توقّفَ الإمبراطورُ عن عنفهِ أخيرًا حين تأكّدَ أنّ الخادمَ لم يَعُد يتحرّكُ قيدَ أنملة، فأطلقَ زفيرًا خشنًا، ثم جالَ بعينينِ جاحظتينِ مغمورتينِ بالجنونِ في أرجاءِ القاعة، قبلَ أن يصرخَ في وجهِ كبيرِ الكهنة.
“أيّها الكاهنُ الأعظم! ما تفسيرُ هذا؟ ألم تقل إنّ لصلاتي ستستجيبُ هذه المرّة؟”
لم يبقَ من هيئتهِ المهذّبةِ قبلَ قليلٍ شيء.
كانَ ينظرُ إلى حاملِ الشموعِ المتدحرجِ على الأرض، ثمّ إلى الكاهن، بنظرةٍ تقشعرّ لها الأبدان.
لكنّ الكاهنَ الأعظمَ ظلّ هادئًا على غيرِ المتوقع.
بل دارَ حولَ المذبحِ واقتربَ من الإمبراطور، ثم شبكَ يديه وسألهُ بصوتٍ منخفض.
“مولاي. أما تذكرُ ما قالتهِ عن الشيطانِ الأعظم حين خاطبتِ المؤمنين؟”
“……الشرُّ العظيمُ سيختبرُكم حتى حدودكم القصوى، يا أتباعي.
عليكم أن تتغلّبوا على الشدائدِ كلّها، وعلى الشكوكِ كافة.
وحينَ يكتملُ إيمانُكم، سيفنى الشيطانُ الأعظم، ويزولُ الشرُّ عن العالم.”
وبينما كانَ الإمبراطورُ يتلو جزءًا من كلماتِ الإلهة، أخذَ الجنونُ ينحسرُ تدريجيًّا عن عينيهِ.
سوّى أكمامَهُ الطويلة، ثم مالَ برأسهِ قليلًا للكاهن.
“كنتُ أحمق.”
“القدرةُ على إدراكِ الخطأِ بنفسكَ من الفضائلِ التي تحبّها الإلهة.”
“ما أرحمَ! آه، يا للأسف… لقد دنّستُ هذا المكانَ المقدّسَ بسفكِ الدماءِ أمامَ مذبحها.
أيّها الحرس! ما الذي تفعلونه؟”
“……”
“أزيلوا هذا القذرَ حالًا! أخشى أن تقعَ عليهِ عينا الحاكم!”
كانَ يتحدّثُ عن الرحمةِ، بينما يأمرُ بإبعادِ خادمٍ كادَ أن يقتلهُ بيديهِ، في مشهدٍ لا يليقُ إلّا بمجنون.
ومع ذلك، بدا الأمرُ اعتياديًّا للجميع؛ فالخدمُ الذين سحبوا المصاب، والكهنةُ الواقفونَ في قاعةِ الصلاةِ الشاسعة، لم يبدُ على وجوههم أدنى ذهول.
“هاه… لعلّ إيماني ما زالَ ناقصًا.
ولهذا لا تتحقّقُ أمنيتي.”
“……سيأتي اليومُ الذي يتحقّقُ فيهِ مرادُك.
الحاكم يحبّك، يا مولاي.”
“أشكركَ على كلماتكَ الطيّبة.
إذًا، أيّها الكاهنُ الأعظم، سأغادرُ الآن.”
وحين أُخرجَ الخادمُ الملطّخُ بالدماءِ، أشارَ الإمبراطورُ إلى أحدِ خدمهِ.
فأسرعَ خادمٌ أشقرُ نحوهُ وقدّمَ ما في يده، لتُلبَسَ فوقَ التونيكِ الأبيضِ البسيطِ حزامٌ ذهبيٌّ، ثم رداءٌ فاخرٌ مطرّزٌ بخيوطٍ ذهبيّةٍ لامعةٍ على خلفيّةٍ زرقاء.
“آه، قبلَ أن أرحل، لديّ طلبٌ آخر.”
وبعدَ أن وضعَ التاجَ الصغيرَ الذي يستخدمهُ في حياتهِ اليوميّة، تخلّى عن نبرةِ التهذيب، واستعادَ هيبةَ من يقفُ فوقَ الجميع.
التعليقات لهذا الفصل " 14"