بعد أن رأت كاسيا وليَّ العهد يُقبِّل خطيبته، أخفت حبَّها من طرفٍ واحد في أعماق قلبها، وانصرفت بكلّيتها إلى واجباتها.
“نُبارك زواجكما.
فلتزدهر سيداس!”
ومضى الزمنُ مرّةً أخرى.
توفّي الملكُ السابق وزوجته باكرًا، فاعتلى وليُّ العهد، الذي كان قد تزوّج، العرشَ ملكًا شابًّا، وتبعته زوجته الجميلة لتجلس على عرش الملكة.
“كاسيا.
أنزلي البركة على طفلنا الأوّل.”
وُلِد الأميرُ الصغير.
تظاهرت كاسيا بالثبات، غير أنّها كانت تذوي يومًا بعد يوم.
ثمّ في إحدى الليالي، وبعد حضورها مأدبةً في القصر، اندفعت بدافعٍ عابرٍ وسلّمت جسدها.
رجلٌ يبتسم ابتسامةً تُشبه ابتسامة الملك الشاب.
كان أجنبيًّا، ارتكب بجرأةٍ إثمَ الاقتران براهنة، ثمّ رحل دون اكتراث.
ومع حملها، أخذت قوّتها المقدسة تتضاءل تدريجيًّا.
كبر بطنُها، وتعاظمت الشائعات.
أن تحمل راهبةٌ طفلًا خطيئةٌ عظيمة.
وسرعان ما سِيقَت كاسيا إلى أمام الملك نولين.
“كاسيا.
هل صحيحٌ أنّكِ حبلى؟”
“… نعم.”
“لم تُقصّري في واجبكِ كراهبةٍ فحسب، بل اقترفتِ ذنبًا.
ولذلك لا يمكن إبقاؤكِ هنا بعد الآن.”
ما إن تأكّد من الأمر، حتّى طردها نولين من القصر بلا أدنى رحمة.
بل إنّ الملكة، التي كانت إلى جواره، هي التي أبدت الشفقة عليها.
عضّت كاسيا شفتيها وهي تنظر إلى وجه الملكة النقيّ الجميل المفعم بالأسى.
كان ذلك مُذلًّا… إلى حدٍّ كاد يُبكيها.
‘قسوتكِ… ولكن…’
لم يخمد قلبُها المتعلّق بالملك بعد.
وقبل أن تُطرَد نهائيًّا، وجّهت إليه تحذيرًا.
“إيّاك أن تُنجب الطفلَ الثالث، يا جلالةَ الملك.
سيكون الثالثُ بلا شكّ أميرة.
وأنت تعلم مصير أميرات سيداس.
ستكون تلك الأميرة أعظمَ ألمٍ في حياتك.”
كانت كاسيا، بصفتها راهبةً كبرى، أدرى الناس بلعنة أميرات سيداس.
وفوق ذلك، كانت تمتلك قوّةَ التنبّؤ، ترى بها المستقبل ولو على نحوٍ باهت.
لم يكن ينبغي أن يولد الطفلُ الثالث.
فإن وُلدت أميرة، فستُصاب بالعمى كما سابقاتها، وتعيش حياةً مليئةً بالألم، ثمّ تموت شابّة.
كانت كاسيا تأمل ألّا يذوق نولين، الذي أحبّته، مرارةَ فقدان من يُحبّ.
لكنّ الملك لم يُصغِ إلى تحذيرها.
فقد مضى قرابةُ مئتي عامٍ دون أن تولد أميرة، وعدّ الملكُ الشابّ كلامها مجرّد أسطورة.
قلقت كاسيا عليه، لكن لم يكن بيدها شيء.
طُرِدت من القصر، واستقرّت في قريةٍ جبليّة صغيرة.
وبعد وقتٍ قصير، وُلدت لها طفلة.
سمّت كاسيا ابنتها ذات الشعر الأبيض أليسيا.
“أمّي!
هناك زائر!”
مرّ الزمنُ مجدّدًا.
وحين بلغت أليسيا الثامنة، جاء الزائر.
“طالَ الغياب، كاسيا.”
كان للملك أربعةُ أبناء، لكنّه لم يعترف إلّا بثلاثة.
وأدركت كاسيا فورًا أنّه جاء بسبب الأميرة.
“… لقد حذّرتُك بوضوحٍ آنذاك، يا جلالةَ الملك.”
رفضت كاسيا طلبه بفكّ لعنة الأميرة.
عاد الملك بصمت.
لكن بعد أيّام، ظهر في الظلام، ممسكًا بابنتها.
“كاسيا.
إن أردتِ إنقاذ ابنتكِ، فأصلحي ابنتي.”
كان ملكُ سيداس شابًّا عادلًا محبوبًا، لكن في تلك اللحظة بدا شيطانًا.
وحين رأت كاسيا حدَّ السيف على عنق أليسيا الصغيرة، لم تجد إلّا أن تُومئ.
‘اللّعنة تتقدّم سريعًا.’
حين عادت إلى القصر وفحصت الأميرة العمياء، علمت أنّ أجلها قصير.
ما إن تفقد بصرها حتّى تتفعّل اللّعنة.
لن تتجاوز العاشرة.
“لا أستطيع شفاءَ الأميرة بقوّتي.”
ناشدت الملك أن يقبل المصير.
لكنّه لم يستطع التخلّي عن ابنته.
تحوّل إلى وحش، وهدّدها بأن يمزّق ابنتها إن ماتت الأميرة.
اضطرّت كاسيا للبحث عن حلّ.
وكان ما وجدته فظيعًا.
تطلّب فكّ اللّعنة قوّةً مقدسة عظيمة.
لكنّ من يملكونها نادرون.
فلم يبقَ إلّا محرّمٌ واحد:
سلبُ ما تبقّى من حياة الأطفال الذين تحمل أجسادهم أثرَ القوّة، وتحويلها إلى طاقة.
هزّت رأسها رفضًا.
لكنّ الملك جرح عنق أليسيا أمامها.
‘لا… لا أستطيع ترك أليسيا تموت.’
وهكذا، ارتُكبت الفظائع في سراديب معبد هيستيا.
كانت تقتل من طفلٍ إلى خمسة كلّ أسبوع.
وبموت الأطفال، عاشت الأميرة بسلام.
ضحكت، ولعبت في الحدائق.
أمّا أليسيا، فكانت أسيرةً في المعبد.
كبرت دون أمّ، وفقدت ابتسامتها.
‘يكفي… لا أستطيع بعد الآن.’
بعد عامين، قرّرت التوقّف.
وبقوّة حياتها المتبقّية، يمكن إنهاء اللّعنة.
“أوصيك بالأطفال الباقين… وبأليسيا.”
وافق الملك.
ابتسمت كاسيا، ونقلت اللّعنة إلى نفسها.
رحل الملك مسرعًا بالأميرة.
وبقيت كاسيا تستند إلى المذبح، تنادي ابنتها.
“أليسيا… سامحيني.”
لكنّ الدخان تسلّل.
أحرق الملك المعبد.
ركضت كاسيا وسط صراخ الأطفال.
لكنّها وصلت متأخّرة.
رأت الجحيم.
وضَحِكت.
“هاها… هاهاها!”
وبدمها رسمت تعويذة.
“أيّها الملكُ الآثم!
كما فعلتَ بي وبابنتي، فليصِبك المثل!”
اشتعلت الدائرة.
وعادت إليها القوّة.
رقصت في النار.
ورأت ابنتها.
“أليسيا.
أنا ساحرة.
وآه… كم هذا مُطمئن.”
واحترقت.
—
ثبتت أليسيا عينيها في النار.
رأت أمّها تحترق حيّة.
“أمّي!”
لكنّ الأمّ لم تُجِب.
انهارت الطفلة.
وسقطت شراراتٌ على عينيها.
“آآه!”
وهكذا، وُلدت في إمبراطوريّة بيستيوس راهبةٌ عمياء، قويّة.
—
امتزج الضوء بالسائل، وتسرّب إلى فم ييرينا.
“هُه…”
انحسر الموت.
“ييرينا.”
فتحت عينيها.
“ييرينا!”
وكانت تلك اللحظةُ إيذانًا بميلادِ الأميرة إلى هذا العالم.
التعليقات لهذا الفصل " 90"