اتسعت عينا رابيانا بدهشة. أطلق ألبرتو سحبة نفس خفيفة وترك يدها.
“الشفقة، عندما لا يسمح الموقف بها، ليست سوى تدخل غير مرحّب به.”
“…”
ضاق صدرها بسبب ما عناه ذلك—أن اهتمامها بالعش رغم كونها عمياء، كان تجاوزًا غير ضروري. بالكاد استطاعت رابيانا كبح مشاعرها الجياشة.
كان ألبرتو على حق. تسلّق الشجرة وهي عمياء قد يُعرّضها للأذى، وكذلك قد يُؤذي صغار الطيور. كانت تعرف ذلك، ومع هذا لم تستطع إجبار نفسها على الابتعاد. تسارَع نبضها من مجرد فكرة أن الأم قد تهجر صغارها إذا ما لُمِس العش.
“…أنا آسفة.”
كان ألبرتو ينوي توبيخها فحسب، لكن تعبير وجهها الكئيب جعله يتنهّد مجددًا. لوّح بيده لجوليا لتغادر. وبعد أن ابتعدت الخادمة عن الممر، انحنى وأمسك بالعش الساقط.
دون أن يقول كلمة، تسلّق الشجرة. لم يرغب في التفاخر أو حتى إعلان ما يفعله.
ومع ذلك، شعرت به رابيانا.
“هل… هل تسلّقت، يا دوق؟”
مدّت يدها نحو الشجرة بتوتر، بدت قلقة. كان ألبرتو بارعًا في التسلق، فوضع العش على فرع قوي بثبات، ثم بدأ في النزول.
لكن، في تلك اللحظة، تراجعت رابيانا خطوة للوراء، ولم تنتبه إلى وجود صخرة خلفها، فانزلقت.
“آه!”
أمسك بها ألبرتو من خصرها وسحبها نحوه. عند هذا القرب المفاجئ، تجمّدت رابيانا وتوقّف نفسها.
“أنتِ حقًا كثيرة المتاعب.”
“تجيدين التسبّب بالمشاكل من لا شيء.”
رغم نبرة ألبرتو الناقدة، لم تشعر رابيانا بالألم هذه المرة. لأنها كانت تعلم أن هذه الملاحظة يمكن أن تنطبق عليه أيضًا.
لم يكن من واجبه أن يهتم بشأن رغبتها في إعادة العش إلى مكانه. ومع ذلك، بدلاً من طلب أحدهم، قام بالأمر بنفسه.
بغض النظر عن الدافع، كان فعله دليلاً على أنه فكّر بمشاعرها.
“شكرًا لك.”
“لم أفعل ذلك لأسمع شكرك.”
“لكن رغم ذلك…”
احمرّ أنف رابيانا وهي تنظر إلى ألبرتو المتذمّر. كان يفعل كل شيء من أجلها، ثم يوبّخها بعد ذلك—تمامًا كمن كانت تعرفه سابقًا.
ترى… لو كان ذلك الفتى لا يزال حيًا، هل كان سيتصرّف بالطريقة ذاتها؟
غريب.
كلما نظرت إلى ألبرتو، ظهرت أمامها ذكريات ڤيل.
“أنتِ تبكين كثيرًا لدرجة يصعب ملاحقتها.”
نقرة ـ أخرج ألبرتو صوتًا خفيفًا من لسانه وسحب يده. ضغط بلطف أسفل عينيها. كانت دمعة قد تجمعت وسقطت.
“لماذا تبكين؟”
“…فقط… تذكّرتُ شخصًا ما.”
ضغطت رابيانا على صدرها، محاولة كبح مشاعرها. كانت تفتقد ڤيل بشدة. ذلك الحزن الذي حاولت دفنه منذ زمن عاد ليغمرها.
_ «إذا سقطتِ في الجدول، انهضي. لمَ البكاء؟»
_ «إذا بدا أن كلبًا سيعضّك، اصرخي في وجهه.»
ومع ذلك، كان ڤيل دائمًا يساعدها—وألبرتو يشبهه كثيرًا. راودها ذاك التمنّي السخيف: لو أن ألبرتو كان هو ڤيل.
مسحت دموعها.
ثم مسحت مجددًا، لكن كلما فعلت، زادت الدموع.
“الرجل الذي قلتِ إنني أشبهه؟”
تذكّر ألبرتو ما قالته رابيانا في ليلتهما الأولى. بدأت الشكوك تتسلل إليه.
الذكريات التي ومضت أمام عينيه عندما وجدها في الغابة، آثار الحروق على ظهره، وكيف كانت تكرر أنه يذكّرها بشخصٍ ما—
راودته فكرة غريبة: ربما كان ذلك الرجل هو نفسه. مستحيل، ومع ذلك…
“ماذا كنتِ تقصدين بقولك إنك لم تتمكني من لقائه منذ وقت طويل؟”
عضّت رابيانا شفتها المرتجفة. كان عليها أن تقول إن ڤيل قد مات، لكن الكلمات لم تخرج. أكثر من عشر سنوات مرّت. كان عليها أن تتقبل وفاته، لكنها لم ترد ذلك.
لا يمكن… ومع ذلك، كانت تتمنى لو أنه حي.
“هو فقط… ذهب بعيدًا.”
“بعيد؟”
“من المحتمل أنه يعيش الآن حياته التي أرادها، ويعيش بشكل جيد.”
رغم أنه على الأرجح في العالم الآخر، إلا أن رابيانا كانت تأمل أن تكون أحلامه قد تحققت.
لم ترد الحديث عن هذا الموضوع. كل كلمة تنطقها كانت كأنها تمزّق قلبها بشفرة حادة.
مدّ ألبرتو يده ولمس خدها برفق، ماسحًا دموعها بينما كان يحاول ترتيب أفكاره.
لا يمكن لذلك الرجل أن يكون هو. هذا لا يعقل. كان مجرد تشابه. ومع ذلك، راوده رغبة شديدة في أن يكون هو نفسه ذلك الشخص—كانت فكرة سخيفة. تنهد ألبرتو بهدوء.
“تبكين في كل مرة تتحدثين عنه.”
“…”
“هل… كان شيئًا مؤلمًا؟”
وجد ألبرتو بكاء رابيانا مزعجًا، لكن من المستحيل تجاهله. كان حلقها يؤلمها، لكنها هزّت رأسها. أخيرًا، تمكّنت من الهمس:
“كان… أول حبّ لي.”
“آه…”
شعر ألبرتو بفراغ غريب. قبل لحظات فقط، كان يتخيّل—بغباء—أنه قد يكون ذلك الرجل. يا لسخافة الفكرة.
حتى لو كانت عمياء، فإن الحب الأول لا يُنسى—صوته، أنفاسه، خطواته. كانت لتعرفه.
فقد الاهتمام بسرعة. لم يعد يهمه من يكون حبها الأول. ما أزعجه ليلة الزفاف هو أنها تحدّثت عن رجل آخر أمام زوجها الجديد، لا أكثر. وحتى الآن، لم يشعر إلا بمفاجأة خفيفة—لا شيء إضافي.
“أنا آسفة. لست معتادة على هذا…”
سارعت رابيانا إلى مسح دموعها. وكأن غددها الدمعية قد تعطلت. أنزل ألبرتو يده عن وجهها. شعرت رابيانا بالحرج، فحاولت التوقف عن البكاء وأجبرت نفسها على ابتسامة خفيفة. لم تبكِ أمام أحد منذ وقت طويل—كان ذلك محرجًا.
“إن كان هذا هو وقتك المعتاد للمشي، تفضل. سأعود إلى غرفتي.”
في آخر مرة التقيا فيها على هذا الممر—عندما دفعتها جوليا للخروج—كان ألبرتو غاضبًا وقال لها ألا تظهر هنا مجددًا أثناء نزهاته.
بالطبع، كانت قد تأكدت من جوليا أن هذا الوقت آمن، لذا وجدت ظهور ألبرتو فجأة أمرًا غريبًا—لكنها افترضت أن جدول أعماله قد تغيّر.
رابيانا لم تنسَ مكانتها كضيفة.
كانت دوقة بالاسم فقط. كل هذا كان مؤقتًا—مستعارًا. لا شيء من هذا يخصّها.
لم يمنعها ألبرتو حينما أدارت ظهرها وغادرت. كانت تسير بعصاها، وكأنها على وشك الانهيار في أي لحظة، حين فكّر بمرارة:
إذًا ستواصل بهذا الشكل؟
“إن لم يكن لديكِ ما هو أفضل لتفعليه…” قال ألبرتو، فتوقفت رابيانا في منتصف الخطوة.
“فاقضي وقتك في مكتبي.”
“…عذرًا؟”
استدارت قليلًا، متفاجئة من الاقتراح غير المتوقع من رجلٍ كان قد أمرها من قبل بألا تقترب من ممره. ظلّ طيفه واقفًا في مكانه.
“لا أريدكِ تتجولين وتضيعين مجددًا مثل المرة السابقة. هذا يزعج الآخرين.”
“أوه… لن يحدث ذلك مرّة أُ—” بدأت رابيانا، لكن ألبرتو قاطعها.
“لا وقت لدي لأقلق بشأنكِ باستمرار.”
“…”
“فقط ابقي في مكان أستطيع مراقبتكِ فيه.”
عندها فقط أدركت رابيانا أنه لم يكن اقتراحًا—بل أمرًا. ومع ذلك، شعرت وكأنها عبء عليه.
“سأبقى في غرفتي فقط.”
اجتاحها شعور بالغثيان، كدوار البحر.
لم يقل ألبرتو شيئًا. تابع سيره نحو الخروج من الممر.
ربما لم يكن يقصد شيئًا. ربما جعلت الأمور محرجة له.
لكنها سمعت خطوات سريعة خلفها.
“اعذريني للحظة.”
“م-ماذا؟!”
رفعها ألبرتو على كتفه. تدفق الدم إلى رأسها، فارتبكت وارتبك جسدها. ثبت ساقيها بيده وسار مباشرة خارج الممر.
“إل-إلى أين نحن ذاهبان؟!”
“إلى أين تظنين؟ إلى غرفتي.”
وبالنظر إلى ما سبق من حديثهما، كان واضحًا أن “غرفته” تعني المكتب.
“لِماذا… حقًا يمكنني البقاء في غرفتي”، تمسكت رابيانا برأيها.
لكن ألبرتو رد ببرود:
“إبقاؤكِ أمامي هو الطريقة الوحيدة لأمنعك من التسبّب بالمشاكل.”
فقط انظري—كان يعمل، ومع هذا اضطر لترك كل شيء والذهاب خلفها إلى الممر.
حتى لو قالت إنها ستبقى في غرفتها، لا يمكن الوثوق بأنها لن تهرب.
أكثر من أي شيء، ظنّ ألبرتو أن من الأفضل لسلامه الشخصي أن تبقى حيث يستطيع رؤيتها.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 18"