمر على أنه مجرد سوء فهم، لزالت المرارة من قلب رابيانا.
“بخصوص ما حدث في ذلك اليوم…”
قالت رابيانا.
“هل فعلاً… زوجي هو من طلب منكِ أن تصطحبيني؟”
سألتها بصراحة.
فإن أنكرت سكارليت ذلك، كانت رابيانا مستعدة لتصدقها، أيًّا كانت كلماتها.
فهي مجرد صديقة لزوجها، ورابيانا لم تكن تملك أي حق في التسبب بمشاكل بينهما.
فهي ليست الزوجة الحقيقية.
وفي أعماقها، كانت تتمنى أن تنفي ذلك.
حين مدت سكارليت يدها نحوها—بغض النظر عن النية—فرحت رابيانا بصدق.
أخفت يديها المرتجفتين بوضع إحداهما فوق الأخرى.
طال الصمت، وبدأ القلق ينهش قلبها.
كانت تتمنى لو تقول لها: “نعم، هو من طلب مني”،
ولو حتى بانفعال.
سكارليت نَقرت بأظافرها، ثم تنهدت وقالت بصوت ناعم:
“أنا آسفة… لقد كنت ثملة في ذلك اليوم، ولم أكن في وعيي.”
كما توقعت… لم يكن هو من طلب منها.
رغم أنها كانت تتوقع هذا الرد واستعدت له، ارتشفت من كوب الشاي.
ورغم أن ما شربته كان شايًا أخضر، بقي الطعم مرًّا في فمها.
منذ البداية، كان ألبرتو يعاملها كعبء.
لذا لم يكن مستغربًا.
“لم أكن أقصد أبدًا أن أضعكِ في موقف صعب.”
صحيح، حتى لو ظنتِ شيئًا بسبب السكر…
حتى لو أخذتِ رابيانا إلى الغابة بالخطأ،
فهي كانت مستعدة لتجاوز الأمر.
فهي كانت أول من اقترب منها.
وأرادت أن تتذكرها كصديقة محتملة، لا كمصدر للأذى.
بحثت رابيانا عن الكلمات، لكنها لم تستطع قول “لا بأس”.
ذلك الخوف لا يزال يسكن جسدها.
وبينما كانت سكارليت تنتظر كلامها بملل، تحدثت مجددًا.
“هل أخبرتِ اللورد لوين؟”
“……”
“لن تخبريه، صحيح؟”
لكن ما إن أدركت رابيانا أن قلق سكارليت لم يكن من أجل سلامتها أو مشاعرها، بل من أجل شخص آخر، لم تستطع تحمّل الأمر أكثر من ذلك.
شعرت وكأن القلب الذي كانت تحاول حمايته يتداعى.
سمعت همسة من داخلها تقول:
ومن الذي سيحبك أصلًا؟
أرادت أن تصم أذنيها عن ذلك الصوت، فنهضت فجأة وفتحت الباب.
لم تعد تحتمل. لم تعد ترغب بأن تتأذى من سكارليت مجددًا.
ربما كان الأفضل لو أنها لم تسأل منذ البداية. كان من الأهون أن تظن أن الأمر مجرد سوء فهم.
لماذا تهتم سكارليت كثيرًا بما سيفكر فيه ألبرتو؟
إن كان مجرد سوء فهم، أو حتى خطأ، ألم يكن من المفترض أن تعتذر لرابيانا أولًا، بدلًا من أن تقلق بشأن ألبرتو؟
ذلك القلق في صوتها من أن يكون ألبرتو قد عرف الحقيقة،
زاد من مخاوف رابيانا، وجعلها تشك أكثر بأنها كانت تنوي إيذاءها عن قصد.
شعرت بجفاف في حلقها، فابتلعت ريقها. أرادت أن تتحدث بنبرة طبيعية، لكن صوتها خرج مرتجفًا.
“أ… أرجوكِ، غادري الآن.”
“إن وعدتِ بأنكِ لن تخبري اللورد لوين.”
كرهت رابيانا أن ترى سكارليت تهتم فقط برضا ألبرتو حتى النهاية.
ربما كانت تأمل ولو قليلًا أن تهتم سكارليت بمشاعرها. لكن لعل ذلك كان طموحًا مبالغًا فيه.
مع أنها كانت المخطئة بحقي…
شعرت بغصّة تجتاح صدرها، فعضّت شفتيها لتمنع دموعها من الانهمار.
ظنّت أنه إن قالت فقط ما تريده سكارليت، فسترحل.
ففتحت شفتيها وقالت:
“أنا…”
لكن في تلك اللحظة—
“ما الذي لا ينبغي لي أن أعرفه؟”
لم تكن رابيانا تعلم أن ألبرتو كان واقفًا خلف الباب الذي فتحته بنفسها.
ولا حتى سكارليت، التي كانت تدير ظهرها لرابيانا، لاحظت وجوده.
“اللّ… اللورد لوين!”
درررررك!
اندفعت سكارليت واقفة من الكرسي، وقد شحب وجهها تمامًا.
وفي خضم صوت الكرسي العالي الذي جره ارتطامه بالأرض، داست رابيانا دون قصد على قدم ألبرتو.
“آه، آه… آسفة…”
“لا بأس.”
وحين حاولت سحب قدمها بسرعة، اختلّ توازنها وكادت تسقط.
لكن ألبرتو أمسك بها ومنعها من السقوط.
“اللورد لوين، ليس كما يبدو…”
“ليس كما يبدو؟”
أمسك ألبرتو بنهاية عبارتها، طالبًا منها أن تشرح، لكن سكارليت سكتت فجأة، ولم تستطع قول شيء.
كل ما فكرت به هو: لقد انكشفت.
رابيانا لم تحب هذا الوضع. ما حدث كان بين سكارليت وألبرتو، ويجب عليهما حلّه بينهما.
ومهما كانت نوايا سكارليت، لم تكن رابيانا ترغب بالاحتماء بظل ألبرتو.
“لا شيء مهم.”
نظر ألبرتو إلى وجه رابيانا فجأة. اقترب منها دون سابق إنذار.
ومع اقتراب ظله، أمسكت رابيانا بذراعه لا إراديًا.
“لكن يبدو أن الأمر ليس بلا أهمية.”
“ماذا؟”
مدّت رابيانا يدها إلى وجهها، لم تكن تعلم ما هو التعبير الذي ارتسم على وجهها في تلك اللحظة.
والحقيقة، أن ألبرتو كان قد سمع كل ما دار بينهما.
سمع اعتذار سكارليت، وسمع سؤال رابيانا إن كان هو من طلب منها أن تصطحبها، وسمع السؤال الوقح إن كانت ستخبره بذلك أم لا.
وبعد أن سمع كل شيء، بات يدرك ما حدث “ذلك اليوم”.
سكارليت هي من أخذت رابيانا إلى الغابة. وكذبت قائلة إن ألبرتو هو من طلب منها ذلك.
تذكّر حينها كيف صرخ في وجه رابيانا وقال لها:
لماذا لم تبقي مكانك؟
لقد غضب من دون أن يتحقق من أي شيء، وهو لم يكن غاضبًا لأنه اتهمها، بل لأنه كان قلقًا عليها.
ذلك الغضب نفسه بدأ يغلي مجددًا في داخله.
أما سكارليت، التي كانت ذكية وسريعة الفهم، أدركت بسهولة أن ألبرتو سمع كل شيء.
وها قد حدث الأمر الذي كانت تخشاه أكثر من أي شيء.
والآن، أخذت تفكر بيأس في ما يمكنها فعله لتتفادى غضب ألبرتو.
“…أنا… أنا أخطأت.”
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 20"