استمتعوا
لم يمض وقت طويل حتى وصلت العربة إلى منزل الدوق.
ولم ألبث أن فتحت الباب على مصراعيه ونزلت منها كأنّي أهرب.
“لحظة… روكسي! لا تذهبي وحيدةً!”
بالطبع لم يستغرق الأمر طويلًا قبل أن يلحق بي أَرما، فخطاه أطول من قدميّ روكسي بكثير.
“آل، ابقَ في الخارج.”
“لماذا؟”
“لأنّ روكسيلين تعاني حساسيةً من الفراء…”
توقفتُ عن الكلام، إذ إنّني اعتدتُ أن أنطق بهذه العبارات بلا اكتراث.
حين كان روكسيلين صغيرًا، كانت حساسية الفراء أمرًا مفروغًا منه، لكنّ ذلك كان يحدث لأنّ أَرما كان يتخذ هيئة وحشٍ آنذاك.
فلا أعلم إن كانت تلك الحساسية ستستمرّ الآن وقد صار سويًّا.
“….. المسألةُ متعلّقةٌ بكونك إنسانًا أم حيوانًا، هذا هو السؤالُ.”
سمعَ آرما تمتمتي فانفجرَ ضاحكًا.
“ما هذا، من الواضحِ أنّني إنسانٌ في نظر الجميعِ!”
“لكنْ، إذا تفاعَلَ شخصٌ يُعاني من حساسيّةٍ ضدّ فروِ الكلابِ، فهل هذا لا يعني أنّ الأمرَ يتعلّقُ بكلبٍ في نهاية المطاف؟”
“ها؟ أيُّ هراءٍ لا معنى له هذا……”
رمشَ آرما بعينيهِ بضعَ مرّاتٍ، ثمّ تحدّثَ بفظاظةٍ، ليرفعَ كتفيهِ في النهاية ويُومئ برأسِه.
“حسنًا. إذا كُنتَ ذئبًا فستبقى ذئبًا، وإذا كُنتَ كلبًا فستبقى كلبًا.”
شعرتُ بالحرجِ دونَ داعٍ من ردِّ آرما المفاجئ والمُسالِم، ففركتُ مؤخّرةَ عنقي برفقٍ.
“فلندخلْ أوّلًا ونرى الوضعَ، وإذا لم ينجحْ الأمرُ، فلتخرجْ أنتَ……”
“تفضّلِي بالدخولِ، يا أنستي. و……”
انقطعَ كلامي بسببِ تحيّةِ الخادمِ الذي خرجَ على عجلٍ.
توقّفَ الخادمُ وهو ينحني عندما رأى آرما يقفُ بجانبي.
فتحَ الخادمُ فمَه مبتسمًا بشكلٍ طبيعيٍّ.
“آه، لقد وصلَ ضيفٌ جديدٌ.”
عندَ سماعِ كلامِ الخادمِ، أشرتُ بيدي ببراعةٍ إلى آرما وفتحتُ فمي.
“هذا آل، وهو ضيفٌ يقيمُ في منزلِنا منذُ بضعةِ أيّامٍ. سمعتُ أنّه سَيَدرسُ في العاصمةِ بناءً على طلبٍ من أحدِ معارفِ والدي……”
ضحكتُ وأنا أكذِبُ بشكلٍ طبيعيٍّ. لقد دهشتُ قليلًا من نفسي لسهولةِ سَرْدِي للأكاذيبِ.
“آه، إذًا هو الضيف الذي كفله سمو الماركيز لبعض الوقت.”
هزّ الخادم رأسَه بتودّدٍ وقال.
“سأبلغ سيدي بذلك على الفور.”
“حسنًا.”
أخبرني الخادم أنّ الأنسة الآن في الطابق الثاني تتناول الشاي مع السيد الشاب والأميرة ليلي.
آه، هل كان عليَّ أن أتحدث معها مسبقًا؟
كنت أفكر وأميل رأسي، فابتسم الخادم وأدخلهم إلى الداخل.
“أخبرتكِ لأعلمكِ فقط. الآنسة سترحب بك في أي وقت، فأنت بمثابة فرد من العائلة.”
“وأين الجد؟”
“سيد القصر مشغول قليلًا في الاستعداد للمغادرة العاجلة إلى مقاطعة الدوق مع الابن الأكبر للدوق، بسبب الأخبار التي تفيد بتدهور الأمن في أنحاء المقاطعة.”
“آه، أجل.”
إذًا لن أستطيع رؤيته اليوم.
لم أشتكِ؛ فأنا لست طفلةً لأبدي امتعاضًا بصوتٍ مسموع.
قال الخادم مبتسمًا إنّهم سيجدون وقتًا ما لو طلبتِ اللقاء فعلاً.
أدركتُ معنى ذلك حين طرق الخادم باب غرفة الاستقبال فأُذن لي بالدخول.
“…”
لمحت الخادم وهو يتوجّه إلى جهة الجدّ، لكنّ الأمر لم يكن ليضرّني إن رأيته الآن.
“روكسي!!”
ركضت فتاةٌ صغيرة جلست على الأريكة وهي تطأطئ قدميها، وانْقضّت عليّ بعناقٍ قوي.
“اشتقتُ إليك! لماذا لم تأتِ طوال هذا الوقت؟”
فركتُ مؤخّرةَ عنقي بسببِ الصوتِ الذي نقلَ لي مشاعرَها بصدقٍ وبساطةٍ.
‘مَن هذهِ الفتاةُ……’
هل هذهِ أنا حقًا؟
‘هل كان بإمكاني أن أصبحَ بهذهِ الشّخصيّةِ؟’
الوجهُ الذي يبتسمُ بصدقٍ وبراءةٍ……
“اشتقتُ إليكِ، تعالَي كثيرًا. حسناً؟”
“آه، أمم.”
هل سأتمكّنُ من المجيءِ؟
يجبُ أن أستعدَّ للعودةِ تدريجيًا بمُجرّدِ الانتهاءِ من هذا الأمرِ.
“روكسي؟”
“آه، نعم. حسنًا. كان لديَّ بعضُ العملِ…… على أيّةِ حالٍ، لقد جئتُ لأراكِ.”
“الذي كان يتردّدُ علينا يوميًا، ينقطعُ عنّا لأكثرَ من أسبوعٍ دونَ خبرٍ، كنتُ أتساءلُ ماذا كان يفعلُ……”
رفعتُ رأسي عندَ سماعِ الكلماتِ المتتاليةِ، لأجدَ هذهِ المرّةَ ‘أبي’ ينظرُ إليّ.
لقد تحدّثَ بفظاظةٍ بوجهٍ يبدو غيرَ راضٍ بعضَ الشيءِ، لكنْ لم تكُنْ الهالاتُ السّوداءُ تحتَ عينيهِ داكنةً كما في السّابقِ، وبدا مرتاحًا حتى.
‘كمْ سنةً مرّتْ منذُ مجيئي إلى هنا؟’
فجأةً، عندما رأيتُ ذلكَ الوجهَ المُريحَ، اشتقتُ إلى عائلتي التي تنتظرُني في عالَمي الآخَرِ.
“هل اشتقتَ إليَّ، أيّها الدوق الصّغيرُ؟”
“ماذا تعنين بـ’اشتقتَ إليكِ’. كنتُ أتساءلُ فقط ما إذا كُنتِ قد مُتِ مِيتةً عنيفةً في مكانٍ ما……”
عبّستُ بوجهي بسببِ الكلماتِ التي استمرّتْ تتدفّقُ، وسرتُ نحو الأريكةِ الواسعةِ في غرفةِ الاستقبالِ.
“أيّها الدوق الصّغيرُ.”
“ماذا تُريدين؟”
“إذا كُنتَ قَلِقًا، فقُلْ إنّكَ قَلِقٌ. لا تتحدّثْ بطريقةٍ مُلْتَوِيةٍ لا تليقُ بالشّخصِ البالغِ.”
وبمُجرّدِ وصولي، ألقيتُ كلمتي وجلستُ على الأريكةِ بارتياحٍ.
“آه، صحيحٌ. روكسيلين، هذا صديقي آل. لقد جئتُ لأُعرّفَكِ بهِ…… روكسيلين؟”
“صديقٌ……؟”
“نعم، صديقٌ.”
“لديكِ صديقٌ غيري؟”
“لديكِ أيضًا صديقةٌ……؟”
“لكنّني أعتبرُكِ أنتِ صديقتي رقم واحد…… فهل أصبحَ لديكِ صديقٌ آخَرُ؟”
ارتعشَ ظهري دونَ وعيٍ بسببِ الصوتِ الذي أصبحَ كئيبًا.
‘ماذا تقولُ هذهِ الفتاةُ الآن……؟’
رمشتُ بعينيّ لبرهةٍ مندهشة، فـ’روكسيلين’ عبستْ بشفاهِها وكأنّها مُستاءةٌ.
“……روكسي طيّبةٌ، لذا من الطبيعيّ أن يكونَ لديها أصدقاءُ غيري، أليسَ كذلكَ؟”
هل أنا طيّبة؟
على الرّغمِ من أنّني ابنة عائلةً سعيدةً، إلّا أنّ هذا كثيرٌ جدًا…… لم أقصدْ أن أصبحَ غبية إلى هذا الحدِّ.
‘أن تُنعتَني بالطّيّبِ……’
إذا كانَ تقديرُ الذّاتِ ضعيفًا إلى هذا الحدِّ وكانتْ نظرتُها إلى النّاسِ مُنعدِمةً، فما الفائدةُ من ذلكَ؟
بالإضافةِ إلى تلكَ الغيرةِ الساذجةِ.
‘أنا…… هل كُنتُ نوعًا مُزعِجًا أكثرَ ممّا كنتُ أعتقدُ؟’
التزمتُ الصّمتَ أمامَ سلوكِ روكسيلين، الذي كانَ يُشيرُ بوضوحٍ إلى أنّها تشعرُ بالغيرةِ لأنَّ أقربَ صديقاتِها كوّنتْ صداقةً جديدةً دونَ علمِها.
‘……الأمرُ مُزعِجٌ، ولأنّه أنا، لا أستطيعُ أن أُعبّرَ عن انزعاجي بصدقٍ……’
وفي الوقتِ نفسِه، لا يمكنُني كُرهُها أيضًا، أليسَ كذلكَ؟
أنْ أكرَهَ نفسي، هذا أمرٌ سيّئٌ بعضَ الشيءِ…….
‘أنا لا أُحبُّ النرجسيّةَ، ولكنْ في الوقتِ نفسِه لا أُريدُ أن أصبحَ إنسانًا بلا حبِّ ذاتٍ.’
بينما كُنتُ أُفكّرُ قليلًا عندَ مُفترَقِ الطُّرقِ هذا، سمعتُ ضحكةً خافتةً من الجوارِ. كانتْ ضحكةَ آرما الذي جلسَ بجانبي بشكلٍ طبيعيٍّ.
“لا تقلقي. أنا لستُ صديقًا لـروكسي. وليس لديَّ نيّةٌ بأن أكونَ صديقًا لها في المُستقبلِ أيضًا.”
ماذا يقولُ هذا مرّةً أخرى؟
نظرتُ إليهِ بتعبيرٍ يُوحي بـ’ماذا تفعلُ؟’، فقبضَ على يدي بخفّةٍ.
“أن تقول إنّك لا تنوي أن تكون صديقها….”
في تلكَ اللحظةِ، انفجرَ غضبُ روكسيلين.
شدّتْ على أطرافِ شفتيْها وقبضتْ على قبضتِها بقوّةٍ.
“ما هذا، إذًا لماذا أنتَ معَ روكسي؟ إذا كُنتَ تتلاعبُ بـروكسي، فسوفَ……”
نظرتُ إلى روكسيلين بتمعُّنٍ.
كانَ من الغريبِ جدًا رؤيةُ وجهي يقومُ بتصرُّفاتٍ لا أُرجّحُ أن أفعلَها أنا.
بالطّبعِ، إذا أظهرَ شخصٌ بوضوحٍ أنّه يتلاعبُ بالشّخصِ الذي أُحبّهُ…… فبالتأكيدِ سأذهبُ إليهِ وأُمزّقُهُ بالكلماتِ حتى لا يتمكّنَ من رفعِ رأسِه بعدَ ذلكَ…….
“……”
ما هذا؟ لم يكُنْ ردُّ فعلِ روكسيلين المُندفِعُ مختلفًا عنّي كثيرًا الآن.
ربّما كانَ الاختلافُ الوحيدُ هو أنّ روكسيلين أصغرُ سنًا وأكثرُ عُرضةً للتعبيرِ عن مشاعرِها الخامِ. أمّا أنا، فكنتُ سأبتسمُ وأذهبُ لأُثيرَ المشاكلَ بهدوءٍ.
ولم أكُنْ لِأُطلِقَ أبدًا مثلَ هذا الكلامِ التحذيريِّ.
“أتلاعبُ، هذا ليسَ صحيحًا.”
“إذًا ماذا؟”
“الأمرُ ببساطةِ……”
أدارَ آرما رأسَهُ ونظرَ إليّ، ثمّ ابتسمَ بعينينِ ضيّقتينِ.
“……؟”
وبعدَ ذلكَ، رفعَ كفّي للأعلى، وقبضَ عليهِ.
قبلة.
لمستْ شفتُهُ كفّي ثمّ ابتعدتْ.
“هدفي هو أن أكونَ زوجَ روكسي.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات