استمتعوا
جسد أَرما، كونه من النوع السوين، كان بحاجة إلى العودة إلى هيئة الذئب ليلاً للنوم واستعادة طاقته.
ولذلك خصصت له غرفة، وكان دائمًا يقفل بابها بإحكام.
لكن… أَرما دحرج عينيه بهدوء.
لقد فوجئ عندما فتح عينيه؛ ليس فقط لأن ظهره أحسّ بثقلٍ مفاجئ، بل لأن هذا الثقل كان روكسيلين نفسها.
لم يدرِ كم بذل جهدًا لئلا يسقطها وهو يرى روكسيلين مستلقية على ظهره.
خرج من صدره زئير خافت.
“ذئب.”
“كِييونغ……؟”
ثم نهضت روكسيلين.
ويبدو أنّ فروه الناعم كان يثيرها، إذ فركت وجنتيها على ظهره.
أَرما أغمض عينيه بقوة وأطلق أنينًا، لم يكن مقصودًا، بل كان رد فعل فطري.
فعندما يصبح المرء حيوانًا، لا يستطيع كتم المشاعر.
ذيله كان قد بدأ بالارتجاف منذ زمنٍ فات، فاستسلم للأمر.
أما فروه المنتصب وأذناه المتحركتان، فكان من الصعب السيطرة عليهما.
كل ما كان يرجوه أن لا تتحول غرائزه أيضًا إلى غريزة حيوانية جامحة.
أَرما دفن وجهه في كفوفه.
‘سأتجاهل الأمر…’
كان يشعر بسعادة مختلطة بالحزن، وألم مختلط بالراحة، ولم يعرف كيف يصف هذه المشاعر فاستسلم.
ولكن الإحساس بفرك وجهها على ظهره أصبح أوضح وأقوى مع الوقت.
“ذئب، يبدو أنّ جيرون فقد صوابه…”
“كِييونغ؟”
“هاه…….”
تنهدت روكسيلين بعمق، وهي تبدو متعبة للغاية.
أَرما، الذي أراد أن يسأل عمّا حدث، أدرك أنّه لا يستطيع سوى إصدار أصوات الحيوان، فأغلق فمه مجددًا.
“رَوو! كيييونغ……”
“لقد قال إنني شبيه بتناسخ شخص اسمه سولوم، وإن قتلت شيطانًا، فإن قوة مشابهة للهاوية ستستيقظ.”
أَرما حاول كبح ذيله المرتجف وأومأ برأسه.
في الحقيقة، كان يرغب بالعودة إلى هيئة الإنسان، لكن روكسيلين كانت تحب فروه الكثيف جدًا.
‘…هل أحتفظ بذئب آخر هنا؟’
توقّفَ آرما مُفكّراً للحظةٍ، ثمّ هزَّ رأسَهُ رفضاً. فقد خشِيَ ان يظلَّ متعلقاً بهذا الذئبِ هكذا.
“كييونغ…… روو! آووو…….”
أَرما، راغبًا بالعودة إلى هيئة الإنسان، بدأ يطرق الأرض بمخالبه الأمامية، محاولًا التعبير عن رأيه.
“لا، أحب الفراء الكثيف.”
روكسيلين أجابت كلامه بدقة، فتوقف الذئب للحظة.
‘…هل فهمت؟’
رغم شكّه، حرك الذئب ذيله برفق محاولًا لفّه حول خصرها وسحبها إلى الأسفل.
بالطبع، كانت روكسيلين أسرع، فأمسكت بفروه لتثبت نفسها.
“…….”
“…….”
كان هناك صراع هادئ بين تمسّك روكسيلين ومحاولة أَرما فصلها عنه.
وبالطبع، كانت روكسيلين المنتصرة.
بدأ ذيله الملفوف حولها بالنزول تدريجيًا حتى سقط على الأرض.
“غرررر…….”
ثم بدأ يخر مجددًا، بعد أن لمست روكسيلين رأسه برفق.
أَرما، غير معتاد على صوت الخرير الصادر من نفسه، غطى فمه بمخالبه، ثم خفض رأسه.
لأنَّ مخلبَ الذئبِ لم يكنْ مُهَيّأً بشكلٍ جيدٍ لمنعِ شيءٍ من الخروجِ.
“المشكلةُ انني اذا استيقظتُ، سأصبحُ مثلهُ تقريباً. الأمرُ ليسَ يقيناً، لكنْ قد أعيشُ لزمنٍ مديدٍ.”
“ءَاوو……؟”
“ومع ذلكَ، سيظلُ جسدي ضعيفاً كما هو.”
صوتها جاف بلا ارتفاع أو انخفاض، لكن أَرما شعر بالغضب المكبوت داخله.
“……مزعج.”
توسعت عيناه لحظة صدق الكلام.
“ذئب، في الحقيقة… لا أحب أن أتألم كثيرًا.”
“…….”
“أكره أن أكون عاجزة. أكره أن لا أستطيع الذهاب إلى حيث أريد، وأكره أن أكون عبئًا على أحد إذا مرضت قليلاً. أكره أن يُضطر أحد للتضحية بسبب ألمي.”
“…….”
استمع الذئب بصمت، وأذناه المرفوعتان أظهرتا اهتمامه وانتباهه.
“هنا، على الأقل، لم أتألم…”
همست روكسيلين على ظهر أَرما، وهو يعلم أنها لا تُظهر ألمها عادة، ولا تريد إظهار قصورها للآخرين.
حين تذكر ذلك، شعر أَرما بمزيج غريب من الفرح والإثارة، ربما لأنها أظهرت له ضعفها، أو لأنها أصبحت صادقة.
مهما يكن السبب، كان هناك رغبة واضحة واحدة.
فقد لفّ ذيله برفق حول خصرها، وأخضعه للأسفل.
لم تمسك روكسيلين بالفراء كما فعلت سابقًا، فتمكّن من السيطرة.
ثم تحول سريعًا إلى هيئة الإنسان، جلس على الأرض، وجذبها إلى حضنه.
ربت على مؤخرة رأسها بلطف، وجعل جبينها على كتفه.
كان يربت على ظهرها برفق كما لو كان يحتضن طفلًا صغيرًا.
“ستكونين بخير.”
“…….”
“سأتحمل كل الألم عنك. لن تجدي نفسك وحيدة. سأحقق لك كل ما تريدين…”
شدد أذرعه حولها.
“…….”
“سأحقق كل شيء تريدينه.”
غمضت روكسيلين عينيها للحظة.
“فلنبقَ معًا هذه المرة. لنعيش معًا.”
“……أَرما؟”
“فلا تموتِ هذه المرة وتتركيني…”
همس وهو يدمع قليلاً، وفتح أَرما وجهه على كتفها، بينما رأته و الظلال في عينيها الزرقاوين.
خرج من جسده دخان أسود أحاط بهما، واحتوى الغرفة تدريجيًا.
“لا تتركيني هذه المرة…”
ترددت كلمات أَرما كطفلٍ صغير، فيما استسلمت روكسيلين تدريجيًا.
“هذهِ المرةَ، نحنُ جميعاً عائلةٌ……”
لم تشعر بالخطر، ولم يكن هناك أي شعور بالاستياء.
أغمضت عينيها ببطء، وغطّت عليها الظلمة.
***
غطّت روكسيلين في نومٍ هادئ، وأصبح وجه أَرما الذي يراقبها هادئًا أيضًا.
“…….”
أرخى جبينه قليلًا.
‘تتصرف كما يحلو لها.’
ظنّ أَرما أنّ لديه حدًّا من الوعي، لكنه لم يتوقع أن تتمكّن من السيطرة على جسده وتتحدث.
أمسك روكسيلين النائمة بين ذراعيه، ورفعها بلطف إلى السرير القريب، وغطّاها بالبطانية، ثم فتح وأغلق يده بخفة.
لقد اكتسب هذه القوة منذ أن تعرض لهجوم وهو صغير، وعاد للحياة ليجد الهاوية بداخله. ظلامٌ غامض.
لم يلقِ بالًا لذلك سابقًا، لكنه أدرك مؤخرًا أنّ للهاوية وعيًا خاصًا.
‘هل كانَ ذلكَ عندما بادرت بحديثِ فسخِ الخطوبةِ أولَ مرةٍ؟’
بمجردِ ان التقى بروكسيلين بعدَ غيابٍ طويلٍ، بدأَ ظلامُهُ يتموجُ ويضطربُ.
كانَ يخطو دونَ تفكيرٍ، لكنَّ روكسيلين كانتْ هناكَ دائماً.
ولم يقتصرِ الأمرُ على ذلكَ. فمنذُ لحظةٍ ما، بدأَ يرى أحلاماً. أحلاماً تدورُ حولَ مستقبلِ روكسيلين، مستقبلٌ يجهلُهُ هو.
‘لا بُدَّ انَّ هذا الكائنَ قد دبَّرَ مكيدةً.’
فكّرَ آرما وهو يقبضُ على يدهِ ويفتحُها.
في غضونِ لحظاتٍ، ظهرَ الظلامُ على شكلِ كُرةٍ مُستديرةٍ في كفِّ يدهِ.
تتحرك وفق إرادته، لكنها أبدت عنادًا مؤخرًا.
“روكسيلين ملكي. لا أدري من تراهُ فيها، لكنني أنا من وجدها أولاً، فلا تُفكرْ في ان تطمعَ بها.”
تمتمَ آرما متوعداً وهو يحدقُ في الظلامِ.
عندئذٍ، ارتجفَ الظلامُ ارتعاشةً عنيفةً. اهتزتْ الدائرةُ المتكتلةُ بشدةٍ.
“……”
ضيّقَ آرما عينيهِ ثم أطلقَ تنهيدةً.
كانَ على وشكِ ان يقبضَ على كفّهِ بخفةٍ ليبددَ الظلامَ المتراكمَ.
في تلكَ اللحظةِ، امتدَّ الظلامُ الذي كانَ يتدفقُ على كفِ آرما فجأةً، وانتشرَ كغشاءٍ رقيقٍ، ثم انقضَّ على آرما بغتةً.
“انتظرْ……!”
في اللحظةِ التي اتسعتْ فيها عينا آرما دهشةً، أحاطَ بهِ الظلامُ وسيطرَ عليهِ بالكاملِ.
وميض من ذكريات الماضي مرت في ذهنه كأفلام خاطفة.
‘هذا…!’
ثم خفت ضوء عينيه، وسقط بجانب روكسيلين.
وبعد قليل، عمّ الصمت في الغرفة، مع أنفاسهما الهادئة.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات