الابنُ غيرُ المعترفِ به أصبح ملكًا في ليلةٍ واحدة، وأمّه بيانكا صارت الوصيّةَ الملكيّة.
ومعها، نال ويبلِي لقبَ كونت، وأضحى من أصحابِ النفوذ في سِيداس.
لعلّ ذلك كان بدايةَ المشكلة.
فالكونتُ الذي صعد مستندًا إلى بيانكا صار متغطرسًا أكثرَ ممّا ينبغي، ونسِيَ معنى الحذر.
‘اذهبْ وانقلْ لتلكِ المرأة التي تعيش في الإمبراطوريّة كالمجرمة حرفًا حرفًا ما في الرسالة، وتأكدْ من أن تخبرني عند عودتك كيف كان مظهرُها، وكم كانت حياتُها بائسة.’
كان يعلم منذ زمنٍ أنّ العلاقة بين بيانكا والأميرة التي أُسرت في الإمبراطوريّة سيّئة.
ولذلك توقّع، إلى حدٍّ ما، نوعَ الكلمات التي كُتبت في الرسالة التي أُمر بأن يقرؤها لها بنفسه.
ومع ذلك، قبل وصوله إلى الإمبراطوريّة، تردّد في قراءتها أمام الأميرة.
فالسمعةُ تقول إنّها محتجزةٌ في البرج، لكن من يدري.
ربّما كانت—بطريقةٍ أو بأخرى—تحظى بدلالِ الإمبراطور.
لهذا أعاد ختمَ رسالةِ بيانكا التي كان قد اطّلع عليها مسبقًا.
لكنّه أعاد فتحَ الرسالة بعد أن رأى الأميرة بعينيه.
كانت حالُها بعد ما لقيته من إذلالٍ على يد الإمبراطور مُزرية.
تحت رقابةِ الكاهناتِ الباردات، ترتدي فستانًا بسيطًا لا يليق إلا بالخادمات.
شكّ في عينيه، غير أنّ نشوةً خفيّةً رسمت ابتسامةً على شفتيه.
‘أصغِي جيّدًا، يا صاحبةَ السموّ. فهذا كلامٌ أصرّت الوصيّةُ على أن يُبلَّغ لك.’
وبذريعةِ تنفيذِ الأمر، أفرغ عقدةَ دونيّته في الأميرة.
كان يزدريها وهو يدّعي تبليغ الرسالة، فشعر بأنّ مزاجه يرفرفُ خفّةً.
‘على ما أرى، لا داعي للقلق… فلن تكون هناك حاجةٌ للاحتفاظ بهذه الرسالة وتركِ عواقب لاحقة.’
أعاد الرسالة إلى صدره بدل أن يُسلّمها، معتقدًا أنّه بذلك احتاط للمستقبل.
لكنّ ذلك لم يكن سوى وهم.
بعد أن ودّع معلنًا عودته إلى الإمبراطور، ظنّ أنّه سيقضي أيّامه القليلة المتبقّية في القصر الإمبراطوريّ بهدوء.
غير أنّ الأمور لم تَسر كما أراد.
ففي جوفِ الليل، اقتحم الفرسانُ غرفته واقتادوه إلى القصر الأزرق.
“جلالتك؟ ما هذا… لماذا تفعل بي هذا؟”
استقبله رجلٌ ذو عينين حمراوين.
تعرّف ويبلِي فورًا على روشَان ڤيستيُوس، فانكمش وانحنى متذلّلًا.
لكنّ وليَّ عهدِ الإمبراطوريّة لم يردّ تحيّته.
اكتفى بإيماءةٍ إلى فرسانه، فهُويَ ويبلِي على ركبتيه.
“اقرأ.”
ألقى روشَان رسالةَ بيانكا أمامه، وأمره أن يقرأها.
لم يجرؤ ويبلِي على العصيان، وبدأ يتلو.
واختفى غروره الذي أبداه أمام ييرينا دون أثر.
وحين بلغ منتصفَ الرسالة تقريبًا، هوت عليه ضربةٌ حادّة.
كان روشَان يأمره بالاستمرار، وكلّما ارتفعت يدُه، ازداد عددُ الجراح في جسدِ ويبلِي.
“ح، حتى العاهرة لا ت…”
“تابِع.”
“أرجوك… ارحم…”
تحوّل جسدُه إلى مشهدٍ بشع، رغم صفته كرسول.
بكى دون أن يعرف سببًا واضحًا، لكنّ العينين الحمراوين ظلّتا باردتين.
اسودّ نظرُه.
راح يرتجف وهو يحدّق في الرسالة كما لو كانت منصةَ إعدام.
‘سأُقتل… سأموت هنا.’
ومع تقدّم القراءة، صار محتوى الرسالة أشدّ قسوةً، ومعه ازداد الضرب.
رفع رأسه بعينين مرتعدتين، فرأى رجلًا يعلوه كالظلّ، ينظر إليه بازدراءٍ مُثلِج.
—
لم يطل الضرب، لأنّ ويبلِي فقد وعيه.
سأل نوكس روشَان:
“ما الذي نفعله به؟”
“دعه حيًّا حتّى يعود. ما دام يتنفّس إلى أن يغادر الغابة، فذلك أقلّ ضجيجًا.”
نجا بحياته مؤقّتًا.
لكنّ نهايتَه كانت مقرّرةً في طريق العودة.
وستسمع مملكةُ سِيداس أنّ كونت ويبلِي لقي حتفَه في حادثٍ مؤسف.
اغتسل روشَان جيّدًا قبل التوجّه إلى الممرّ السفليّ للقصر الأزرق.
وغسل أذنيه مرارًا، كأنّه يريد محو صوتِه.
ثم توجّه مباشرةً إلى البرج.
كانت حرارةُ ييرينا قد انخفضت قليلًا بفضل الدواء.
لم تعد تهذي بحثًا عن أسرتها، لكنّ الدموع لم تتوقّف.
التعليقات لهذا الفصل " 50"