استمتعوا
***
حدّقت آمون بصمت في الطفلة الواقفـة وقد اتسعت عيناها مبهوتةً وهي ترى الشخصين الساقطين من بيت الدوق.
لقد ألقت عليهما سحر النوم فحسب، لأن ثمة حاجة لإجراء حديثٍ جاد.
و من المفترض أنها قد وضعت روكسيلين بيلّيون أيضًا
في النوم. لكن روكسيلين لم يُغَمَّ عليها؛ ربما لأن روحهما متطابقة.
يبدو أن الجوهر الأصلي هو تلك الطفلة المسماة “روكسي”، لكن روكسيلين بيلّيون أيضًا كائنةٌ وُجِدَت بعد انتزاع نفس الروح ووجودها في خطٍ زمنيٍ مكرّر.
“ما هذا؟”
حولت روكسي، التي لا تخفي غضبها، و قد اهتزت هالةٌ من طاقةٍ خطرة.
“الظلام…..”
أخفضت نظرها إلى خاتم روكسيلين. فجزءٌ من الظلام المنساب انلفّ حول روكسيلين ثم اندفع إلى كل الجهات.
“لم يكن ينبغي أن تكوني قادرةً على إصابتي.”
الإنسان العادي لا يمكنه قطّ أن يوجّه ضربةً لآمون، ما لم تأذن هي بذلك.
آمون، المولودة من الهاوية التي تُعتَبَر أصل العالم، وعلى النقيض من المخلوق التافه الإنسان، تحمل فرقًا هائلًا كهذا.
ومع ذلك فقد ضربها مثل هذا المخلوق. وقد لقيت الضربة.
وكانت الضربة مؤثرةً بالفعل؛ ألمٌ رنّ حتى في الروح.
كأنه نفس الألم الذي شعرت به عند لقائها بــ”باشين” مؤخرًا.
“سأقتلكِ.”
انفلت من روكسي وهجٌ قاتلٌ حاد. فابتلعت آمون ريقها لا إراديًا أمام تلك الطَاقة العاتية والجسيمة.
“هذا…..”
إنها طاقةٌ لا يمكن أن توجد؛ على الأقل بين البشر.
‘ولا يبدو أنها عقدت صفقةً مع باشين؛ كيف يمكن إذاً أن يوجد اثنان من هذا الصنف في نفس العالم؟’
في عالمٍ واحد لا يمكن لروحٍ واحدة إلا أن توجد. إلا إذا كان هناك شيطانٌ يعقد عقدًا ويدفع الثمن عوضًا عن الإنسان.
فبعد العقد، يستطيع الإنسان أن يتناوب على الحياة، فإذا نامت روح، استيقظت الأخرى.
لكن عند روكسي لم يكن هناك أي أثر لذلك.
الروحان كانتا موجودتين حقًا، متقابلتين، ومع ذلك لا تؤثر إحداهما في الأخرى. كيف يكون هذا…..؟
‘وأعظم من ذلك…..’
تلك العينان.
عيناها كانتا أشد كبرياءً حتى من عيون أولئك المولودين في أعماق الظلام، تحدّقان فيه بازدراء يخنق الأنفاس.
تقدمت روكسي بخطواتٍ ثابتة، ومدت يدها إلى خصر الدوق الساقط ديفون بيلّيون وسحبت سيفه.
ارتبكت روكسيلين بيلّيون وتراجعت بخطوتين إلى الوراء.
ثم التفتت روكسي نحو الطفلة، وما إن التقت نظراتهما حتى ارتج جسد روكسيلين، ثم انهارت ساقطةً على الأرض.
“إن قَتَلتُ آمون فسوف يثور السحيق.”
تمتمت روكسي بصوتٍ منخفض كما لو تخاطب نفسها.
“فالرغبة لا بد أن تبقى موجودة…..”
خمدت الحياة في بؤبؤيها. و حدّقت بنظراتٍ خاوية بلا تركيز، لكنها كانت مصوبةً بدقة نحو آمون.
“إذاً يكفي أن يبقى الوجود نفسه…..”
أمسكت مقبض السيف بيدها اليسرى وسحبته ببطء.
“سأختمكِ.”
وما إن انطلقت كلماتها حتى اتسعت عينا آمون في ذهول.
“…..ختم؟”
الختم. لا وجود لإنسان قادر على ختم كائنٍ وُلد في أعماق السحيق. لا، لأكون أدق: لقد وُجد في الماضي، لكنه لم يعد موجودًا الآن.
هي نفسها لم تره من قبل، لكن في ترحالها بين العوالم والسحيق سمعت اسمه بين حينٍ وآخر.
في تاريخٍ امتد عشرات الآلاف من السنين منذ ولادة السحيق، لم يوجد إلا واحد فقط.
ذلك الذي أحبه شيطان…..الإنسان الوحيد.
“…..سالوم؟”
حتى وهي تتمتم بالاسم لم تصدق نفسها، فأمالت رأسها نافضةً الفكرة.
“لا، ذاك الإنسان مات منذ آلاف السنين.”
لم يعد موجودًا. و لم يكن ينبغي له أن يوجد أصلًا…..
“روكسيلين—!!”
كواااانغ—!
اقتحم أحدهم القاعة محطّمًا الباب بدلًا من الدخول عبر الفتحة في الجدار. و كان فتىً بأذنين بارزتين على رأسه.
مستذئب؟ لا…..بل جسدٌ زائف.
جسدٌ مصنوع، إذا فارقته الروح فسوف يتلاشى في أي لحظة، جسدٌ صُنع من ذكريات شخصٍ ما.
ورغم أنه لم يدرك الموقف تمامًا، إلا أنه اندفع إلى الداخل بعينين متسعتين، يتفحص المكان محاولًا فهم ما يجري.
“روكسيلين.”
“…….”
وحول ذلك الفتى المستذئب، الذي انكمشت حدقتاه من شدة الغضب، أخذ الظلام الداكن يتموج ويغلي.
“…..ما هذا بحق؟”
تمتمت آمون وقد غلب عليها الذهول.
أحدهم يتحكم في ظلام البدء، ذاك الذي قيل نه اندثر منذ زمن بعيد، وكأنه ملكه.
والآخر…..يمكن أن يكون سالوم؟
لا، هذا جنون. كيف يمكن لإنسان ميت أن يولد من جديد؟
مهما يكن مقدار الحب الذي حازه سالوم، فهو كان إنسانًا في النهاية. ومن الطبيعي أنه لم يعش حتى مئة عام قبل أن يموت.
ثم تقولون ظلام البدء؟ أول قوة وُلدت من السحيق.
ظلام البدء، إريبوس.
لكن قيل أن ذلك الظلام اندثر منذ آلاف السنين. حين مات سالوم، مات باختياره موتًا لم يكن من المفترض أن يوجد أصلًا.
ولم يمض وقت طويل بعد ميلاد ظلام البدء حتى وُلد نور البدء.
وفي أي كتابٍ مقدسٍ يهيم في العالم البشري، أيًّا كان خط الزمن، تبدأ الفقرة الأولى بالعبارة نفسها.
[نور البدء يملكه أحد أولئك الذين التفوا حول السماء كالأفعى. أما ظلام البدء فقد تلاشى.]
حتى أنهم قالوا أنه قبل آلاف السنين كان هناك زمنٌ لم يكن فيه ليل، بل نهارٌ لا ينتهي.
“روكسي، لماذا أنتِ غاضبةٌ هكذا؟”
قال الفتى المستذئب ذلك بصوتٍ رقيقٍ هادئ، كأن آمون لا وجود لها أصلًا، واقترب بخطواتٍ بطيئة نحو الطفلة الصغيرة.
“…..لقد مات ما هو لي.”
ارتجف صوتها وانحدر حزينًا مثقلًا، وعندها فقط ألقى الفتى المستذئب بصره على الأجساد الثلاثة الملقاة على الأرض.
فأدرك آمون في تلك اللحظة أنه لم يوضح لها بأنها لم تقتلهم.
ثم اقترب الفتى بخطواتٍ حاسمة، ومد يده بسرعة ليتحسس أعناق الثلاثة واحدًا واحدًا، ثم قطّب جبينه.
“روكسي، لم يموتوا.”
“…….”
“تعالي، انظري بنفسكِ.”
مدّ الفتى يده بلا تردد وأمسك بيد روكسي الصغيرة، يسحبها بلطف نحوه.
أجلسها قرفصاء وجعل يدها تستقر على عنق زيرتي بليون. عندها فقط انكسرت حدّة عيني روكسي، وتلاشت قسوتها شيئًا فشيئًا.
“أترين؟ ما زال حيًا.”
“…..نعم.”
أجابت همسًا وهي ترمش بعينيها مرة، ومع تلك الرمشات أخذ الهواء المشحون حولها يهدأ تدريجيًا.
أما أَرما، الذي ارتدى قشرة المستذئب كغلاف، فقد سمع صدى الظلام يرتجف في أعماقه، فاندفع مسرعًا إلى الأعلى.
لم يكن قد لاحظ أي ضجيجٍ في الخارج، لكن ما إن دخل حتى شعر بأن الجو الداخلي فوضويٌ على نحوٍ غير طبيعي.
فاحتضن روكسي بين ذراعيه، يربت على ظهرها بلطف، ثم رفع رأسه ببطء ليسأل آمون.
“من تكونين أنتِ؟”
“أنتَ…..عقدتَ اتفاقًا مع ذلك الباشين.”
“سألتكِ من أنتِ.”
في عينيه الصافيتين النقيتين بريق برودةٍ جارحة، كسماءٍ لامعة تحمل زمهريرها في أعماقها.
و أمام الظلام المتموّج ظلّت آمون عاجزةً عن الكلام.
‘هل تورّطتُ مع شخصٍ لا يجدر بي التورط معه؟’
كان عليها أن تدرك سبب التفاف باشين حولها بذلك الشكل.
لا…..لم يكن التفافًا، بل شيءٌ آخر.
“قد تفعلين ما تشائين في هذا العالم…..لكن إياكِ أن تمسِّ سيلينا.”
“…..وما معنى هذا؟ هل يمكنني إذًا أن ألمس الآخرين كما أشاء؟”
“ذلك شأنهم، فليدافعوا عن أنفسهم بطريقتهم.”
“…..أهذا يعني أنكَ لن تحميها؟”
“من يدري؟ لستُ أرى بأسًا إن مددتِ يدكِ إليها. لكن إن لقيتِ حتفكِ نتيجةً لذلك، فلا تلومين إلا نفسكِ.”
كانت كلماتٍ عظيمة موجّهةٌ إلى مجرد إنسان…..
صرّت آمون على أسنانها حتى كاد فكها يتحطم.
ذلك الحقير…..كان يعلم.
‘كان يعلم ولم ينبّهني. ذلك الظلام كان مرتبطًا بعقد، فلا يمكن أن يجهله.’
“أسألكِ للمرة الأخيرة.”
قال أرما ذلك وهو ما زال يحتضن روكسي، ثم حرك أصابعه بخفة. وتدفقت من حوله موجات الظلام، تزحف ببطء لتطوّق آمون مهددة.
“من تكونين بحق؟”
____________________
آمون باي باي 😘
ياعمري روكسي ورعتي بس اشوا ارما لحق عليها😔🫂
بس صدق وش القوة الي مع روكسي؟ قوة سنسار وارما؟ مندري
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات