استمتعوا
***
“باشين! أنا أكره هذا المكان. أريد أن أزور عالَمًا آخر، هيا بنا!”
“…..هيه، منذ متى جئتَ إلى هنا أصلاً لتقول هذا الكلام؟”
“لا أعرف، لكن هذا المكان…..قاحلٌ وممل.”
“أنتَ تقول هذا فحسب.”
“ثم انظر هناك.”
تكلم شخصٌ ما بوجه غارق في الظل فلم يُرَ بوضوح، وهو يشير إلى شيء.
كانت وجوه الجميع غارقةً في الظلال.
كان واضحًا أنهم واقفون على قدمين كبشر…..هممم….نعم، كل ما يمكن تأكيده أنهم مجرد بشر.
‘هل ذاك الصوت الذي يقول “أنت كذا وكذا” صوت جيرون؟’
لكن لهجته لا تبدو بتلك الشيخوخة…..
“الجميع يحدقون بكَ بوجوهٍ غريبة. هذا مزعج.”
“قلت لك، لا مفر من ذلك لأن مظهركَ مختلف.”
“لا يهمني. أليس كذلك، إيريب؟”
“نعم نعم. أنتَ دائمًا على حق.”
شيءٌ صغير ذو شعر أسود حالك كان متدلّيًا ببرود على ظهر صاحبه وهو يجيب.
“بوهاها! أرأيت؟ هو يقول ذلك أيضًا! باشين، افتح البوابة بسرعة، السيد سيخرج.”
“أيها الأوغاد…..”
“آه، على أي حال أنا أكره هذا المكان. قاسٍ جدًا للعيش، بائسٌ ومقرف. ثم إن تلك الإشارات بالأصابع لا تعجبني أيضًا. أليس كذلك، إيريب؟”
“نعم نعم، سالوم محق. أنت السيئ يا باشين.”
حين طلب صوت الطرف الآخر التعاطف، هزّ صوتٌ بارد وجاف رأسه على الفور.
“…..سأجن.”
بدا أن جيرون يُظهر، على غير العادة، مشاعره الخام كما هي.
ثم تكوّن ثقبٌ أسود مظلم. و كنتُ أرى أصحاب الوجوه الملطخة بالظلال يدخلون جميعًا إليه.
وفي اللحظة التالية، شعرت بي أهوى فجأةً إلى مكان ما.
“هاه…..!”
مع الإحساس بالارتطام بالأرض، شهقت بقوة ودعكت وجهي.
“مـ….ما هذا….”
إنه حلمٌ غريب.
حلمٌ بوجوهٍ مطلية كلها بالسواد.
وفوق ذلك، يبدو أن وصفه بالقاحل والبائس لم يكن كذبًا، إذ إن المشهد داخل الحلم كان مقفرًا من كل الجهات.
‘أي حلمِ هذا…..؟’
حتى أن يظهر جيرون في حلمي، يا له من حلمٍ سخيف.
مررت بخدي بكفّي البارد.
ربما صار لقائي مع آمون صدمةً ما، فبعد ذلك اليوم ما زلت أرى مثل هذه الأحلام باستمرار.
لقد مضى أكثر من أسبوع. و لحسن الحظ، لم يتذكر أحدٌ من دوقية بيليون ما حدث في ذلك اليوم. آه، ما عدا روكسيلين.
روكسيلين تذكرت. لذلك اقترحت أن نجعل الأمر سرًا بيننا فقط، لكنها فرحت بشكلٍ مبالغ فيه بحجة أننا أصبحنا نتشارك سرًّا.
‘هل كان ذوقي في الأصل أشخاصًا مثلي…..؟’
وصل الأمر لأن تطرأ لي أفكارٌ غريبة إلى هذا الحد.
ذلك اليوم، هناك فجواتٌ غامضة في ذاكرتي…..كأن أحدًا نادى باسمي وحاول مواساتي.
‘كان صوته يشبه أَرما…..أم لا؟’
في الحقيقة، بدا كلامه أكثر خشونةً قليلًا مقارنةً بأرما.
غغغغ، غغغغ—.
من الخارج سُمِع صوت خدش على الباب. فمسحتُ خدي بظهر يدي، ثم نهضت وفتحت الباب.
أطلّ ذئبٌ برأسه بخجل وهو يرمش بعينيه، كأنه يطلب إذنًا بالدخول. كان شكله مضحكًا قليلًا، فهززت رأسي وأشرت له بالدخول، فدسّ رأسه أكثر ثم دخل أخيرًا.
‘آمون……’
يا للمأزق.
حين واجهت آمون آنذاك، شعرت أنني أستطيع قتلها فاستللت سيفي، لكن بعدها فُقِدت ذاكرتي.
‘لا بد أن أتعامل معها.’
فطائفة فيناك وكذلك معبد ماروكسا كلاهما تحت قبضتها.
في النهاية، إذا استطعت فقط طرد آمون من هذا الخط الزمني، فلن تحدث مشاكل أكبر.
وحتى تلك المناوشات الصغيرة المتكررة ستقل تدريجيًا.
‘دوقية بيليون تغيّرت حقًا.’
لم تعد كما كانت في طفولتي.
روكسيلين هنا ليست مثلي؛ تضحك كثيرًا، وتغضب بسهولة، وتقول ما يجب قوله بوضوح.
حتى قبل أيام حضرت حفلة شايٍ وحدها وجاءت لتخبرني بتجربتها.
إنها ليست مثلي.
بضع كلمات، بضع مداخلات، بضع ملاحظات منها بدّلت جو العائلة.
الجد، الذي كان على وشك أن يوبّخ أفراد الأسرة، صار يتوقف ويطبق شفتيه. و لا يستطيع أن يقول “أنا قلق”، لكن يمكنه أن يخففها بعبارة “أهتمّ”.
حتى ليلي بيليون تبذل جهدها للتأقلم، وقد صارت تعتني بروكسيلين في كل صغيرة وكبيرة بدل أمها الراحلة منذ زمن.
نعم. لا شك أن روكسيلين محبوبة.
‘نصف الهدف الذي جئت من أجله تحقق.’
على الأقل لن تلقى موتًا تافهًا.
ربما لهذا السبب شعرت أن هذه الرحلة لن تطول كما توقعت.
‘المشكلة غير المتوقعة هي آمون.’
بل في الحقيقة، هذا هو أكبر المشكلات الآن.
‘ثم…..هناك الإمبراطور أيضًا، أمره يثير قلقي.’
فمهما فكرت، ردة فعله لا تليق بشخص مثله.
الدولة تنهار، والجريمة تعمّ، ولا أحد يتحرك—أيُعقَل هذا؟
بل إن صوت الطائفة بدأ يكتسب قوةً أكبر وسط هذا الغليان من القلق والخوف والتهديد.
يبدو أن إيربون سيبدأ نشاطه قريبًا، لكن العالم في الحقيقة هكذا؛ إذا لم تستحوذ على المبادرة، سيواجه القادمون صعوبة.
المعبد كان يسبق الجميع، لكن الطائفة المتأخرة حصلت على عدد أكبر من الأتباع.
‘إيربون سيتصرف على طريقته.’
فهو، على عكس طائفة فيناك، كان كاهناً محبوبًا حقًا. و كل ما يحتاجه حتى يعيد المعبد إلى مكانه الأصلي هو الوقت فقط.
‘أفضل بكثير من أولئك الذين يتآمرون معًا ويخدعون الناس ويبدو أنهم يعالجونهم.’
بعد أن اكتشف هذا من تتبع طائفة فيناك، شعر بالدهشة الشديدة.
كنت قد تساءلت سابقًا لماذا استوقفوا مارًا ليسألوه إن كانت ساقه تؤلمه، لكن بعد قراءة التقرير أدركت أن هؤلاء كانوا يوظفون أشخاصًا مسبقًا لتمثيل العلاج.
‘ربما خلطوا بينه وبين متسول آخر آنذاك.’
فلم يتوقع أن يكون متسول يحمل دلوًا في الساحة المركزية.
“يجب أن أزور أبي الملعون.”
بدا أن عليّ سؤالُه عن طريقة التعامل مع آمون.
أغلقت روكسيلين الباب، ثم خلعت ملابسها بسرعة وارتدت ما يكفيها فقط.
“كييوونغ!!”
فارتجف الذئب وغطّى عينيه بمخالبه وأخفى وجهه في الزاوية.
‘أحيانًا يبدو حقًا وكأنه ليس حيواناً.’
نظرت إليه بنظرةٍ غريبة ثم خرجت من الغرفة.
***
كان جيرون دائمًا أول من يظهر في وقت الإفطار. و كان عليّ أن أسبق سيلينا قليلًا لأتمكن من حديث شخصي، فأسرعت قليلًا.
“صباح الخير، يا آنسة. هل حلمتِ أحلامًا جيدة اليوم؟”
عندما اقتربت، ابتسم الخادم الذي كان يحرس المكان ابتسامةً واسعة.
“نعم، وأنت؟”
“نعم، حلمت حلمًا جميلًا اليوم. سعيدٌ لأنكِ حلمتِ أيضًا حلمًا جيدًا.”
“نعم.”
هززت رأسي بخفة.
“أتمنى لكِ وجبةً شهية.”
“وأنتَ أيضًا.”
أجبت بإيجاز ودخلت إلى صالة الطعام، فتبعني الذئب بخجل وهو يراقب بعينيه.
وبما أنه يكره أن يتطاير فراؤه، بقي الذئب منبطحًا تقريبًا بلا حراك داخل صالة الطعام.
“جئتِ مبكرًا اليوم.”
“أنتَ…..لا. تباً، أبي دائمًا يأتي مبكرًا.”
“النوم ليس له قيمةٌ كبيرة بالنسبة لي. النوم يصبح ذا معنى فقط إذا كانت هي بجانبي.”
“ألا تنام مع سيلينا؟”
نظر إليّ جيرون بلمحة ثم هز كتفيه.
“لم أنم البارحة. شعرت أن وجودي بجانبها يجعل نومها مضطربًا، لذا ابتعدت.”
“هل حدث شيءٌ آخر؟ هل تشاجرتم؟”
“لا، أنا ألقي عليها أمورًا لتفكر فيها. ويبدو أن لديها أيضًا ما يشغل بالها.”
“همم…..”
هززتُ رأسي دون أن أستقصي أكثر.
كنتُ فضولية، لكنني أدركت أن إلحاح الأسئلة حول ما لا يريد أحدٌ الكشف عنه ليس أمرًا جيدًا.
“لماذا لا تسألين هذه المرة؟”
“أمم…..لا داعي لذلك.”
أجبت باختصار، ثم سحبت الكرسي، فابتسم جيرون بخفة وأمسكني ليجلسني على المقعد المجهز بالوسادة.
“في أي علاقة، القرب لا يعني بالضرورة معرفة كل شيء عن الآخر.”
“لقد تعلمتِ قول كلمات حكيمة.”
عندما خاطبني بصوت يعامل به الأطفال، أطلقت نظرةً حادة ثم حككت خدي.
“لدي بعض الأسئلة، هل يمكنني طرحها؟”
كان لدي ما أريد أن أسأله عنه حقاً.
_________________
أرما 😭 احياناً احسه صدّق انه ذيب بس يوم غطى عينه😭😭😭😭
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات