توقّف نظر ألبرتو، الذي كان يتجوّل على هيئة رابيانا المنحنية، عند يديها. كانتا ترتجفان.
كانت تحاول إخفاء الرجفة الطفيفة والواضحة بشدّ قبضتها على قماش تنورتها—لكنه رأى كل شيء بوضوح.
بدأ الغضب الذي بلغ حنجرته يهدأ تدريجيًا. رغم أن ألبرتو كان عقلانيًا وباردًا في العادة، إلا أنه لا يزال إنسانًا—قادرًا على الشفقة.
لقد شعر بالذنب لاستخدامه امرأة عمياء لتحقيق راحته. كان يعلم أن عرضه لها كان بمثابة صدمة من العدم.
اختفى غضبه سريعًا، وحلّ محله شفقة وُلدت من فهمه—فهم أن رابيانا كانت تكافح للتأقلم في أرضٍ غريبة، في مكانٍ غريب.
لكن ألبرتو لم يكن من النوع الذي يترك الشفقة تملي عليه قراراته.
“سنذهب للصيد غدًا. النساء أيضًا. إنه مكان خطير—ولا يناسبك. هل ما زلتِ ترغبين بالبقاء هنا؟”
اكتفت رابيانا بالإيماء.
تنهد ألبرتو بعمق، وقد انقبض صدره بالإحباط.
“افعلي ما شئتِ. لكن تحمّلي مسؤولية كل ما يترتب على ذلك.”
ثم مرّ بجانبها وغادر الغرفة. طَرق. أُغلق الباب مع هبّة هواء خفيفة.
كان باردًا، قاسيًا بلا رحمة—لم تستطع رابيانا إلا أن ترتجف.
—
“كنت أتساءل لماذا يُبقي ألبرتو زوجته مخفية—واتضح أن السبب أنها جميلة جدًا.”
أثار ظهور رابيانا المفاجئ على مائدة العشاء صمتًا محرجًا.
رغم أن ألبرتو قدمها على أنها زوجته، لم يدرك أحد أنها عمياء.
تساءل الجميع في أنفسهم: “لماذا؟”
لكن لم يجرؤ أحد على قولها بصوتٍ عالٍ.
كان لويس، صاحب اللسان الطليق، من كسر التوتر بمزحةٍ نصفها جاد ونصفها ساخر.
ارتبكت رابيانا من الإطراء ولوّحت بيديها، فاصطدمت بكأس الماء وأسقطته.
فهي عاشت حياتها منعزلة عن العالم، لذا سماعها لكلمة “جميلة” بدا غريبًا عليها.
لم ترَ وجهها منذ أن كانت في العاشرة، وحتى لورانس لم يعلّق أبدًا على مظهرها.
لم تكن تعلم كيف تغير شكلها—سواء أصبحت جميلة أو عادية، لم يخطر ببالها أن تسأل.
“انتبهي.”
أمسك ألبرتو، الجالس إلى جانبها، بالكأس الغارق بالماء.
كان صوته الهادئ أشبه بتحذير أكثر منه توبيخًا.
بفضل ذلك، التقطت رابيانا أنفاسًا قصيرة لتهدّئ قلبها الذي ارتبك فجأة.
شعرت بعدم الارتياح. لم تعتد تلقي المجاملات.
‘ماذا يجب أن أقول؟’
خلا ذهنها تمامًا.
سادت لحظة صمت بعد إطراء لويس. لم تكن رابيانا من كسرها—بل ألبرتو.
“عليّ أن أقلق قليلًا من أنها قد تهرب مع شخصٍ آخر، أليس كذلك؟”
“أنت؟ قلق؟”
سخر لويس، ورفع ألبرتو كتفيه بلا مبالاة.
ثم التفت لويس مجددًا نحو رابيانا مبتسمًا.
“هذا الرجل يعامل النساء كعبء. في يومٍ ما، بدأ فجأة بمقابلة سيدات من النبلاء ورفضهن جميعًا. الكل بدأ يتحدث—”
“ممف!”
“لويس، لقد بالغت. أي زوجة ستُسرّ بسماع ماضي زوجها؟”
كانت سكارليت هي من غطّت فم لويس. ثم نظرت إلى رابيانا بعينين مليئتين بالاهتمام.
لكن نظرتها الحادة لم تكن مجرد ملاحظة—بل كانت حكمًا. كانت متحفزة بوضوح.
قبل لحظات فقط، كانت سكارليت محبطة لعدم حصولها على فرصة لإظهار مهاراتها على البيانو.
لقد تدربت بلا كلل لأجل هذه اللحظة. صحيح أن ألبرتو كان متزوجًا حديثًا، لكن هذا لم يكن مهمًا بالنسبة لها.
ففي نظرها، الزواج لم يكن نهاية الفرصة.
ما أرادته لم يكن لقب “دوقة روين”—بل قلب ألبرتو.
كما ذكر لويس، ألبرتو بدأ فجأة في حضور لقاءات رسمية للزواج،
وقبل أن تتمكن سكارليت من الاعتراف بمشاعرها، تزوج.
وقد أثار هذا الحدث ضجة في الدوائر الاجتماعية في الشمال.
ورغم أن ألبرتو معروف بطباعه الحادة والفظّة، إلا أنه كان من أكثر العرسان طلبًا.
“بالمناسبة، الدوقة أهدتنا بعض النبيذ. هل نفتح الزجاجة للعشاء؟”
قال لويس، وكأنه تذكّر، وذهب لإحضار الزجاجة. بينما تابعت سكارليت مراقبة ألبرتو والمرأة الجالسة بجانبه.
رغم أنها وبّخت لويس قبل قليل، إلا أنها وافقته تمامًا في داخله.
ألبرتو العظيم—يتزوج امرأة عمياء؟
أمر لا يُصدق.
ما لم يكن حبًا من النظرة الأولى أو شغفًا مفاجئًا.
“من أين أنتِ، يا دوقة؟”
ابتسمت سكارليت بينما كان لويس يصبّ النبيذ، وضغطت بأصابعها على قاعدة كأسها بلطف.
وحين انتقل لويس بعيدًا، التفتت نحو رابيانا بنبرة فضولية.
“آه… من أنبيس.”
“أنبيس؟”
إن كانت من أنبيس، فلا بد أنها من ذاك الإقليم الصغير في الجنوب.
كانت سكارليت قد سمعت بعائلة سيلدن من قبل، لكن الاسم لم يترك انطباعًا.
حقيقة أنها بالكاد تذكره يعني أنه منزل بلا شأن يُذكر.
ترددت سكارليت.
هل سيكون من الوقاحة أن تسأل كيف التقيا، أو ما الذي قاد إلى هذا الزواج؟
السؤال عن أمور شخصية كهذه في لقاءٍ أول سيكون غير لائق—خاصة وأن ألبرتو يقدّر اللياقة كثيرًا.
وبينما كانت تفكر، أخذ ألبرتو كأس النبيذ من رابيانا وساعدها.
تلك الإيماءة وحدها شدّت نظرة سكارليت—لكن ما حدث بعد ذلك كان أكثر مفاجأة.
أخذ ألبرتو يد رابيانا بكلتا يديه، وقاد الكأس إلى أصابعها.
ثم، حين رفعت الكأس إلى شفتيها وشربت رشفة، راقبها باهتمام.
ظلت ملامحه باردة، لكن بالنسبة لامرأة عاشقة، بدا ذلك الاهتمام رقيقًا لدرجة لا تُحتمل.
لم تصدّق سكارليت ما رأت. شعرت وكأن شيئًا ثمينًا سُلب منها.
لقد أحبّت ألبرتو، لكنها لم تسمح لنفسها أن تطمع كثيرًا.
كان رئيس منزل روين—شخصًا بعيد المنال.
لذا حين سمعت بخطبته، تقبّلت الأمر، رغم أنه كسر قلبها.
صحيح أنها بكت طوال اليوم عندما علمت بالأمر. لكنها أخبرت نفسها أنها ستتخطّى الأمر.
لكن… قبولها كان مشروطًا.
أن تكون عروسه شخصًا تستحقه فعلًا، حتى في نظرها.
“سيدتي، لقد سكبتِ قليلًا.”
“آه… أنا آسفة.”
“يمكن تنظيفه.”
أن تمتلك تلك المرأة ألبرتو…
أن تحصل على اهتمامه—كان ذلك كفيلًا بتحطيم كبرياء سكارليت.
—
طَرق طَرق.
جعل الطرق الفاتر رابيانا تلتفت برأسها.
فقط البارحة، اقتحمت قصر روبنسون بتهوّر.
والآن، في الصباح الباكر، بعد الإفطار وبعض الوقت جالسة على سريرها، جاء هذا الصوت عند بابها ليزيد توترها.
من يكون؟ كانت على وشك أن تسأل، حين جاء الصوت أولًا.
“إنه أنا.”
“آه…”
“ما هذا الرد؟”
تبع ذلك صوت فتح الباب وإغلاقه. لكن لم تُسمع خطوات تقترب.
كان ألبرتو يتكئ على الباب بكسل، وقد التقط على الفور ضعف صوت رابيانا في اللحظة السابقة.
“من نبرة صوتك، يبدو أنك خاب أملك لأنه أنا.”
وعند هذه الكلمات فقط، لوّحت رابيانا بيديها نافية وهي مرتبكة.
كان يبدو أنها تفعل ذلك دائمًا—جسدها يتحرك قبل كلماتها حين تتفاجأ.
“على أي حال، سواء كنتِ خائبة الأمل أم لا، لا يهمني كثيرًا.”
“….”
“سنخرج قريبًا للصيد. هل ترغبين بالانضمام؟”
رغم أن ألبرتو صاغ الأمر كدعوة، كانت رابيانا تدرك الحقيقة—لم تكن دعوة حقيقية.
لم تنسَ كيف غضب حين حضرت التجمع، وكيف استخدم ذريعة أن الصيد خطير جدًا.
فبالنسبة لرجل يعشق الصيد، فإن زوجة عمياء ليست سوى عبء.
وكانت رابيانا تدرك ذلك جيدًا.
لم ترد أن تكون عبئًا عليه. وكانت تشعر ببعض الأسف لجعله في موقفٍ صعب، فقط لتتجنّب شفقة موظفي القصر.
لذا خطّطت ببساطة للبقاء هادئة حتى يحين وقت العودة.
“أعتقد أنني سأبقى هنا. لا أشعر أنني بخير.”
في الحقيقة، كانت بخير، لكنها قالتها على أي حال. أزعجها الكذب، لكنّها بررته لنفسها بأنه ضروري في هذه الحالة.
وبصراحة، كانت هذه الحيلة مما علّمها إياها ألبرتو بنفسه البارحة.
‘مجرد كوننا متزوجين لا يعني أن علينا حضور كل شيء معًا. يمكنني فقط أن أقول إنكِ مريضة.’
بابتسامة خفيفة، فركت رابيانا كتفها.
“لا بد أنني نمت بوضعية خاطئة.”
“سنكون بالخارج لفترة طويلة.”
“حسنًا.”
“والنساء سينضممن أيضًا.”
“مفهوم.”
هذا يعني أنها ستكون الوحيدة المتبقية في القصر. راودها هذا الفكر مجددًا.
لكنها كانت قد هيّأت نفسها لهذا منذ البارحة، لذا لم تهتز.
كان ذلك طبيعيًا.
فهي لا تستطيع الرؤية، والذهاب إلى أرض صيد سيكون خطيرًا—بل ومميتًا—لذا تركها خلفهم كان منطقيًا.
“سأنتظركم.”
لبرهة، لم يقل ألبرتو شيئًا. ثم جاء صوت خطواته تقترب.
أغلق النافذة المفتوحة، ثم انحنى أمام رابيانا.
كانت تُنصت لكل حركة يصدرها، لذا اقتراب أنفاسه المفاجئ أرعبها، فتراجعت لا إراديًا.
“الجو بارد.”
خلع ألبرتو معطفه ووضعه على كتفيها.
وهذا كل شيء.
دون أن يقول ما إن كان سيعود مبكرًا أم متأخرًا، استدار وغادر الغرفة.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات