فقد اعتاد أن يضرب غيره عددًا لا يُحصى من المرّات، أمّا ليليانا—التي لم تُضرَب قطّ في حياتها—فقد تجمّدت في مكانها، وقد نسيَت حتّى كيف تنطق.
“كيف تجرؤ! قد أكون ابنةَ أبي، لكنّي إمبراطورةُ هَذهِ الإمبراطوريّة! إمبراطورة! ومع ذَلك تضربني كالحيوان؟”
فتحت فمها تُطبِقُه دون صوت، كسمكةٍ أُخرِجَت من الماء، ثم بعد برهةٍ طويلة انفجرت صراخًا.
ارتعش الدوق حين رأى عينيها المتقلّبتين، كأنّها ستسقط إلى الخلف في أيّ لحظة، لكنّه سرعان ما رفع يده مرّةً أُخرى وصفع خدَّها الآخر.
صَفْعة.
كانت الضربةُ أقسى من سابقتها.
ترنّحت ليليانا إلى الخلف، ولم تسند نفسها إلى الأرض إلّا بالكاد بكلتا يديها.
“ألا تزالين تجهلين ذنبكِ؟ تسميمٌ داخل القصر الإمبراطوريّ! إدخالُ السمّ إلى هَذا المكان وحده جريمةُ موت، ألا تعلمين ذَلك حقًّا؟”
“إنّها مجرّدُ أسيرة!”
“……”
“وما الفرق بينها وبين أولئك الذين ماتوا من قبل؟”
قالت ليليانا بصوتٍ مظلوم، وخدّاها يشتعلان حُمرةً.
قبض الدوق يده بقوّة.
أولئك الذين ماتوا من قبل.
كان يعلم أنّ ابنته تؤذي الضعفاء أحيانًا، وتُفرِط في القسوة على مَن دونها، لكن العدد… لم يتخيّل قطّ أنّه بهذا الحجم.
كان يظنّها مرّتين أو ثلاثًا على الأكثر، في نوبات غضبٍ لا تُسيطر عليها.
بل حتّى في أيّامها في قصر الدوقيّة، كان يكفي أن يُعطيها طائرًا تمسكه بيدها لتبقى هادئةً أشهرًا.
ثم انظر إلى ذَلك الوجه.
وجهٌ يشبه زوجته، كزهرةٍ وحيدة.
ظلّ الدوق ينكر في قرارة نفسه أنّ لابنته مثل هَذا الوجه جانبًا كهذا.
“غبيّة.”
كبح الدوق اشمئزازه بصعوبة، وصبّ غضبه في صوته.
ألّا يُظهِر الاحتقار لابنته—كان ذَلك أقصى ما استطاعه من أبُوّة.
“سمعتُ أنّ وليَّ العهد حذّركِ سابقًا.
قيل لكِ ألّا تمسّي أميرةَ سيداس، أليس كذلك؟”
“……”
“لو أنّه حذّركِ بنفسه، لكان عليكِ التوقّف عند ذَلك الحدّ. ألا تفهمين كيف تسير الأمور الآن؟ قد يبدو وليُّ العهد غيرَ معنيٍّ بالسياسة، لكنّ قوّته ليست قليلة. الإمبراطور لا يملك لا عقلًا ولا سلطانًا، وأنتِ إمبراطورةٌ بلا وريث، فعلى أيّ ثقةٍ تعتمدين؟”
“ولِمَ يجب عليّ ذَلك؟ الأمر ليس كالسابق! أيّ شخصٍ مسستُه كان يراقب بصمت! لا، بل كان يستمتع! كان يفرح برؤية غيرتي، وينظر إليّ مباشرة!”
عندها فقط أدرك الدوق أنّ أوهام ابنته قد بلغت حدّ المرض.
نظر إليها كما يُنظَر إلى مجنون.
وحين رأت ليليانا ذَلك التعبير، دبّ فيها الخوف من عواقب روشَان، فاستماتت في عنادها الأخير.
“إ، إذا لم يكن هناك دليل، فلا بأس! ما دام لم يُكشَف الأمر، فلن يستطيع حتّى روشَان أن يمسّني! أنا إمبراطورةُ هَذهِ البلاد، أسمى امرأةٍ فيها! الإمبراطورة!”
التعليقات لهذا الفصل " 61"