استمتعوا
تردّدت آمون لحظةً قصيرة.
‘هل أستطيع أن أهزمه؟’
لا أدري.
فالمعروف عن ظلمة البداية ليس كثيرًا. و في الأصل، لا يُعرف ما هو ولا ما شكله.
كل ما يُعرف، أنه على الأرجح شيطانٌ وُجد في الفترة التي عاش فيها إنسانٌ يُدعى سالوم قبل حوالي مئة عام.
أما ما لا يُعرف؟ فلا يُمسّ.
وحتى إن كان خطرًا، فلا يُمسّ.
وكانت آمون كائنًا يفيض بالطمع والجشع، ولذلك كانت شديدة الحرص على حياتها وعلى ما تملك.
لقد أنهت حساباتها بدقة. حتى لو أسقطت هؤلاء وانتصرَت على روكسي أيضًا، فمؤكدٌ أنها لن تستطيع هزيمة باشين.
ولم يخطر ببالها أبدًا أنه سيبقى متفرجًا.
‘…..ألم يكن باشين أكثر من جنّ جنونه حين مات سالوم؟’
هو لم يقل منذ البداية “لا تمسّيه”، لكنه أيضًا لم يقل “مسّيه”. كل ما أضافه كان جملةً قصيرة تعني أن الأمر متروكٌ لهم.
رفعت يديها بخفة وابتسمت ابتسامةً صغيرة.
“أنا أيضًا شيطانة.”
“يبدو أنكِ تتوقين للموت.”
“آه، خطئي. فهمت. لن أمدّ يدي إلى تلك الفتاة ولا إلى رفاقها بعد الآن، فلننهي الأمر هنا.”
ضيّق أرما عينيه وهو يحدّق فيها.
“هاه؟ سأرحل كما أنا. يمكنكَ أن تمحو ذاكرتي أو تعيدها كما كانت، الأمر عائدٌ لكَ. فقط اتركني.”
“…….”
نظر أرما إلى المرأة التي تبتسم ببهاء، ثم حرّك رأسه إيماءةً صغيرة. كانت إشارةً بالرحيل.
“يا إلهي، أي عالم مخيف هذا الذي سقطتُ فيه.”
تمتمت آمون، وفي اللحظة التي خفض فيها بصرها لترسم بطرف قدمها دائرةً على الأرض.
بوووم–.
اتسعت عيناها. فهناك شيءٌ أسود اخترق بطنها، فانسكب الدم على الأرض.
“حتى دماء الشياطين حمراء على ما يبدو.”
“أنتَ…..”
عضّت آمون على أسنانها بشدة ورفعت رأسها. فانكمش وجهها غضبًا، ثم ما لبثت عروقها أن برزت، وتورمت عضلاتها، وبدأ جلدها يزداد قتامةً شيئًا فشيئًا.
“المرة الثانية ستكون في الرأس. اخرجي الآن.”
حدّقت به بعينين حادتين وهي تعض على أسنانها.
وما إن ارتسم خماسي النجمة داخل الدائرة التي رسمتها، حتى أمسكت بطنها واختفت في لحظة.
“روكسي، هل أنتِ بخير؟”
“…….”
عند النداء الخافت، رفعت روكسي رأسها ببطء عن صدر أرما.
“أريد أن أختم ذلك.”
رمشت روكسي مرة واحدة، ثم تمتمت بصوت صغير كطفلة.
“ختم؟ ماذا تقولين…..”
“إريب، أنا غاضبة.”
دق– دق– دق–.
سقط قلبه إلى الأرض ثم بدأ شيءٌ ما في الداخل يهتز بعنف.
الظلام الذي التفّ حول قلبه، ذلك الأبيس…..لا، الظلمة التي وُلد وهو يحملها في أعماقه، قد استجابت لنداء روكسي.
“ما الذي…..”
وغاصت عينا روكسيلين الخاويتان إلى الأسفل، ثم أطبقت جفنيها وفقدت وعيها.
“…..هذا مأزق.”
تمتم أرما بصوت خافت وهو يحتضن روكسي بحذر.
ثم ألقى نظرةً على الغرفة المدمرة من حوله وتنهد بعمق.
***
“تباً، ذلك اللعين…..!”
عادت آمون إلى الطائفة وهي تمسك بطنها المثقوب وتتمتم بوحشية.
“نادراً ما أتلقى جروحًا كهذه…..”
فجسدها مختلفٌ بطبيعته، ولا يمكن للبشر أن يؤذوها إلا إن بلغوا مراتب عليا.
لكن انظر إلى حالها الآن. مجرد إيماءةٍ بأصبع واحد اخترق بطنها.
و حتى لو كانت قد تهاونت للحظة، فالضربة كانت فادحة.
كانت تسير في ممرات الطائفة المتماوجة بين الأبيض النقي والسواد القاتم، والدم يقطر منها قطرةً قطرة، حتى دفعت باب غرفتها بعنف.
وفي اللحظة نفسها تجمدت مكانها.
“يا للأسف، تأخرتِ أكثر مما توقعت.”
“أنتَ…..!”
التفت جيرون وِيلبريد، الذي كان واقفًا عند النافذة يطلّ إلى الخارج، وهو يتحدث ببطء واسترخاء.
“يا له من مظهر بائس…..هل أنتِ بخير حقًا؟”
“سأقتلكَ…..كهاك–!”
صاحت به، لكنها ما لبثت أن بصقت دمًا.
لم تكن متهاونة! لقد كانت غبية وحمقاء. متى يا ترى بدأت تصدق كلمات البشر؟
“تباً.”
لم تكن إصابةً من سلاح عادي، وإنما كانت أعمق مما توقعت.
شعرت بأحشائها تُقلب داخل بطنها، فقبضت على فمها وهي تلهث بشدة.
“بأي حق تدخل هنا، باشين!”
“إلى أي مكان أريد، فذلك خياري وحدي.”
نظر إليها من الأعلا بابتسامةٍ ساخرة تفيض استهزاءً.
وبعد أن تمعن فيها، ارتسمت على محياه ابتسامةٌ لطيفة تكاد توحي بالطيبة.
“أنتَ…..كنتَ تعرف، ما هم بالضبط.”
“همم؟ لا أفهم ما تعنين.”
قال ذلك وهو يرفرف بعينيه بتصنع بغيضٍ ويميل برأسه.
فتقدمت بخطواتٍ ثابتة نحو الكرسي. وببطء، أخذت أذناها تطولان، وأنيابها تحولت لأنيابٍ حادة تلمع.
اسودّ جلدها، ثم اندفع ذيلها من الخلف، و ظهرت على رأسها قرونٌ ملتفة كقرون الماعز.
وأخيرًا، انبسطت من ظهرها أجنحةٌ سوداء كالخفاش، واحمرت عيناها كالجمر، قبل أن تطلق زفرةً طويلة.
“أولئك الأوغاد!”
حدّقت بجيرون وِيلبريد بنظراتٍ متوحشة وهي تخطو نحوه بخطواتٍ ثابتة ثم جلست على الكرسي وهي تنقر بلسانها.
“هاه…..تباً.”
حركت آمون إصبعها وهي جالسةٌ على كرسي من رخام أبيض ناصع. فانفتح باب الغرفة المتصلة جانبًا، وظهرت مجموعتها.
اختارت واحدًا منهم، ثم غرست أنيابها الحادة في عنقه الفاقد الوعي.
غَرغَرغَرغَرغ.
ومع كل مرة تتحرك فيها حجرتها، كان جسد الإنسان يذبل قليلًا، وتجعدت ملامحه.
فالشاب الذي لم يبدُ أكبر من أوائل العشرينات، تحول في لحظات إلى شيخ هَرِم. وكأنها كانت تلتهم العمر منه بسرعة.
وبعد أن حرّكت حلقها عدة مرات، رمت الجسد المتيبس الذي صار أشبه بمومياء في الهواء.
ثم ما إن صفّرت بأصابعها، حتى التهمته نارٌ زرقاء، فلم تترك حتى رمادًا. عندها فقط زفرت تنهيدة.
وكان الجرح الذي اخترق بطنها قد اختفى. فاستعادت آمون شيئًا من راحتها أخيرًا، وأمسكت السيجارة القريبة منها بوجهٍ متراخٍ لتضعها في فمها.
“هيه، باشين.”
حرّك جيرون، الذي كان يراقب المشهد مكتوف اليدين، عينيه نحوها عند نداءها.
“ذلك الشيء الذي يحمله الوغد المتلبّس بجلد الوحش…..أهو الظلام؟”
سألته وهي تسحب نفسًا طويلًا من السيجارة.
“وهل ثمة سببٌ يدعوني للإجابة؟”
“وليس ثمة سببٌ يمنعكَ من الإجابة أيضًا، أليس كذلك؟”
“حتى الإجابة نفسها تثير فيّ الكسل.”
“…..لا تكن هكذا، فقط قلها.”
فمسح جيرون ذقنه بخفة، ثم أومأ وهو ما يزال واقفًا في مكانه.
“إن كان هذا ما شعرتِ به، فلابد أنه صحيح.”
“على حد علمي…..ذلك الإريبوس، سمعت أنه اختفى منذ زمنٍ طويل.”
“آه، أجل، كان هناك أمرٌ كهذا.”
قال ذلك بنبرة بطيئة كمن يسترجع ذكرى قديمة.
“بحثوا عنه طويلًا ولم يجدوه، فصنع العميق الظلام الثاني في النهاية. لكن لماذا يظهر الآن؟”
“ربما لأن سيده قد عاد، فظنّ ذاك المتواري أن الوقت قد حان ليعود هو أيضًا.”
…..سيد؟
عقدت حاجبيها بامتعاض من هذه الكلمة المزعجة.
_______________
جيرون هنا شيطان صدق مب جيرون حقنا
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات