لم يخطر ببالي قطّ أن يقول مثل هذا الكلام، لكنّي مع ذلك ابتسمتُ ورددتُ بجوابٍ مُوارب.
ذلك أمر كنت قد عزمتُ عليه إن غادرتُ هذا المكان وعدتُ إلى كنف أسرتي.
أن أبوح لهم بكل ما جرى، من أوّل صغيرة إلى آخر كبيرة.
إنّي لستُ بريئة.
لقد خدعتُ كثيرًا من الناس، ونتيجة خداعي قُتل بعضهم، بل وقتلتُ آخرين عمدًا.
خدعتُ لأعيش، وقتلتُ لأبقى، وخدعتُ للتسلية كذلك.
فكيف لا أعترف بكل ذلك؟
“أتريد أن أخبرك بأعظم سبب جعل الماركيزة ترفضك يا جيرون؟”
“ألأنها لم تكن واثقة من قدرتها على عيش الدهر المديد؟”
“بل لأنها لم تثق بك.”
قلتُها بصرامة، فما إن انتهى كلامي حتى تجمّدت كتفا جيرون ويلبريد.
نظرتُ إلى ارتباكه الظاهر خلف وجهه الجامد، ثم هززتُ كتفيّ بخفة.
“ألم تظن أنّ حبّك الذي تبذله صامتًا بلا كلمة واحدة كان ليبعث القلق فيها؟”
“…….”
“ثم ألم تتفكّر. هل هذا الحبّ الذي تزعم أنّك تمنحه لها سيبقى بلا ملل ولا فتور؟”
لم يصلني منه جواب.
فواصلتُ الكلام، فلن تسنح لي فرصة أخرى لأقول مثل هذا.
إذ إنّي إن عدتُ، فلستُ روكسي ويلبريد، ولن يكون له ولد بعدها.
“اقتراحك بالنسبة إليها كحبل للنجاة. لكنها رأت أنّ الحبل الذي مددتَه لها رقيقٌ هشّ لا يُمسَك به.”
أذهلته كلماتي حتى عجز عن فتح فمه.
وما رأيتُه صامتًا إلى هذا الحدّ من قبل.
‘عجيب، حين يُحاصر إلى هذا الحدّ يبدو إنسانيًّا.’
حدّقتُ فيه بملامح متباينة، ثم هززتُ كتفيّ مرة أخرى.
“جيرون، من كان قلبه مثقلاً بالهواجس والاضطراب، إذا طلب أن يُتَّخذ رفيقًا، فهل يُرتجى له جواب غير الرفض؟”
وضعتُ ما تبقّى من الطعام في فمي، ثم مضغتُه.
“إن لم نبدأ من البداية، فلن يكون ثمّة جواب. أتذكر كم مرّة اعترفت لك الماركيزة بحبّها؟”
“رأيتُ ما كُتب في مذكّراتها.”
“أمّا أنا فأرى أنّ حبّك مغرور. لا تبدو عليك مسحة من التلهّف. وإن لم يكن الحبّ متلهّفًا، فكيف ينال ثقة أحد؟”
“…….”
“وظلّ الناس يذكرون قصتها حتى بعد دخولي مجتمع الطبقة الراقية. وهذا دليل على أنّها كانت حديث الألسن طويلًا.”
“لقد كانت هي التي حاصرتك بالاعترافات حتى تزوّجتْك بعد سنوات، لكن المجتمع قاسٍ على النساء.”
“…….”
“ولهذا لم أسمع يومًا إلا الشائعات التي تُسيء إليها. أنّها أرغمتك على الزواج، أو أرهقتك بإلحاحها حتى رقّ قلبك، أو أنّها المرأة التي رفضتها أعوامًا ومع ذلك اضطررتَ لقبولها، فاستحققتَ الشفقة. كلّ ذلك لأن صورتك بدت كضحية، والناس تعاطفوا معك.”
“……من؟!”
“وهل يهمّ من؟ أليست تلك الصورة من صُنعك أنت؟”
فتحتْ عيناه باتساع، وكأنّ أنفاسه انحبست في صدره.
“أردتُ أن أقول لك إنّ اعترافاتك الهشّة لا تكفي لنزع خنجرٍ انغرس في صدرها طوال تلك السنين.”
“……عجيبة أنتِ. ألستِ تخافين؟”
“أخاف.”
ابتسمتُ، وإن كانت أصابعي الصغيرة ترتجف.
“لكنّك تعلم كما أعلم. لو استسلمنا للخوف، فلن يبدأ شيء ولن يتغيّر شيء.”
ظلّ جيرون يرمقني صامتًا، بلا دمعة ولا ابتسامة، بنظرة صلبة معدنية.
هذا هو جيرون ويلبريد، أو قل. هذا هو وجهه الحقيقي، لا ذاك الرجل البشوش اللبق.
“ألسنا نحن الاثنان من ندمنا لأنّنا لم نفعل شيئًا؟”
قلتُ وأنا أثبّت بصري في عينيه.
“ولهذا نحن هنا الآن.”
كلانا جاء إلى هذا الموضع لأنه أسير ندمه، ورغبته في تصحيح ما فاته.
لكن هل تُمحى الخطايا الماضية؟
هل يُمحى العالم الذي أعرضنا عنه؟
لا، إنما ما نقوم به اليوم ليس اعتذارًا للآخرين بقدر ما هو عزاء لقلوبنا.
وأنا نفسي جئتُ إلى هنا لأنّي لم أظنّ أنّي سأنعم بسعادة صافية هناك.
“حتى لو كان المصير مأساويًّا، فالاختيار يجب أن يكون بلا ندم. أليس على شيطانٍ عاش آلاف السنين أن يفقه هذا؟”
ضحكتُ ضحكةً خافتةً وأمسكتُ بمقبضِ البابِ.
“حسناً، سأذهبُ الى القصرِ الإمبراطوريِ، ولذا فليتفضلْ أبي أيضاً……”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات