لقد انتهى موسمه—وكان ذلك تمامًا بسبب رابيانا. عقدة ثقيلة من الذنب خنقت قلبها، فأغمضت عينيها بإحكام.
لا تبكي… ليس بعد. العريس لم يصل حتى الآن—الانفجار بالبكاء الآن سيجعل الجميع يحدّق بكِ.
وكأن أفكارها قد استُدعيت، انفتحت أبواب الكنيسة الرئيسية على مصراعيها. شعرت بتغير الهواء ذاته.
خطوات—ثابتة، غير مستعجلة، لكنها تحمل ثقلاً واضحًا—تقدّمت فوق طريق العروس.
لقد وصل.
جمعت رابيانا أطراف أصابعها المرتجفة، وانتظرت.
“هاه؟ لماذا…؟”
“من هذا الرجل؟ ماذا يفعل هنا؟”
تمتمات مندهشة انتشرت بين المقاعد. وبدلًا من الالتفات—ما فائدة عينيها المغشاة؟—ركّزت رابيانا كل حواسها الأخرى.
كانت تقرأ العالم بالصوت وباهتزاز الهواء.
اقتربت الخطوات المنتظمة، ونسمة باردة تسللت تحت حجابها.
وأخيرًا، توقف الغريب بجانبها. كان حضوره طاغيًا، يملأ المساحة على يسارها.
قال بصوت منخفض وسلس، بدا أصغر بكثير من الستين عامًا التي نُسبت إلى الكونت في الشائعات:
“يبدو أنني وصلت متأخرًا.”
عقدت رابيانا حاجبيها في حيرة.
صوت المتكلم كان، دون شك، أقرب لعمرها… من هو هذا؟
بينما كانت تحاول استيعاب ما يجري، التفت الرجل نحو الشخص الذي سيعقد الزواج.
“ابدأ.”
“لـ… لكن العريس المفترض هو الكونت بيل فورد—”
تحرّكت إحدى المقاعد بصوت حاد، وتدخل لورنس بنبرة تجمع بين التسلية والغضب:
“أي وقاحة هذه؟ تقتحم زفاف رجل آخر؟”
استدارت رابيانا بعينيها الغافلتين نحو مصدر الجلبة.
ليتني أستطيع الرؤية…
دبّ الذعر في صدرها؛ هناك شيء فادح قد حدث.
نظر الوافد الجديد إلى لورنس، ثم إلى الضيوف الذين بدأوا يتهامسون، ورفع حاجبيه وكأنه يعتذر عن المشهد.
ثم أخرج من جيبه رسالة مطوية، وقدمها لمن يعقد الزواج.
“يرجى قراءة هذه. تأمينها هو ما أخّرني.”
“آه، نـ-نعم…”
شحُب وجه العاقد وهو يفتح الرسالة، وبدأ العرق البارد يتصبب من جبينه.
تحركت عيناه بين رابيانا، والغريب بجانبها، ولورنس الذي كان يرمقه بنظرات كأنها سهام.
ابتلع ريقه بصعوبة وقرأ بصوت مسموع:
“أنا، الكونت بيل فورد، أصرّح بموجب هذه الرسالة أنني قد بعتُ خطيبتي المقررة، رابيانا سيلدن، مقابل مبلغ كبير من المال…”
ماذا؟
“واعتبارًا من هذا اليوم، فإن الرجل الذي يحمل هذه الرسالة سيكون زوجها، وليس أنا.”
لم تستطع رابيانا تصديق ما تسمعه. صحيح أنها لم تكن متزوجة من الكونت بعد، فهذا اليوم كان من المفترض أن يكون يوم الزفاف، لكن حتى مع ذلك—سواء تزوجها أم لا—لم يكن من حقه أن يبيعها.
خطت خطوة متعثرة نحو العاقد، مشوشة وغاضبة—
لكن يدًا قبضت على معصمها وسحبتها بقوة إلى الوراء.
“ستقعين. هناك عتبة.”
“…ما هذا؟ بيع؟ لماذا قد يبيعني؟”
تجمّدت للحظة من وقع اللمسة المفاجئة. انتزعت رابيانا ذراعها بعنف لتتحرر. بالنسبة لها، من باعها ومن اشتراها سواء.
دبّ الذعر في أحشائها، وجسدها تحرك غريزيًا باحثًا عن الشخص الوحيد الذي تثق به.
أدارت رأسها نحو الجهة التي أخبرها لورنس أنه سيكون واقفًا فيها—على يسارها.
كانا قد تحدثا عن ذلك قبل دخولهما الكنيسة مباشرة.
مدّت يدها، تستعد للتحرك—
لكن الرجل جذبها مجددًا، وأعادها إلى جانبه.
رفعت رابيانا رأسها، تلعن عماها.
أرادت—لا، كانت تحتاج—أن ترى وجه الرجل الذي اقتحم زفافها مدعيًا أنه اشتراها.
صمتت الهمسات، ليعود صوته من جديد، بارداً وواثقاً.
“وصيّكِ القانوني، المركيز كارتر، قبل المال من بيل فورد مقابل التنازل عنك.”
“……”
“وقد دفعت مبلغًا مناسبًا للحصول عليكِ.”
في اللحظة التي حوّلت فيها كلماته شكوكها إلى حقيقة،
اهتز عالم رابيانا بالكامل.
ذلك الأمل الخافت، المليء باليأس—
أن لورنس، الرجل الذي عاملها كعائلة، لا يمكن أن يكون جزءًا من هذا—
تحطم تمامًا.
أرادت أن تمزق حجابها، أن تطرحه أرضًا، وأن تخرج من الكنيسة غاضبة.
لكن اليد الفولاذية التي أمسكت بكتفها منعتها من الحركة.
لم يكن هناك مفر من قوة هذا الغريب.
رائحته ملأت الهواء بينهما، تضغط عليها كما لو كانت سلاسل من حديد.
وأخيرًا، قال:
“أعتذر عن تأخري في التعريف بنفسي.”
أمسك يد رابيانا برفق.
كان تقديمًا من طرف واحد، تمامًا كدخوله.
“أنا ألبرتو ڤيل لوين، زوجكِ المستقبلي.”
من هذا الرجل بحق السماء؟
***
انتهى الزفاف بطريقة فوضوية. والأغرب أن لورنس لم يعترض بعدها قط. صمته كان بمثابة موافقة ضمنية على الزواج.
الشيء الوحيد الواضح هو أن الصفقة التي أُبرمت بين ذلك الرجل والكونت بيل فورد لم تكن بموافقة لورنس.
رابيانا تقبّلت كل شيء بهدوء.
حتى وإن تغير العريس، فإن حقيقة أنها كانت مجبرة على الزواج لم تتغير.
إلى متى يمكن لرجل غير متزوج مثل لورنس أن يستمر في رعايتها فقط لأن بينهما صداقة، حتى لو كان ذلك على حساب حياته؟
العريس—ألبرتو ڤيل لوين—تحجج بظروف خاصة لتفادي حفل الاستقبال، ولم تحصل رابيانا على فرصة لتوديع لورنس. وقد كان ذلك مريحًا.
بعد أن علمت أنها بيعت مقابل المال، لم تعتقد أنها ستستطيع مواجهته بوجه هادئ.
كانت الرحلة إلى أراضي ألبرتو طويلة وشاقة.
قُبيل انطلاقهم، قيل لها إنهم سيتوجهون شمالًا، ما يعني أن المسافة ستكون شاسعة.
لم تزر الشمال من قبل، وكانت تتساءل—بخوف—ما نوع المكان الذي ستذهب إليه.
ساد الصمت داخل العربة. وكان ألبرتو هو من كسر السكون أولًا.
“تأخذين الأمر بهدوء أكثر مما توقعت.”
“……”
“ظننت أنكِ ستقاومين أكثر. لكن، أعتقد أنني أفضل من ذلك العجوز، أليس كذلك؟”
هزّت رابيانا رأسها قليلًا.
خفضت عينيها حتى لا تضطر للنظر إلى ألبرتو، الذي لا بد أنه جالس مقابلها.
لا يمكن لهذا الرجل ألا يكون قد سمع الشائعات عنها.
وحتى لو لم يسمع، فلا شك أنه أدرك أنها لا تبصر عندما رُفع عنها الحجاب.
ومع معرفته بكل ذلك، لم تكن تريد أن يرى عينيها الفارغتين.
كانا يتحدثان وكأن لا شيء غريب، لكن حالما يرى نظرتها غير المركّزة، لا بد أنه سيشعر بالضيق.
لا يهم كم كانت مستعدة نفسيًا… التجربة دائمًا أمر آخر.
“بالنسبة لي، لا يهم من يكون الطرف الآخر.”
“أن أُقارن بذلك العجوز الشهواني… معاييركِ قاسية.”
“لم أقصد ذلك. كنت أعني أن هذا الزواج لا يحمل أي قيمة بالنسبة لي، لذا سواء كان الطرف الآخر مسنًّا، أو سيء الطباع، أو قبيح المظهر—فلا فرق لدي.”
أومأ ألبرتو كما لو أنه يوافق. بالفعل، هذه المرأة تعرف جيدًا مكانها.
“يبدو أن الشائعات كانت صحيحة.”
عند كلماته، عضّت رابيانا شفتها.
“الشائعة التي تقول إن رابيانا سيلدن لا تملك تعلقًا كبيرًا بالحياة.”
“…هل كانت هناك شائعة كهذه؟”
“سمعتها، وجئت لأبحث عنك بنفسي.”
كان رجلًا غريبًا.
فما الدافع لاختيار امرأة لا تملك إرادة للحياة لتكون عروسًا؟
لا أحد يرغب في قضاء عمره مع امرأة كئيبة وعمياء.
في الواقع، لولا الكونت بيل فورد، ربما كانت رابيانا ستشيخ وتموت دون زواج، عالة على لطف لورنس.
انتظرت أن يُكمل ألبرتو حديثه.
وفي تلك اللحظة، توقفت العربة التي كانت تسير بسلاسة فجأة.
اهتز الجانب الذي كانت تجلس فيه رابيانا بعنف، وارتفع جسدها في الهواء.
“آه، آه…”
ارتبكت وبدأت تلوّح بذراعيها. لكن يدًا أمسكت بيدها.
وفي اللحظة نفسها، أحاط ذراع قوي خصرها.
كل شيء حدث في لحظة.
أنفها لم يصطدم بجدار العربة، بل بكتف الرجل.
والمسافة بين جسديهما كانت قريبة جدًا.
كان قلبها المذعور ينبض بقوة.
لا بد أنه من أثر الاهتزاز المفاجئ في الظلام.
لم يخطر لها حتى أن تبتعد عن ألبرتو، الذي كان يحتضنها بثبات.
قلبها لم يهدأ.
“ما الذي حدث؟”
سأل ألبرتو بهدوء، بينما فتح نافذة السائق.
أجابه السائق أن غزالًا قفز فجأة من الجبل، وبعد أن وبّخه ألبرتو بصرامة، نظر إلى رابيانا التي كانت لا تزال بين ذراعيه.
نظرت إليه رابيانا في شرود.
ومن دون وعي، رفعت رأسها، كاشفة عن عينيها.
اهتزت شفتا ألبرتو قليلًا.
حدقتاهما الزرقاوان كانتا بلا تركيز. فارغتان ومظلمتان.
ومع ذلك، كان في هاتين العينين قوة غريبة، كأنها تمسك بنظرته بقوة لا تُقاوم.
شعر ألبرتو بانقباض في صدره. فقط من تلاقي العيون، جفّ حلقه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات