استمتعوا
“هل….تبكي؟”
نطق سيفيروس متلعثمًا على غير عادته. كان هذا يحدث لأول مرة في حياته.
فذلك الطفل الذي لم يتكئ على أحدٍ قط وكان دائمًا يجد طريقه بنفسه.
الطفل الذي كان يجد دائمًا وسيلةً للانتقام منه ثم يغلق بابه دونه…..
“….أعد إليّ أمي.”
“…….”
تجمد رأس سيفيروس وجسده في مكانه.
“يكفيني أن تسمح لي بلقائها ولو مرةً كل شهر. لا تحبسها.”
قال أرما ذلك بلسان مقطوع كطفل صغير يتدلل ويصرّ على طلبه.
“اعتذر لها وقل أنكَ آسف.”
“أ….هاه؟ أ، نعم. مـ…..معذرة.”
قال سيفيروس ذلك وهو يرمش بعينيه. ثم مسح جبهته في شعور غريب لم يألفه من قبل. وأدرك أنه شديد الضعف أمام دموع أصغر أبنائه.
لم تكن هذه أول مرة يبكي فيها أحد أولاده. لكن أصغرهم لم يسبق له أن بكى، لذا كان وقع ذلك صادمًا لدرجة أفقده القدرة على الكلام.
“…….”
“أمي؟ هل ستعيدها إليّ؟”
“…..نعم. عندما تهدأ الأمور ويستتب الوضع…..”
“حسنًا.”
أومأ أرما وهو ممسكٌ بتلابيبه جالسًا فوقه.
“سأستشيرها وأفكر في الأمر من جانب حسن.”
“واعتذر لي أنا أيضًا، هنا.”
“حسنًا.”
ربّت بيده الخشنة على رأس الطفل مجيبًا.
“ولا تحبس أمي.”
“…..ذلك….سأفكر فيه.”
وفي صوته إشارةٌ خفية إلى أن الأمر ليس بهذه البساطة. عندها ترك أرما تلابيبه ونهض بخفة من مكانه.
طقطق، طق.
أدار عنقه يميناً ويساراً ثم ابتسم ببشاشة كأن شيئًا لم يكن.
“لقد وعدتَني يا أبي.”
“……أنتَ.”
لكن عينيه لم تبدُ فيهما حمرة البكاء. فشعر سيفيروس بالارتباك وكأنه كان يحلم بما رآه قبل لحظات، وانفلتت منه ضحكةٌ باهتة وهو ينهض مترنحًا.
‘يا للدهاء.’
نظر إلى وجه الفتى المبتسم ثم نقر لسانه ساخطًا.
لقد خدعته دموعه مؤقتًا، لكنه نسي أن أصغر أبنائه بارعٌ في التمثيل إلى حدٍ لا يضاهيه أحد.
“أه…..”
وعندما التفت إلى مصدر الصوت، وجد روكسيلين واقفةً بوجهها الخالي من التعابير كعادتها، ولا يُعلم متى جاءت.
وكانت يداها خلف ظهرها لسبب ما.
“….آه.”
فتجمد وجه أَرما وتحوّل في لحظة إلى لون شاحب.
“لدي الكثير لأقوله، لكن لنبدأ بما هو أكثر إلحاحًا…..”
أخرجت روكسيلين يديها من خلف ظهرها. وما مدّته كان سيفًا في غمد قديم. ثم أغمضت عينيها ببطء.
وبحركة خفيفة سحبت الغمد، ممسكةً بالسيف بيد واحدة وكأنه بلا ثقل.
“آه…..”
وفي اللحظة نفسها غمرت الغرفة أنوارٌ بيضاء ساطعة. فأغمض أَرما عينيه بقوة، ولم يستطع سيفيروس فتح عينيه كذلك.
لكن المشكلة هي…..
“رو…..روكسي! لا أرى شيئًا!”
“نعم، أنا أيضًا لا أرى.”
فالضوء لم يظهر عليه أي نية للانطفاء حتى بعد مرور الوقت.
“أعتذر، لكن إن كان الضوء يخرج من السيف فهلّا أعدتِه إلى غمده؟”
قال سيفيروس ذلك وهو يغطي عينيه.
وكان الحوار بينهما في غياب الرؤية، يتحدثان إلى الفراغ، مشهدًا لو رآه أحدٌ من الخارج لانفجر ضاحكًا.
ولكن لم يستطع أحدٌ أن يضحك، إذ لم يكن بوسعهم رؤية أي شيء.
“أنا أيضًا أريد ذلك، لكن الغمد هرب.”
“…..ماذا؟”
“حتى في المخزن قبل قليل، قفز الغمد وكنت ألهث حتى أمسكت به، لكنه هرب مجددًا الآن.”
“مهلًا، روكسي….هل تقولين أن الغمد…..يتحرك؟”
“نعم، كانت له أرجل.”
ارتجف جسد أَرما من كلام روكسيلين. إذ تخيل الغمد بأرجل، لكنه سرعان ما انزلق خياله إلى أرجل حشرة ألفية الأرجل.
‘لا، لا…..لا بد أنه بقدمين فقط.’
هز أَرما رأسه وتوجه نحو مصدر صوت روكسيلين.
“روكسي، هل يمكنكِ أن تُنزلي السيف قليلًا؟ سأحاول أن أمنع الضوء من الانبعاث…..”
بوف. و في تلك اللحظة، لامس شيءٌ حاد مدبب فؤاده.
“…..روكسي؟”
“نعم.”
“…..هل أنزلتِ السيف فعلًا؟”
“كنت أنزله للتو، لكن أحدهم اعترض الطريق.”
“لا، لم ينغرس بعد على الأقل.”
قال أَرما ذلك وهو ما يزال مغمض العينين ملوحًا بيده.
ثم أنزل يده قليلًا حتى لمس النصل، وبسط قوته ليغلف السيف. وما إن ابتلع السيفَ ظلامٌ حالك حتى أخذ الضوء يخبو تدريجيًا.
ففتح أَرما وروكسيلين أعينهما ببطء بعد أن كانا مغمضين بشدة.
“…..هاه.”
صم زفر أَرما نفسًا قصيرًا وهو يرمش مراتٍ عدة محاولًا استعادة وضوح بصره.
“روكسي، هل أنتِ بخير؟”
“نعم.”
أجابت روكسيلين وهي ترفع بصرها نحوه بصمت.
طَق، سسساك-
طَق، سسساك-
فجأة التفتت نحو مصدر صوت قريب وهي تعقد حاجبيها. وأدار أَرما رأسه معها، لكنه تجمد في مكانه.
“…..إنه الغمد.”
“نعم، كانت له أرجل.”
خطفَت روكسيلين الغمد الذي كان يزحف بسرعة على الجدار ثم مدّت به نحو أَرما.
و أَرما، وقد شحب وجهه، ظلّت شفتيه مطبقتين بصمت.
“أليس هذا عجيبًا؟”
“عـ…..عجيبٌ فعلًا.”
أجاب بسرعة وهو يدير عينيه بعيدًا متجنبًا النظر.
“آنسة ويلبريد، هل الضوء الذي رأيناه للتو خرج من السيف؟”
سألها الإمبراطور، فأومأت روكسيلين.
وما إن أعادت السيف إلى غمده حتى اختفت الأرجل في الحال، كأن شيئًا لم يكن. عندها فقط سحب أَرما قوته المستمرة.
فاتسعت عينا الإمبراطور قليلًا وهو يشهد بنفسه قوة ابنه. ثم عقد ذراعيه وقطّب حاجبيه.
“روكسي، هل تسمحين لي برؤية هذا السيف؟”
فأخذ أَرما السيف من روكسيلين وقلبه بين يديه متفحصًا.
“…..سيف يضيء بهذا الشكل، كيف يُفترض أن يُستخدم؟”
تمتم بصوت خافت وهو يسحب النصل قليلًا من غمده.
كان حذرًا من أن يفرّ الغمد مجددًا أو أن يتفجر الضوء من جديد، لذلك لم ينوِ سحبه كليًا. لكن حين أخرجه لم ينبعث أي ضوء.
‘همم؟’
فازدادت دهشته فأخرج النصل أكثر، وحتى حين استله كاملًا لم ينبعث الضوء، ولم تظهر أرجلٌ للغمد.
بل بدا السيف باليًا متهالكًا إلى درجة تجعلك تفهم لماذا وصفه الإمبراطور بالسيف الصدئ.
“لمعانه اختفى…..”
نظر سيفيروس إليه مليًّا، ثم إلى روكسيلين، ثم عاد ببصره إلى أَرما والسيف، ليلزم بعدها صمتًا قصيرًا.
ثم مد يده وأخذ السيف من جديد.
“أعلم أني أنا من فتح الموضوع، لكن يؤسفني أن أقول أنه قد تأخر الوقت. عودوا الآن، وارجعوا بعد ثلاثة أيام.”
فتجمدت روكسيلين عند سماع قرار الإمبراطور المفاجئ.
“الآن فجأة؟”
“وجدت أمرًا عليّ التحقق منه.”
“لكن…..”
“لا تقلقي، سأنفّذ وعدي.”
قطبت روكسيلين حاجبيها في امتعاض. فهي لم تكن متأكدةً متى سيسمح لهم بالدخول مرةً أخرى بعد خروجهم هذه المرة.
أشار الإمبراطور برأسه إلى الوسام الذهبي المعلّق على خصرها.
“سأعطيكِ هذا الوسام، فاعرضيه عند عودتكِ بعد ثلاثة أيام وادخلي متى شئت.”
“…..همم.”
ترددت روكسيلين قليلًا، ثم أومأت.
“مفهوم.”
فهي كانت متعبةً حقًا، كما أن خروجها دون علم جيرون كان يثير بعض الوخز في ضميرها.
لذا بدا لها أن العودة لاحقًا رسميًا لاستلام الشيء ستكون أفضل للجميع.
“إذاً سننصرف الآن.”
قالت روكسيلين ذلك بانحناءة، فأومأ الإمبراطور برأسه.
بينما ألقى أَرما نظرةً خاطفة نحو الإمبراطور ثم أعاد وجهه ليتبع روكسيلين إلى الخارج.
واختفى الزوار الليليون المزعجون في هدوء كما جاؤوا.
وما إن خيّم السكون مجددًا حتى حرك الإمبراطور إصبعه بخفة. فإذا برجل يرتدي السواد يسقط من السقف، ويجثو على ركبة واحدة خاضعًا أمامه.
“سأذهب إلى مخزن الكتب المحرمة قليلًا، فلا تتبعني.”
قال ذلك بأمرٍ قصير، ثم دفع خزانة الكتب في الغرفة بهدوء ليتوارى خلفها.
___________________
صدّقت أرما مع الامبراطور وتأثرت طلعت دموع تمثيل!😭
المهم لحظة يعني روكسي عرفت ان آل هو ارما✨ وناسة
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات