استمتعوا
دفعت السيف داخل غمده وأعدته إلى اللفافة، ثم أمسكت بالخنجر وأعطيت قبضتي قوة خفيفة.
“حان الوقت لنذهب الآن. يبدو أن أبي اللعين ينتظرني.”
‘ولكن قبل ذلك…’
لم أفعل هذا من قبل، فلماذا لا أتمادى قليلًا هذه المرة؟
“ليليا… أنسة الدوقية.”
“يمكنك مناداتي ليليا، أنتِ عنيدة كما يبدو.”
“نعم، ليليا. هل تسمحين لي بعناقك لمرة واحدة؟”
“هم…؟”
لقد شعرت بالحرج، كما شعرت به، فثبتت نظري للأسفل بقوة وأمددت ذراعيّ بهدوء بينما التقت أعيننا.
“أترفضين؟”
“لا، كيف لي أن أرفض.”
بدت مترددة للحظة، لكنها استسلمت وسلّمت خصري لي، عانقتني بحرارة.
‘آه، كم هو شعور رائع…’
لقد كان اعتناق شخصٍ ما أمرًا ممتعًا للغاية. بدأت أفهم لماذا تعانق روكسيلين الآخرين بلا حرج.
‘يبدو أنني أحب أن أُحتضن، على غير المتوقع.’
حتى احتضان الذئب لم يكن مستغربًا بالنسبة لي.
“…شكرًا لك.”
ابتعدت عن حضنها قليلًا، ونظرت هذه المرة إلى إيان بيليون.
إيان، الذي كان يرتجف بأصابعه، ارتعش عند لقاء عينيّ وفتح فمه متثائبًا بعينين مثلثتين.
“مالذي تنظرين إليه؟”
“لا شيء، كنتُ أُفكّرُ هل أطلبُ منكَ احتضانَكَ أم لا… لكنْ يبدو انكِ لا تُحبُّ ذلكَ، لذا سأتخطّى الأميرَ الثانيَ فحسبْ…”
“ماذا؟ هل تُميّزينَ بينَ الناسِ؟! يجبُ ان يكونَ المرءُ عادلاً، ما هذا البُخلُ… مهلاً!؟”
“حسنًا، أعلم أنك تريد العناق، لذا هدئ من حدة مزاجك… وإلا فلن يكون لديك أي حبيبة.”
اقتربت ومددت ذراعيّ، فاحتضنني إيان بشكلٍ غريب، وهو يضحك بسخرية.
“لايهم، وجهي وسيم.”
“عندما تكبر، لن تنفعك الوسامة. يجب أن تهدأ قليلًا.”
غرست وجهي في صدره وتمتمت.
“ألا يمكنك إغلاق فمك الشرير للحظة في وقت مؤثر كهذا؟”
“أقول ذلك بدافع القلق.”
“القلق؟ يبدو كما لو أنك تتصبّب عرقًا لأنك لا تستطيع السخرية مني!”
“لا أعرفُ متى ستتوقّفُ عن كونِكَ كسولا، شقيّاً، فاسداً، ومُصاباً بعقدةِ الأختِ.”
استمرَّ إيان بيليون وأنا في تبادلِ الكلامِ دونِ توقّفٍ ونحنُ مُتعانقانِ.
هززتُ كتفيَّ عندما سمعتُ إيان بيليون يَزأرُ.
“لا تفعلْ أيَّ شيءٍ سيئٍ، وكنْ سعيداً أيها الأميرُ الثاني.”
“ماذا……؟”
“أوه، وإذا شعرتَ انَّ السيد الصغير سيثقُ بشخصٍ ما بغباءٍ، أوقِفْهُ.”
قلتُ ذلكَ ونزلتُ من حضنِ إيان بيليون ببطءٍ.
نظرَ إليَّ بوجهٍ مُتعجّبٍ.
مشيتُ بخطواتٍ سريعةٍ نحو جدّي ومددتُ ذراعيَّ.
“هل سترفضُ احتضانَ حفيدتِكَ هذهِ المرةَ أيضاً؟”
“متى رفضتُ احتضانَكِ؟ لقد أمسكتُ بيدِكِ حينها.”
رفعَني جدّي بسرورٍ، واحتضنَني بقوةٍ وبشاشةٍ.
“نعم، أحبك يا حفيدتي.”
“…أليس من المبالغة أن تتصرف وكأنك عشت العالم كله قبل أن نسير؟ حتى ماركيز ويلبريد سيأتي إلى العاصمة أحيانًا.”
“نعم.”
“اذهبي بحذر، حسنًا؟”
“…إذا حذرتني أكثر من اللازم، ربما في المرة القادمة سأتمكن من كسر عظامك يا جدي…”
“اعتني بنفسك، فهمتِ؟”
ثم سمعنا صوتًا خافتًا لعطس، وابتسمت قليلًا.
“أكتبي بعض الرسائل لروكسيلين، سأقرأها معها أحيانًا.”
“سأفعل.”
كانت كلماته باردة، لكنها مخفية وراءها القلق، فهززت رأسي بهدوء.
بعد قليل، نظرت إلى روكسيلين التي كانت تتململ بجانبي، ومددت ذراعيّ، فركضت نحوي واحتضنتني.
“تواصلي معنا كثيرًا! اكتبِ الكثير من الرسائل، حسنًا؟”
“…نعم.”
مسحت دموعها بخفة وابتسمت منخفضة.
“روكسيلين.”
“نعم؟”
“عليكي أن تبكي كثيرًا وتضحكي كثيرًا، قولي كل ما تريدين. لا تكتمي شيء، وعبري عن إعجابك بما تحبين.”
ميلت رأسها إليّ، فأضفت.
“…لكن عليكِ تطوير مهاراتك الاجتماعية قليلًا.”
تطلعت إلى وجه روكسيلين بهدوء.
كنت أكره هذا الوجه سابقًا، وكرهت هذه العائلة ومكان ولادتي فيها.
لقد كنت أكره كل شيء.
كنت أفكر بلا توقف. لماذا وُلدت هنا؟ ولماذا أنا تعيسة هكذا؟
كانت هناك لحظات شعرت فيها بالوحدة، وتساءلت لماذا لا أحبّ؟
الآن… أتمنى لو كان هناك شخص صالح بجانبي، ربما كان ماضي أفضل ممكن أن يكون لي.
لكن ما فات قد فات، ولا يمكن تغييره.
لقد كسبت أشياء من حياة لم أحصل عليها سابقًا.
أدركت الآن أنّ الماضي الذي لم يكن لي، أصبح لي في هذا العالم.
“لنعد أن نعد بعضنا البعض بالسعادة.”
“حسنًا!”
مددت إصبعيّ، فربطت روكسيلين إصبعها بإصبعي وعلّقت برأسها.
“روكسي أيضًا!”
“نعم؟”
“روكسي، عدي بأن تكوني سعيدة أيضًا.”
ابتسمت وأنا أنظر إليها بعمق.
“حسنًا، سأحاول.”
ففصلت يدي عن يدها وابتعدت عن حضنها.
“حان الوقت لنذهب حقًا.”
“اكتبي الرسائل بالتأكيد.”
“نعم.”
لوّحت بيدي نحو والدي الذي لا يزال واقفًا، وقد كان يراقبني بصمت.
اقتربت منه.
“أوصلني إلى العربة، ايها السيد الصغير.”
“…حسنًا.”
سار معنا بصمت، بينما أمسكت يده قليلاً بيدي، فتوقف لحظة ثم تشبث بيدي مجددًا.
وصلنا إلى البوابة، وأخبرت الخادم، فخرج لتحضير العربة.
“لقد كانت رحلة ممتعة، ايها السيد الصغير.”
“…نعم.”
“اعتن بروكسيلين جيدًا.”
“سأفعل.”
أومأت برأسي بهدوء، وأفرغت يدي من القوة، كنت أنوي ترك يده، لكنه لم يتركها.
كنتُ أظنّ دوماً أنّ أبي هو من يفلت يدي أولاً، غير أنّ فكرةً خطرت لي. لعلّي أنا من كان يُفلتها في كل مرة، وما كان أبي إلّا يستجيب بتركها تمضي.
“أنا في النهاية ابنة بالتبنّي، أما أبي الحقيقي فلم تجمعني به علاقة طيبة قط. كنا على خلافٍ لا يُعرف أين ابتدأ، إلى أن انتهى الأمر بخاتمة مؤلمة.”
حرّكتُ شفتي ببطء، وعيني شاخصتان إلى الباب المفتوح.
“……”
“لذا، أرجوك أن تُكثر من الثناء، وأن تحتضنني، وأن تمسح على رأسي.”
وما إن فرغتُ من كلامي حتى كانت العربة قد توقّفت عند المدخل.
لوّحتُ بيدي بخفّة.
“لقد كان زمناً ممتعاً. فلتكن بخير، واحذر الناس، ولا تُلقي ثقتك بأحدٍ كيفما اتّفق. ثم إنّ كالوتا تمتلك مهارةً باهرة في الصياغة، فحاول إقناعهم بعقدٍ يجمعكما.”
قهقهتُ ضاحكة وأنا ألوّح بيدي.
“فلعلّنا نلتقي مجدداً إن واتت الفرصة…”
“……نعم.”
“ماذا؟”
“أفلا تمنحينني عناقاً أنا أيضاً؟”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات