28
“……لينسي!”
حاول سيدريك على عجلٍ أن يبعدني، لكنه تأخر بخطوة.
لقد شعرتُ بالفعل بقوتي تتغلغل بعمقٍ في كل زاويةٍ من جسد آرسين.
أغمضتُ عينيّ وركزتُ كل طاقتي، محاوِلةً نقل قوتي إلى أعمق مكانٍ ممكن.
انتشرت نسماتٌ خضراء منعشة وأشعة ضوءٍ حلزونية الشكل في أنحاء الغرفة.
مرَّت بضع دقائق على هذا الحال.
لحسن الحظ، لم أتحوَّل على الفور كما حدث سابقًا، ولم أشعر أن طاقتي كانت تتلاشى.
لكن ذلك لم يكن سهلاً، فقد تصبَّب العرق على جبهتي.
‘على الأقل، هذا مطمئن.’
لأنني استطعتُ معالجته.
كنتُ أرغب في أن أبقى طفلةً مفيدة في ييكهارت.
على الأقل حتى أصبح بالغةً وأحصل على استقلالي.
ابتسمت براحة، وواصلت التركيز على علاج آرسين.
أمسك جميع مَن في الغرفة أنفاسهم وهم يراقبوننا.
بدأت البقع الحمراء الداكنة، التي كانت ظاهرةً تحت أكمام ثيابه الفضفاضة، تتلاشى تدريجيًا.
وشعرتُ بأن لون بشرته يعود إلى طبيعته شيئًا فشيئًا.
‘لقد نجحت.’
عاد الدم إلى وجهه الشاحب، وبدأت الحرارة تتدفق إلى أطراف أصابعه الباردة.
وفي تلك اللحظة ….
“……لينسي؟”
فتح آرسين عينيه ببطء.
وما إن فعل ذلك، حتى تنفَّس سيدريك، وهيرن، والخادمات، وحتى إيثان الذي هرع إلى الغرفة متأخرًا، جميعهم الصعداء.
بالطبع، لم أكن استثناءً.
امتلأت عيناي بالدموع، فانحنيتُ فجأةً نحو وجه آرسين.
“آرسين! آرسين! هل تسمعني؟”
“أه… نَـعَم… آه.”
بسبب الألم الذي اجتاح جسده، كان لا يزال في حالةٍ من الدوخة وكأنه نصف نائم.
عندها، حملني سيدريك فجأةً بين ذراعيه.
“هل أنتِ بخير؟ أنتِ…”
“هاه؟ نعم، أنا… آه، لا…”
أخفضتُ رأسي.
“لستُ بخير…”
مهما حاولتُ التركيز، لم تختفِ الأجنحة التي نَبَتَت من ظهري.
لم يكن لديّ خيارٌ سوى إظهار تحوّلي الجزئيّ أمام الجميع.
‘ماذا لو ظنوا أنني مجرد فتاةّ فاشلة؟’
كنتُ قد بدأتُ أخيرًا في التقرُّب من ذئاب ييكهارت.
لكن الآن، حدث هذا الأمر مجددًا، مما جعلني أبكي.
عندما بدأت دموعي تتساقط، ضغط سيدريك رأسي برفقٍ على صدره.
“هيرن، تفقد حالة آرسين.”
بمجرد أن أصدر سيدريك أمره، تقدَّم هيرن فورًا لفحص آرسين.
وتقبَّل آرسين لمسته دون مقاومة.
لم يُسمح لنا بمغادرة الغرفة إلا بعدما فحص هيرن آرسين بدقة، ثم أومأ برأسه تأكيدًا.
“على الجميع أن يغادروا الآن. السيد آرسين بحاجةٍ إلى الراحة.”
حملني سيدريك بين ذراعيه وسار بخطواتٍ واسعةٍ باتجاه غرفتي.
حتى أثناء سيره، لم تتوقف دموعي، وشعرتُ بأن قماش ملابسه أصبح رطبًا.
– صرير.
فتح سيدريك باب غرفتي وحاول إنزالي إلى السرير.
لكنني هززتُ رأسي وتمسَّكتُ به بقوة.
لقد كان ما حدث للتو أكثر من أن أتحمله، ولم أستطع التوقف عن البكاء.
ربما لهذا السبب أمسكتُ بملابسه بشدة.
في النهاية، استسلم سيدريك عن محاولة إبعادي وجلس على سريري وهو لا يزال يحتضنني.
ثم بدأ يمسِّد برفقٍ على رأسي وتحدث بهدوء.
“لينسي، شكرًا لكِ. لكن ما فعلتِه كان خطيرًا. أنتِ تعلمين أن قوتكِ غير مستقرة، كان من الممكن أن تتأذي.”
“…لكن، هيك، آرسين كان يتألَّم… جئتُ إلى هنا لأعالجه…”
إن لم أتمكن من معالجته، ألا يعني ذلك أنني عديمة الفائدة حقًا؟
ابتلعت دموعي بقوة، غير قادرة على قول المزيد.
ربَّت سيدريك على ظهري مطمئنًا.
“لا بأس، لا بأس يا لينسي. لا تبكي.”
“لكن لماذا… يخبرني الجميع… هيك… بأني لا يجب أن أعالجه لأنه أمرٌ خطير؟ آرسين هو وريث عشيرة الذئاب، وأنا جئتُ إلى هنا لأعالجه… هيك… لذلك من الصواب أن أفعل ذلك…”
خرجت كلماتي متقطعةً وسط شهقاتي.
أصغى سيدريك إليَّ بصمت، ثم مسح خديَّ المبللين وقال بلطفٍ.
“لينسي، بالطبع لا أريد أن يعاني آرسين. وأقدِّر أنكِ عالجتيه. لكن… لا يمكنني السماح لكِ بالتضحية بنفسكِ لإنقاذ ابني.”
“…لكن، هيك، أرسين هو ابنكَ يا سيد سيدريك…”
“وأنتِ أيضًا روحٌ ثمينة. آسفٌ لأنني جعلتكِ تشعرين بغير ذلك. لم يكن ينبغي لي أن أُقحمكِ في هذا الأمر…”
تنهد سيدريك بعمقّ.
تمسَّكتُ بكمِّ ردائه وهززتُ رأسي.
“رجاءً… لا تقل ذلك. فقط… هيك… أوفِ بالوعد الذي قطعته لي…”
كانت دموعي تتدفق بغزارةٍ لدرجة أنني لم أتمكن من إنهاء جملتي بشكلٍ صحيح.
أخرج سيدريك منديله ومسح دموعي بلطف، قائلاً بصوتٍ دافئ.
“حسنًا، سأحميكِ مهما حدث.”
“نعم، نعم… إذًا …”
“حتى لو اضطررتُ لإعلان حرب.”
…ماذا؟
توقفت دموعي فجأة.
حدَّقتُ في سيدريك بعينين متسعتين.
لكن تعابيره الجادة أكَّدت أن كلامه لم يكن مزحة.
“سأحميكِ حتى لو اضطررتُ إلى إشعال حرب، لذا لا تقلقي يا لينسي.”
‘آه… لا، ليس هناك حاجةٌ لذلك…’
بلعتُ ريقي.
حرب…؟ مجرد سماع الكلمة جعل القشعريرة تسري في جسدي، وتذكرت مشاهد من حياتي السابقة.
‘بالطبع، لم تكن حربًا… بل كانت مجزرةً من طرف واحد…’
المجزرة التي وقعت عندما فقد سيدريك ييكهارت، سيد عشيرة الذئاب، صوابه.
كنتُ أتمنى ألا يحدث ذلك هذه المرة.
كرهتُ رانييرو، لكن، وبصرف النظر عن ذلك، لم أرغب في أن يموت الأبرياء.
“يبدو أنكِ توقفتِ عن البكاء الآن.”
ضرب سيدريك وجنتي بخفةٍ بمنديله.
لم أستطع إخباره بأنني توقفتُ عن البكاء لأن حديثه عن الحرب أخافني، لذا اكتفيتُ بالرمش.
“بالمناسبة… لقد ظهرت أجنحتكِ.”
شعرتُ بيد سيدريك الكبيرة تلمس جناحي.
عندها، احمرَّ وجهي بالكامل.
‘كم هذا محرج!’
لقد أريتُ الجميع في القصر هذا المشهد المُخزي.
ربما اعتقدوا أنني مجرد فتاةٍ مليئةٍ بالعيوب.
“آه، لا، أعني… هذا…”
لقد كنتُ أتحدث بدون تفكير، وأنا أُحاول جاهدةً أن أُعيد إدخال جناحيّ.
لكن الجناحين البارزين لم يعودا بسهولة.
يبدو أن استخدامي لقدراتي قد استنفد طاقتي، مما جعلني غير قادرةّ على التحكم في جسدي بشكلٍ صحيح.
مددتُ يدي لأُغطي جناحيّ، لكن دون جدوى.
وبينما كنتُ أرتبك وأتخبط في مكاني، أمسكني سيدريك بإحكامٍ حتى لا أسقط، ثم قال.
“لماذا؟ ما المشكلة في ظهور جناحيكِ، لينسي؟ اهدئي، خذي نفسًا عميقًا.”
“أليس… أليس من الغريب أن تبرز أجنحتي؟”
“إنها جميلة فحسب. لا تقلقي، لينسي.”
قال سيدريك بحزم.
نظرتُ إليه كما لو أنني لا أستوعب ما قاله.
“جميلة؟”
كان التحوُّل الجزئيّ يُعدّ عارًا كبيرًا.
على الأقل، هكذا كان الأمر بين عشيرة الطيور، وقد علّمتني السيدة بيلين أن الأمر نفسه ينطبق على العائلات الأخرى.
‘لكنه يقول إنها جميلة؟’
رمشتُ في عدم تصديق، فتنهد سيدريك.
ثم مرر يده في شعره قبل أن يتحدث بصوتٍ منخفض.
“راقبي جيدًا، سأُريكِ هذا مرةً واحدة فقط.”
“هاه؟ ماذا…؟”
بمجرد أن أمال سيدريك رأسه قليلًا، برزت فجأةً أذنان رماديتان تشبهان أذنيّ الذئب فوق رأسه.
“انظري، هذا ليس غريبًا أبدًا.”
في تلك اللحظة، فتحت بيتي، التي كانت تراقبنا دون أن أشعر، فمها وتحدثت.
“هذا صحيح، آنستي.”
ابتسمت بيتي وهي تُمرّر يدها على شعرها.
ثم برزت فجأة أذنان بنيّتان فاتحتان، تشبهان أذنيّ الذئب، من فوق رأسها أيضًا.
“هاه…؟”
كنتُ قد تعلمتُ أن التحوُّل الجزئي دليلٌ على النقص.
وأنه شيءٌ بشع.
ولكن، في قصر الذئاب، كان الجميع يتصرفون وكأن الأمر طبيعي تمامًا.
توقفتُ عن الفواق فجأةً، ونظرتُ بين سيدريك وبيتي مرارًا.
وخلف سيدريك، كان ذيلٌ ضخمٌ ورماديُّ اللوّن يتمايل ببطء.
“انظري، هذا ليس غريبًا.”
“لكن، لطالما قيل لي إن إظهار أجزاءٍ من جسد الوحوش أمرٌ مُخزٍ و … آه، مقزز …”
“هل قال مخ العصافير هذا الكلام؟” – يقصد ابوها تقريبًا والعصافير مخها صغير 😭😂-
“هاه؟”
تمتم سيدريك بشيءٍ بصوتٍ خافت وكأنه يضغط على أسنانه.
لم أسمعه جيدًا، فأعدتُ سؤاله، لكنه لم يُجبني مجددًا.
بدلًا من ذلك، وضع يده الكبيرة على رأسي.
“هذا ليس عارًا ولا أمرًا بشعًا. على الأقل، ليس هنا، بين الذئاب. لذا، لا داعي لأن تقلقي كثيرًا.”
قرّب سيدريك ذيله السميك من يدي وقال.
“انظري، ليس هناك ما هو غريبٌ في الأمر.”
امتلأت يداي فجأةً بفروٍ ناعمٍ وكثيفٍ ودافئ.
وكأنني كنتُ مسحورة، أومأتُ برأسي ببطء.
“ن-نعم، وأيضًا… أريد أن أقول شيئًا…”
كنتُ أريد أن أخبر سيدريك بما رأيته سابقًا—
ذلك التيار الأسود المائل إلى الحمرة الذي كان يتصاعد خلف إستر.
لكن، بمجرد أن حاولتُ نطق تلك الكلمات—
– غغك.
شعرتُ وكأن شيئًا عالقًا في حلقي، ولم أتمكن من إخراج صوتي.
– غغك.
خرج مني صوتٌ مكتومٌ، وكأنني أختنق، وانحنى جسدي لا إراديًا.
“لينسي؟ لينسي!”
رفعني سيدريك بسرعة، وعلامات القلق باديةٌ على وجهه.
‘لن أقولها، لن أقولها…’
كلما حاولتُ محو الفكرة من ذهني، شعرتُ بأن العُقدة في حلقي بدأت تزول.
‘ما… هذا؟’
“ما الذي يحدث؟ ماذا بكِ، لينسي؟”
ومهما حاولتُ مرارًا، كانت النتيجة واحدة.
في كل مرة كنتُ أُحاول التحدث عن ذلك، كنت أختنق، ولم أتمكن من النطق بأيّ كلمة.
[ يُتبع في الفصل القادم ……..]
– ترجمة خلود