ما إن خرجت من الغرفة حتى حيّاني أَرما، وكان متكئًا على جانب الباب.
“لا، بل لعلّه مساء الخير.”
لعلّ السبب تبدّل جسده، أو أنّه ما عاد يبتسم بتلك البلاهة القديمة، إذ بدا أكثر برودًا من ذي قبل.
ومنذ ذلك اليوم، صرت أتجنّبه قرابة أسبوع، متذرّعةً بتلك ‘الخطيئة المزعجة’.
غير أنّ أَرما، بدءًا من اليوم الخامس، أصبح يقف منذ الصباح عند بابي ينتظرني. وكان منظره أشبه بجروٍ متروك يثير الشفقة…
“ألم نقل إننا لن نلتقي لبعض الوقت؟”
“بلى، لكنني اشتقت إليكِ فجئت.”
قالها بابتسامةٍ خفيفة.
“…….”
لقد اعتاد مؤخرًا أن يُلقي عليّ كلماتٍ صريحة، فأجد لساني معقودًا غير مرة.
أردتُ أن أضع مسافةً بيننا لأنّ لقاءه يثقل صدري، لكنّه لم يمنحني أي فرصة لذلك.
“اليوم سأذهب إلى منزل دوق بيليون.”
“أيمكنني أن أرافقك؟”
“وإن قلتُ لك ألا تأتي، هل ستبقى؟”
“مم، لن أركب العربة نفسها على الأقل.”
أجاب باستهتار وهو يرفع كتفيه، كأنّه يقرّ ضمنًا بأنّه سيلحق بي على كل حال.
وبينما كنت أحدّق فيه في عجب، مدّ يده وبعثَر بخفّة خصلات شعري.
“ما الذي تفعله؟”
“فلنذهب معًا، روكسي.”
قالها وهو يمسك يدي بلا تردّد. يده الكبيرة جذبتني بخفّة حتى ارتبكتُ، وشعرت أنّ ردّ فعلي غير طبيعي أمام عفويّته.
“وغدًا؟”
“سأمرّ على المعبد، ثمّ أتوجّه إلى القصر الإمبراطوري… وأمّا الليل، فربما…”
ترك عبارته معلّقة.
إذ إنّ وجود رهينة بين أيديهم يجعل أيّ محاولة لمواجهة آمون ذريعةً يتّخذها الإمبراطور للتدخّل. ولو أنّه تصدّى بسيفه دفاعًا عن زوجته، لأشعل في لحظتها حربًا عائلية.
ارتعش جسدي لمجرّد التفكير بذلك. لم أرغب قط أن يتقاتل الإمبراطور مع أَرما، ولكنني أيضًا لم أُرد أن أترك أمّه وشأنها.
‘إنها… على أيّ حال…’
هي التي أنجبَت أَرما.
هي التي أتاحت وجود ذاك الذي كان إلى جواري حين ضاقت بي الحياة…
‘ثمّ إنّه…’
للمرّة الأولى، طلب منّي أَرما أن أعيد إليه أمّه.
وكنت أتمنّى، من كل قلبي، أن ينال هذا العالَم نصيبًا من السعادة له.
كان يسير أمامي، متمسّكًا بيدي لا يتركها. وحتى حين أمر الخادم بإعداد العربة، ظلّت يده متشبثة بيدي.
بفضل جيرون ويلبريد صار أَرما ضيفًا مقيمًا هنا لبعض الوقت، ولهذا علت نحوه أنظار كثيرة.
لا، لم يكن السبب كونه من السوين، فهو يخفي أذنيه بقبعة ويُخبّئ ذيله تحت معطفه. بل الأمر أنّ…
“يدك دافئة يا روكسي.”
“آه، نعم. وأنت أيضًا.”
“ذلك بفضلكِ. يداي عادةً باردتان.”
قالها وهو ينحني قليلًا ليلاقي نظري، مبتسمًا بصوتٍ خفيضٍ خالطته الدفء، فاسترعى انتباه كل من حولنا.
“كل شيء جاهز يا آنسة روكسي.”
“شكرًا لك.”
“عودًا حميدًا.”
صعدت إلى العربة برفقته. وبقفزةٍ رشيقة كنتُ بداخلها من غير أن أحتاج إلى مساعدته. لكنني توقّفت حين رأيت يده ممدودةً في الهواء بشكلٍ غريب، ثمّ يحاول أن يسحبها بخجل.
‘آه، لقد كان ينتظر أن أساعده.’
لعلّه لم يعتد أن يصعد إلى العربة وحده، فهو أمير. أما أنا، فلم أدرك سهولة ذلك إلّا بعد أن صرت في هذا الجسد.
فأمسكتُ يده المعلّقة بسرعة وجذبته.
“…….”
“سأساعدك، فلا تقلق.”
شدَدتُ على ذراعه فرفعتُه دفعةً واحدة إلى العربة. أغلق الباب في صمت، وعلى وجهه ملامح ممتلئة بالكلمات غير المنطوقة.
“أنت قوية يا روكسي.”
“نعم.”
أجبت باقتضاب، فذلك أمر بديهي.
أطرق برهة ثمّ جلس بجانبي مباشرةً بدل أن يختار المقعد المقابل. وما إن جلس حتى شبك أصابعي بأصابعه وأرخى جسده إلى الخلف.
“شكرًا لأنكِ ساعدتني، روكسي.”
قالها بصوتٍ خافت، شفاهه قريبة حتى شعرت بخفقان قلبي يتسارع.
دومب… دومب… دومب…
أومأت برأسي سريعًا ثمّ التفتّ بعيدًا. في الآونة الأخيرة بات يقترب من وجهي كثيرًا، ويأخذ بيدي مرارًا، ويضحك بكثرة.
حقًا، كان كذلك حتى حين كان ‘آل’ أو حين كان ذئبًا.
‘وخاصةً عندما كان ذئبًا… كان ذيله…’
يهتزّ في غير إرادته.
فخطر ببالي أنّه حقًا يحبّني. أجل، الذيل لا يكذب. إن كان يهتزّ، فهذا يعني أنّه ارتاح للمسي أو أنني رقت له.
“……همم.”
اشتعل وجهي بحمرةٍ لم أستطع إخفاءها.
‘لا، لا، لا تجازفي بالأوهام يا روكسي.’
قد أكون أنا من يقرأ الأمور بزيادة.
رفعت كفّي لأكتم الحرارة المتصاعدة في وجنتيّ.
يا إلهي، أكاد أجنّ.
“روكسي، هل أنتِ بخير؟”
“آه، نعم.”
“وجهك محمّر… هل أصابتكِ الحُمّى؟”
“لا تقلق. هذا الجسد متين لا يعرف الحُمّى.”
وبالفعل، لم أكن يومًا عرضةً للأمراض، لا حين عشت مشرّدة، ولا في الأيام الأخيرة المرهقة نفسيًا.
“هكذا إذن…”
تمتم بابتسامةٍ غامضة، ولم يُفلت يدي.
“ألستِ منزعجة من دفء يدي؟”
“لا.”
“فهمت.”
“روكسي.”
“ماذا؟”
أجابني بهزّة رأسٍ متأمّلة.
“لا شيء.”
فتحتُ النافذة قليلًا لأتنفّس نسمةً من الهواء.
“روكسي.”
“ماذا مجددًا…”
وما إن التفتُّ حتى وجدت وجهه أمامي، قريبًا جدًّا.
“ماذا… ماذا تفعل؟!”
ارتبكت حتى عجزت عن إظهار دهشتي.
فذلك الفتى كان يبتسم ابتسامةً ماكرة، وشفتاه ترتفعان في غمزٍ طفولي، بينما المسافة بيننا تكاد لا تسمح بنفَسٍ مستقلّ.
“روكسي.”
“ماذا بعد؟”
“فقط رغبتُ في مناداتك.”
“….ماهذا، أتلعب بمشاعري؟”
“لا، لم يكن ذلك قصدي. لكن… حقًا، مهما نظرتُ إليكِ، أعجب بكِ أكثر.”
“…….”
فتحتُ فمي لأُفرغ غضبي، لكنّ الكلمات تجمّدت على لساني.
“إنما كتمتُ هذا الحديث من قبل، خشية أن يثقل قلبكِ… غير أنّه أفلت الآن.”
قالها وهو يحكّ وجنتَه بخفّة.
“أنتَ حقًا… مزعج.”
تمتمتُ وأنا أطأطئ برأسي.
“لا بأس.”
“لا بأس؟”
“أجل. حتى تحبّيني أنتِ، سأظلّ أنا أحبّكِ أكثر.”
“…….”
لا ريب أنّه يفعل ذلك عن قصد.
لو كان صغير السنّ، لقلتُ إنه صبيٌّ غِرّ يتصرّف بغير وعي، لكنّه… وأنا أيضًا، لسنا من صغار السنّ.
مهما كان ظاهرنا على ما هو عليه، فنحن في ربيع العمر، في زمنٍ يليق بالحبّ.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات