“أتموتُ الوصيفةُ المُقرَّبة فيستبدُّ بها الحزنُ حتى تمرض؟ أليس ذلك خبرًا سارًّا جدًّا؟”
غادر دوقُ داي، وبقي الإمبراطورُ وحيدًا بوجهٍ مُستريح.
قيل إنّ الإمبراطورة ستسافر زمنًا طويلًا، وكان ذلك أسعدَ خبرٍ بلغه في الآونة الأخيرة.
“امرأةٌ قذرة لا تملك سوى أبيها، تتبختر في القصر، ولن أضطرّ لرؤيتها مدّةً من الزمن… أشعر وكأنّ الهواء قد انتعش سلفًا.”
كما كانت ليليانا تكره كيدريك، كان هو يبادلها الكراهية ذاتها.
غير أنّ نفوذَه كان آخذًا في التراجع أمام قوّة روشـان، ولم يكن ما يُبقيه صامدًا سوى دوق داي، والد ليليانا، ولهذا تحمّلها كيدريك على مضض.
منذ اعتلائه العرش، اعتاد أن يفعل ما يشاء، وكانت ليليانا واحدةً من قلائل اضطرّ إلى الصبر عليهم.
“لا بأس إن استمتعتُ قليلًا في قصر العاج بعد طول انقطاع. هيه، يا حُرّاس! أليس هناك أحد؟”
نادى الإمبراطور وهو يتّجه بخُطى خفيفة كأنّ همًّا زال عن صدره.
دخل خادمٌ مسرعًا وانحنى، فأمره الإمبراطور بالاستعداد للذهاب إلى قصر العاج، ثم دخل إلى مخدعه الداخليّ.
“أوه… يا صاحب الجلالة.”
على سريره المترف كانت امرأةٌ عارية تتمدّد.
ما إن دخل الإمبراطور حتّى أطلقت أنينًا خافتًا، ورفعت جسدها، تُخفي صدرها بشَعرٍ أحمر طويل، وتبتسم بإغواء.
اقترب منها وقبّل جبينها قائلًا:
“استعدّي. سنذهب معًا إلى قصر العاج. سأعاملكِ اليوم معاملة الإمبراطورة.”
“حقًّا؟”
لم تملك تلك العشيقةُ الشابّة، التي سلبت عقل الإمبراطور بجمالها وحده، سوى أن تضحك بعينين لامعتين.
ضحك الإمبراطور بصوتٍ عالٍ، وطوّق خصرها، وراح يعبث بصدرها.
“بالطبع. هناك سنُجرّب لكِ تاج الإمبراطورة.”
“يا إلهي، يا صاحب الجلالة!”
ضحك كيدريك مع عشيقته مستهزئًا بذهاب الإمبراطورة.
لم يُفكّر لحظةً في سبب سفرها المفاجئ، ولعلّ دخان الغليون الذي نفثه معها هو ما أعماه عن الخطر الذي بدأ يُظلّه.
“يا صاحب الجلالة، الإمبراطورة أرسلت رسالة، وأمرت أن تُسلَّم سرًّا…”
“كفى! سأقرأها لاحقًا، ضعها في أيّ مكان. لا بدّ أنّها ثرثرة لا طائل منها. حتّى في رحيلها لا تكفّ عن التكلّف، كأنّ لها شأنًا يُذكَر.”
وهكذا، بعدما أقام وليمةً صاخبة في قصر العاج محاطًا بعدّة عشيقات، رمى كيدريك رسالة ليليانا بعيدًا دون أن يفتحها.
كانت تلك آخر رسالة كتبتها ليليانا وهي في قمّة الغضب، وفيها فضحت علاقة روشـان بييرينا، وعبّرت عن حقدها على أبيها وروشان اللذين نفياها إلى مولان، ولمّحت بوضوح إلى علاقتهما.
لكن بأمر الإمبراطور، وضع الخادم الرسالة على مكتب الإمبراطور في قاعة عمله، ولم ترَ النور إلّا بعد زمنٍ طويل، إذ إنّ الإمبراطور نادرًا ما كان يطأ تلك القاعة.
—
“هذا مستحيل! أنا أعرف جين، ليست بتلك المرأة!”
“سيّدتي ييرينا، أرجوكِ اهدئي. التحقيق أثبت ذلك. الآنسة جين حاولت تسميمكِ، وهذه القارورة دليل.”
لوّحت أليسيا بالقارورة أمام ييرينا.
لم تستطع ييرينا تمييز شكلها بدقّة، غير أنّها رأت مادّةً ذهبيّة تتحرّك داخلها.
“لا…”
هزّت ييرينا رأسها.
جين لم تكن قادرة على فعل ذلك.
ربّما لم تطُل العِشرة، لكنّهما كانتا معًا طوال الوقت.
التعليقات لهذا الفصل " 62"