ولم يكن له سيدٌ سوى العميق. بل في الحقيقة حتى ذلك لم يكن سوى إشاعةٍ لا أكثر.
“…..دعني أسألكَ شيئًا واحدًا فقط. باشين، هل رأيتَ الإريبوس من قبل؟ أعني هيئته الحقيقية.”
“يبدو وكأن لديكِ الكثير من الفضول. إن كان كل ما تريدينه هو إشباع فضولكِ قبل أن ترحلي، فلست أملك ما أقوله غير ذلك.”
“ما الذي تعنيه؟”
“دعيني أسألكِ بدوري سؤالًا واحدًا. هل تنوين أن تستمري في إدارة الطائفة كما هي؟”
أومأت برأسها وهي تمتص دخان السيجارة بكثافة.
“بالطبع. لقد عثرتُ مؤخرًا صدفةً على شيء ممتع، وأنا الآن أُسخنه ببطء وأستمتع به كثيرًا.”
ابتسمت آمون ابتسامةً حالمة وكأنها لم تغضب قط.
“هيه، باشين. أليس الأمر ممتعًا؟ الإنسان مهما بلغ من القوة، إن أُخذ له ضعيفٌ كرهينة لا يعود قادرًا على فعل شيء.”
“أهكذا ترين الأمر؟”
“آه أجل، ما الحب إلا وهم. فحين يموت المرء، لن يبقى شيءٌ على أية حال.”
قالت آمون ذلك ببرود وهي ترخي جسدها على مسند الكرسي.
“هكذا إذاً.”
رد جيرون بلامبالاة. فأدارت رأسها نحوه، تحدق فيه وهي تسحب من السيجارة بصمتٍ لدقائق.
“على أي حال، لا داعي للرحيل الآن عن عالم يمكن الاستمتاع به لمئات السنين القادمة. فالأمور بدأت لتوها تصبح مثيرة.”
قالت ذلك بعينين غارقتين في الملل، وبنبرة عابرة.
وحين نطقت بثقة، أومأ جيرون برضا وكأنه وجد الجواب الذي أراده.
“هكذا إذاً.”
ثم فتح فمه ليواصل الحديث برحابة.
“لقد رأيت الإريبوس من قبل. بل وسافرت معه ذات مرة.”
“سفر؟”
حدّقت آمون في جيرون بوجهٍ متحير. و لم تستطع حتى أن تتخيل كم عاش هذا الكائن.
بل كان مدهشًا أنه بعد كل هذا العمر ما زال يحتفظ بوعي سليم.
“وفوق ذلك، لديه حتى مزاج للهو والعبث بالحب مع البشر.”
ضحكت آمون ساخرة، ثم سحبت نفسًا عميقًا من السيجارة.
“على أية حال، يبدو أنه بسبب سباته الطويل فقد شكله، ولم يبق منه سوى الإرادة، فتحول إلى شيءٍ لا يمكن حتى اعتباره كائنًا حيًا.”
قال جيرون ذلك، وعيناه تتأملان بهدوء النافذة بإحساسٍ غريب.
كان ذلك الشعور أشبه بالحنين.
‘حنين؟’
هل يمكن أن يشعر شيطانٌ بمثل هذا؟
خصوصًا شيطانًا عاش أزمنةً سحيقة كهذا.
“إذاً هكذا كان. ذلك الشيء حلّ في جسد ذلك الرجل البشري.”
تمتمت بصوتٍ خافت.
“لقد كان من حسن الحظ أنني فررتُ!”
لو كان ذلك حقًا هو الظلام الأول، لما استطاعت آمون الانتصار أبدًا.
صحيحٌ أنها كانت تؤدي دور “الطمع”، وهو دور محوري، مما يجعل احتمال أن يتدخل العميق لمساعدتها كبيرًا حتى لو ماتت، لكن…..
“لا بد أنها كانت الإرادة لحماية سيده عن قرب.”
أضاف جيرون وهو يمسح بطرف شفتيه بابتسامةٍ غامضة.
“إذاً تلك الفتاة….”
“كفى فضولًا عند هذا الحد.”
قاطعها جيرون بخفة و بصوتٍ مائل إلى الابتسام.
“ألا يقولون أن الفضول قتل القط؟”
“…….”
“فلتبقي فمكِ مغلقًا فحسب.”
أدارت آمون عينيها ببطء.
أحيانًا كانت تتساءل. لقد مضت آلاف السنين، ومع ذلك ما زالت بين الحين والآخر تسمع حكاياتٍ عن البشر.
مع أن عالم البشر لم يعد يذكر حتى وجودهم، إلا أن الشياطين جميعًا يعرفونهم.
وخاصةً أولئك الشياطين العتيقين.
استدار جيرون ببرود، لدرجة أن المرء ليتعجب لمَ جاء أصلًا. و كانت آمون تحدّق في ظهره وهو يهمّ بالمغادرة، ثم فتحت فمها.
“يا باشين. هل أحببت ذلك الإنسان إلى هذا الحد؟ إلى درجة أنك جُننتَ، ونُفيتَ آلاف السنين، ومع ذلك جئتَ بنفسكَ لتحذّرنا؟”
“…….”
توقف جيرون عن السير، ثم أدار رأسه ببطءٍ نحو آمون.
كانت عينان ميتتان، تخلو من أي عاطفة أو حياة، و انعكست فيهما ماهية كيانٍ يُدعى “باشين”، و التقت بعينيها في الفراغ.
دوووم-!
فهبط على رأسها ضغطٌ ثقيل كالمعدن. و شعرت وكأن أنفاسها قد انقطعت، فألقت السيجارة التي كانت تمسك بها، ونهضت مسرعةً واتخذت وضعية هجومية بشكل غريزي.
حوّل نظره عنها بعد أن كان يحدّق بها صامتاً، ثم ابتسم بخفة وأدار جسده مجدداً.
“نعم…..أحببته.”
وما إن أنهى كلماته حتى اختفى. ثم شهقت آمون وهي تنظر إلى كفّيها المبتلتين بالعرق.
“أليس هذا وحشاً مجنوناً…..؟ تباً، أردت فقط أن أمازحه قليلاً، فانتهى بي الأمر بالإرهاق التام.”
تنهدت وجلست منهارةً على الكرسي، ثم أسندت جبينها إلى الطاولة.
“…..ربما عليّ أن أذهب لأتسلى ببعض اللعب.”
قالت ذلك بابتسامةٍ مشرقة وهي تغادر وتختفي.
***
بعد أن رتّب أَرما الغرفة التي صارت فوضى عارمة، حمل روكسيلين على ظهره، ثم عاد ليتحوّل إلى ذئب من جديد.
ومن ثم سلك طريقاً طويلاً ملتفّاً كي لا يلفت الأنظار، حتى عاد إلى قصر وِيلبريد. وقد كان جيرون واقفاً أمام البوابة الرئيسية، كما لو كان بانتظارهما.
“لقد جئتَ.”
توقف أَرما، وقد وقف على أربع، محافظاً على مسافة فاصلة بينه وبين جيرون. فاقترب جيرون من الذئب الضخم، وكأنه ينوي أخذ روكسيلين منه.
“يبدو أنكَ مكثت هنا طويلاً…..حان الوقت لترتاح قليلاً.
فليست هذه الأرض وحدها من تحتاج حمايتكَ.”
“…..غغغغغ-.”
ابتعد الذئب خطوةً إلى الوراء، كاشفاً أنيابه، محافظاً على المسافة بينه وبين جيرون.
“سيكون الأمر مزعجاً بعض الشيء إن ظننتَ نفسكَ مجرد وحشٍ حقاً.”
أمال جيرون رأسه بتعبير حائر.
“أتظن أنني قد أفعل ما يضر بالطفلة؟”
“…….”
“لن يحدث ذلك أبداً، فلا تقلق. فأنا حقاً أعتبرها كابنتي.”
قال جيرون ذلك وهو يخطو بخفة ليُقلّص المسافة بينهما.
“…..غغغغغ؟!”
فأصدر الذئب صوتاً غريباً مرتبكاً، كأنه فوجئ بعجزه حتى عن الرد.
ابتسم جيرون بخفة، ثم حمل روكسيلين بحذر عن ظهر الذئب.
“كل ما أتمناه هو أن تكون هذه المرة سعادتها لأجل نفسها. ما لم يأمرني أحدٌ بغير ذلك فلن أفعل شيئاً سوى أن أراقبها، فلا تقلق.”
“…..غغرر.”
“يبدو أنكَ لم تعد تملك حتى الطاقة لتعود إلى هيئتكَ البشرية. الأفضل أن ترجع وتستريح سريعاً، أليس كذلك؟ فأنت تعلم أن البقاء هنا يستهلك منكَ ضعف قوتك. وحتى النوم لا يمنحكَ راحةً حقيقية.”
ثم التفت جيرون، وهو يحتضن روكسيلين بين ذراعيه، مُعجباً بقوة إرادة الذئب.
ثم رفع الذئب أحد قوائمه، وفرك طرف عينيه كما لو كان يلعق نفسه، ثم اتجه نحو الحديقة الخلفية.
رمقه جيرون بطرف عينه، ثم وضع روكسيلين فوق السرير.
“قرابة ثمانية آلاف عامٍ مرّت، أليس كذلك؟”
ضغط بإصبعه على جبينها المتجهم بخفة، وابتسم.
“لقد تأخرتِ كثيراً يا سيّدتي.”
غطّاها باللحاف برويّة، ثم اتجه بوجه مطمئن وسعيد إلى حيث كانت زوجته.
‘يجب أن أخبر سيلينا أن روكسيلين قد عادت.’
فقد كانت سيلينا قلقةً لأن روكسيلين لم تعد إلى البيت حتى وقت متأخر ودون أي اتصال.
فتح الباب ودخل، فرأى سيلينا وقد احمرّت بشرتها قليلاً، وكأنها للتو فرغت من الاستحمام.
“سيلينا.”
“سيّدي الماركيز.”
“قلت لكِ يمكنكِ مناداتي باسم جيرون فقط.”
تقدم بخطواتٍ واسعة، وانحنى ليطبع قبلةً خفيفة على خد زوجته وهو يهمس.
“هل حدث ما يجعلكَ مسروراً اليوم؟”
“همم.”
لم ينكر.
“لقد التقيت مجدداً بشخص غالٍ على قلبي.”
“…….”
“لكن لا داعي للقلق، ليس كما تظنين. ففي الأصل، ما علق بذاكرتي هو رجل.”
سارع جيرون ليضيف ذلك، خشية أن تُسيء سيلينا الفهم، وهو يحك خده بخجل.
“على كل حال…..عادت روكسيلين بسلام، فلا تقلقي بعد الآن.”
ثم انحنى ليحتضنها برفق ويضعها داخل اللحاف.
“…….”
اشتعل وجه سيلينا فجأة، فطبقت شفتيها بإحكام وأدارت رأسها بعيداً.
“هل تسمحين لي بجائزتي؟”
“عن عملٍ لم أطلبه منكَ أصلاً؟”
“الشيطان طمّاع، وهكذا نحن دائماً.”
أسند يده بجوار وجهها، ثم انحنى أكثر. وقد أغمضت سيلينا عينيها شيئاً فشيئاً، بينما كان نظرها المرتبك يختبئ تحت الجفن.
فابتسم جيرون وِلبريد بخفة، وزحف بركبته يقترب منها، ثم طبع شفتيه في شفتيها.
____________________
ويت يعني روكسيلين هي سالوم؟ وسالوم رجال بس تجسّد في روكسيلين؟ ولا عشانها ورثت قوته صارت خليفة سالوم؟ يارب كذا مستحيل اتخيل روكسيلين كانت رجال يع😭
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات