“حسنًا… لا أريد أن أكون صديقة له. أريد أن أتزوجه.”
ما نوع التعبير الذي ارتسم على وجه لورانس حينها؟ لم تكن رابيانا، التي غمرتها مشاعرها، قد نظرت إليه حتى.
“سوف أتزوج فيل! مهما حدث!”
منذ تلك اللحظة، لم يعد لورانس يحب فيل أبدًا. في الواقع، بدا أنه يكرهه أكثر، مما زاد من انزعاج رابيانا. تتذكر ذات مرة حين أمسكت بلورانس وتوسلت إليه أن يكون لطيفًا مع فيل. كانت تلك أول مرة يحدق فيها لورانس بها بنظرة مجروحة بحق.
“لا أريد أن أفقدك لأي أحد، يا رابيانا.”
بعد شهر من ذلك، وقع الحادث.
في الحادث الذي أودى بحياة عائلتها بأكملها وأصدقائها، كانت رابيانا الناجية الوحيدة.
كانت قد أغمي عليها، بعد أن غمرها الدخان والنيران، حين حملها أحدهم بين ذراعيه.
“ستعودين إلى المنزل معي، يا رابيانا.”
ومن خلال رؤيتها المتقطعة، لمحت وجه لورانس وهو ينظر إليها من الأعلى. لم تتذكر ما إذا كان يبتسم أو يبكي.
✦✦✦
“آهغ… أوغ…”
كانت تتقلب بجسد محموم على السرير. لم يستطع ألبرتو أن يعرف ما إذا كانت تحارب المرض أم كابوسًا. لكنه، على أي حال، ظل واقفًا وذراعيه متشابكتين يراقب رابيانا النائمة في صمت.
كان ألبرتو، متكئًا بكتفه على الحائط، يبدو مرهقًا. ومع ذلك، فقد كان مشوشًا بشدة.
وكل هذا كان بسبب رابيانا.
لم يكن الأمر مجرد أنها غادرت القصر فجأة، وهو ما كان محيرًا بحد ذاته، بل ما زعزع استقراره حقًا كانت تلك الذكريات التي تدفقت فجأة إلى ذهنه بعد أن أغمي عليها.
تذكر وجه فتاة صغيرة مغطى بالدموع. لم يكن يذكر ملامحها، لكنه تذكر كم بكت بحرقة، وكيف مدت يدها لتلتقط يده فور رؤيته، وكيف ارتعش جسدها.
لم يكن يعرف متى حدث ذلك، أو من كانت تلك الفتاة، أو حتى ما إذا كانت ذاكرته حقيقية.
“مزعجة.”
تفلتت الكلمة من شفتي ألبرتو.
كان التعامل مع النبيلات دائمًا يستنزف طاقته. هنّ دومًا يردن الكثير—أن يكون زوجًا عطوفًا ومثاليًا بلا عيوب. وقد سئم من ذلك، فاختار رابيانا.
لم يكن يتوقع شيئًا من زواج بدا بلا معنى من الأساس. وما زال بلا معنى.
كانت رابيانا مزعجة فحسب—تتطلب الكثير من الانتباه بحيث لا يمكن تركها وشأنها.
لقد كان تقديرًا خاطئًا.
حتى امرأة عمياء بلا رغبة في الحياة ما تزال تملك غريزة البقاء.
فما الذي عليه أن يفعله الآن؟
لم تعد تحقق الشروط التي كان يريدها في زوجة.
هل كان جشعًا؟
هل سيستهلك البحث عن امرأة جديدة، حتى الآن، طاقة أقل من الاستمرار بهذا الزواج مع رابيانا؟ كان عقل ألبرتو يدور في حسابات معقدة، حين قاطع حديث نفسه صوت هلوسة رابيانا أثناء نومها.
“لا… تذهب… من فضلك…”
لم يسمعها بوضوح. توقف ألبرتو، ثم اقترب أكثر. كلمات خرجت مع أنفاسها المتقطعة، غارقة بالدموع.
“إنه خطئي… أرجوك…”
قرر ألبرتو أن لا جدوى من الاستماع أكثر، فاستقام واقفًا. كان جبينها معقودًا كما لو أنها تتألم، فتساءل من يكون في ذلك الحلم الذي جعلها تتوسل بهذا الشكل.
الغريب كان ألبرتو نفسه.
كانت شهقات رابيانا تؤثر على مشاعره.
نادراً ما تأثر بأي شيء عاطفيًا. كان يُقال على نطاق واسع إن ذكرياته ومشاعره قد تلاشت منذ زمن بعيد.
ومع ذلك، في اللحظة التي سمع فيها كلمات رابيانا، انقبض صدره، وأحرقت عينيه رغبة بالبكاء.
أدار ألبرتو رأسه، وضحك ضحكة خافتة ساخرة من عبثية الأمر. لم يعرف أي جزء من كلماتها هزّ قلبه.
بالتأكيد لم يكن شفقة مفاجئة على حالها. فعندما وجدها ترتجف في المنطقة المحظورة، كانت مشاعره بعيدة كل البعد عن التعاطف. بل شعر بالضيق، والانزعاج، واللا جدوى.
فلماذا؟ لماذا الآن؟
لماذا تأثر بنحيب امرأة كان من المفترض أن تكون فقط وسيلة لإنجاب وريث؟
خرج ألبرتو من الغرفة فورًا واستدعى مساعده، بيل.
ما كان يلاحقه منذ تلك الليلة الأولى—الإحساس الغامض بالحنين حين رأى رابيانا—بدأ يتحول إلى شيء لا يمكن تجاهله.
“تحقق من ماضي رابيانا سيلدن بالكامل. أريد أن أعرف كل من قابلتهم وكل شيء عن ماضيها.”
✦✦✦
بدأت ذاكرة ألبرتو حين وصل إلى قصر مظلم، ممسكًا بيد رجل.
كان الرجل يعمل في الإسطبل منذ سنوات. كان ظهره محنيًا من الانحناء الطويل على علف الخيول، ويداه، المظلمتان من التنظيف المستمر، خشنَتان ومتشققتان.
“إلى أين نحن ذاهبون؟”
سأل ألبرتو أخيرًا السؤال الذي ظل محتفظًا به.
كان قد استيقظ في كوخ عميق داخل الجبال، وبكى الرجل فور أن فتح ألبرتو عينيه.
قال إنه والده.
ألبرتو لم يصدقه. بدا الرجل بائسًا جدًا ليكون مقنعًا.
كان وجهه غائر الخدود، ومتهالكًا من السنين، وعيناه خاليتان من الحياة.
كان هناك شيء خاطئ فيه.
“إلى أين تظن؟ إلى المكان الذي وُجدت دائمًا لتنتمي إليه.”
“المكان الذي أنتمي إليه؟”
هل هناك مكان كهذا أصلًا؟
لا. قبل ذلك، لم تكن لدى ألبرتو أي ذكريات على الإطلاق. كان ذهنه فارغًا لدرجة أنه لم يستطع حتى التأكد مما إذا كان هذا الرجل هو والده فعلًا.
وعند إدراك الرجل لحالة ألبرتو، شعر بالراحة بدلًا من القلق. قال إن ذلك أفضل، وأنه لا يوجد ما يستحق التذكر. وأنه لن يجلب سوى المتاعب. وأن عليه أن يمحو كل الذكريات القذرة والمخيفة ويبدأ حياة جديدة.
“أمك، كما تعلم، كانت جميلة جدًا، لدرجة أن أمثالي لم يكونوا ليجرؤوا حتى على النظر إليها. كانت ضعيفة، وعلى عكس إخوتها، لم تستطع ركوب الخيل، لكنها كانت تأتي إلى الإسطبل باستمرار. كانت آنسة راقية جدًا، وظننت أنها تريد فقط أن تركب كغيرها، بل وشعرت بالشفقة عليها. لكن اتضح أنها كانت تأتي فقط من أجلي.”
لم يكن هناك ما يثير اهتمام ألبرتو في قصص عن أناس لا يعرفهم.
“ما كان يجب أن أدعك تكتشف ذلك…”
بعدها، لم يعد الرجل يتحدث عن ماضيه. كانت الرحلة إلى الشمال طويلة ومملة.
كانوا يتوقفون كثيرًا للإقامة في قرى. وكان الرجل، القلق من صمت ألبرتو وسكونه، يجره من مكان إلى آخر في البلدة.
في ذلك الوقت، وجد ألبرتو الرجل مزعجًا ومقززًا جدًا.
كان مرهقًا بالفعل من السفر بالعربة. وكان رأسه يؤلمه كأنه سينفجر، والحروق في ظهره تلسعه وتخفق حتى لا يتمكن من النوم.
وفي كل مرة يحاول فيها الراحة، كان الرجل يدفعه قائلًا إن هناك ألعاب نارية أو احتفالًا.
“هذا أيضًا سيصبح ذكرى. وسيكون الوقت قد فات لتشكرني عليه لاحقًا.”
لم يفهم معنى تلك الكلمات إلا بعد أن وصل إلى قصر الدوق في الشمال.
تقدم الرجل إلى الأمام ومعه ألبرتو وقال شيئًا. كان الناس من حولهم يتحدثون باندفاع لدرجة أن كل ما التقطه ألبرتو كان شذرات: الشرعية، ابنها، مخفي، إسطبل.
“هذا لا يُصدّق!”
امرأة كانت تستمع بصمت وقفت فجأة. كانت تملك شعرًا ذهبيًا طويلًا يصل إلى خصرها، ووجهها احمرّ كمن تعرض للإهانة.
“أبي. لا يمكن أبدًا أن تكون أختي قد تورطت مع ذلك العامل الحقير!”
اقتربت المرأة، تصطك كعوبها بشدة على الأرض، وأمسكت بألبرتو من كتفه. وكانت أظافرها الحمراء الحادة تضغط على عنقه.
“كيف يمكن لهذا الوجه أن يشبه أختي بأي شكل؟ لا يوجد أي شبه. ألا ترى أنه يكذب بشأن موتها؟ إنه يسعى وراء ثروة عائلتنا…”
“بيانكا. يكفي. سمعت الإشاعات أيضًا. أن الابنة الكبرى كانت تلتقي كثيرًا بذلك العامل.”
“ربما الأمر صحيح. ربما هذا الطفل هو ابن أختي حقًا. لكن لا تظنوا للحظة أنها كانت تريده. لا بد أن ذلك العامل القذر أجبرها! ولهذا لم تخبر أحدًا! لا—لا، انتظروا. هل رآها أحد حاملًا أصلًا؟”
غرقت أجواء القصر في صمت ثقيل مع كلماتها. قبض الرجل يده بقوة. نظر إليه ألبرتو من جانبه، كأنه يدرسه. بدا وكأنه على وشك الانفجار، على وشك أن يصرخ وينقضّ—لكنه لم يفعل.
بل، بدلًا من ذلك، قبِل الإهانات بصمت.
طَخ.
ثم جثا على ركبتيه.
“صحيح أنني أحببتها. كنت أكن لها حبًا ما كان ينبغي لي أن أجرؤ عليه. لكنني لم أجبرها أبدًا. لم تخبر أحدًا عن الطفل لأنها… كانت خائفة من أن تفقده.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"