استمتعوا
المرأة التي كانت تحدق بي، والتي لم يكن هناك شكٌ في أنها آمون، ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ مقوسة.
“تقولين شيئًا مسليًا فعلًا.”
مالت برأسها كما لو أنها تستغرب.
“لكنني لم أفعل مثل ذلك أبدًا…..أليس كذلك، عزيزي؟”
“آ….أُم.”
عند سؤال آمون، عقد أبي ما بين حاجبيه وحدّق بي بنظرةٍ خاطفة، وفي ملامحه ارتسم ارتباكٌ واضح.
“لا يجوز أن تكذبي، أيتها الصغيرة.”
“أنا لا أكذب.”
أجبت متجهمة، إذ كان يبدو أنه لا نية لديهم للتحرر من التنويم.
“كنت أتساءل لماذا يحتفظون بكِ، لكنكِ طفلةٌ مسلية حقًا.”
“أنزلني، يا جدي.”
على كلمتي، أطلق جدي همهمةً منخفضة وقال “هممم…” قبل أن يضعني ببطء على الأرض.
“يا صغيرة، ألا تفكرين في المجيء إليّ؟ أستطيع أن أحقق لكِ كل ما تشتهينه.”
“حقًا؟”
“بالطبع.”
أشرقت ضحكتها على وجهها الجميل كإشراق الربيع.
“آه، إذاً…..بما أن الأمر مزعج، فلتَموتي.”
قلت ذلك وأنا أبتسم بأوسع ما أملك.
“روكسي…..؟”
فنادتني روكسيلين. وعندما التفت، رأيت الطفلة بين ذراعي جدي تنظر نحوي ثم نحو آمون بتوترٍ ظاهر.
أما أبي وجدي فكأنهما لم يستوعبا بعد ما يحدث.
“إيه، هذا غير ممتع.”
“لا أنا ولا والدي لدينا فراغٌ لنشارككِ في تسليتكِ.”
“والدكِ؟”
“جيرون وِيلبريد.”
“آه، باش.”
لماذا تناديه باش؟ لو كان باشين لكان منطقيًا.
‘هل هو لقب دلع؟’
ذلك الأب اللعين، هل صحيحٌ أن سيلينا كانت حبه الأول؟
شعرت بانقباض غريب وأنا أحدّق أمامي بشرود.
“يبدو أنه هو من جلبكِ إلى هنا…..هل كنتِ ترغبين في تغيير شيء ما؟”
تك… تك…
اقتربت مني بخطواتٍ تصدر صوت كعبها العالي، ثم جلست على ركبتيها لتجعل مستوى عينيها بمستوى عيني.
كانت عيناها حمراوين بشكل صارخ، لونٌ مدهش حتى خُيِّل إليّ أنه لو وُجد في الجحيم لهيبٌ يحرق كل شيء ويمحو أثره، لكان بلون كهذا.
“إذاً ما رأيكِ؟ إن صرتِ جزءًا من مجموعتي الخاصة فسأترك هذا العالم وشأنه. إنها صفقةٌ مميزة جدًا.”
“لا أريد.”
“إن كنتِ تثقين بذلك الباش فاعلمي أن الأمر بلا جدوى. لقد ارتكب خطيئةً في الماضي فوقع تحت قيد لا فكاك منه.”
“أنا لا أنوي الاعتماد على ذلك اللعين، لكنني أيضًا لن أكون قطعةً في مجموعتكِ.”
“إذاً هل يرضيكِ إن قتلتُ كل من هنا؟”
“لا.”
أجبتها بصرامة، وأنا أحدّق فيها، وهي تتفوه بكلمات طفولية، ببراءة ظاهرة تزيدها وحشية.
أي هراء هذا بحق؟
“كل شيءٍ هنا ملكي. سأستحوذ على الجميع. أما أنتِ، فارحلي خالية اليدين.”
“هاها…..يا لكِ من متعجرفة. يبدو أنكِ لا تعلمين ما يمكنني فعله…..”
عندها حدقت بها بحدة، ومددتُ يدي لأقبض على ياقة المرأة الجاثية أمامي.
أمون رمشت بعينيها ثم قطّبت حاجبيها. وفي اللحظة ذاتها انبثق ضوءٌ أخضر من قبضتي التي أمسكت بها.
“جرّبي.”
قلت ذلك بوجهٍ متجهم ونبرة حادة.
“سأغرس الخنجر في قلبكِ مهما كلف الأمر. لكن لا تقتربي من عائلتي.”
“…..برَكة؟”
تمتمت وهي تراقب الضوء الأخضر المتسرب مني.
“كنتُ أقول أن هذا السوار مألوف…..كما توقعت.”
ابتسمت آمون.
“لهذا أمرتُ بإحضاركِ، لكن أحدًا لم ينجح. لم أضع أملًا على البشر أصلًا.”
التفتُّ جانبًا فرأيت انعكاسي في المرآة.
كانت عيناي قد غمرهما الأخضر، يلمعان ببريقٍ واضح كأن قوة سنسار قد تجسدت فيهما.
أمون التي كانت تحدق في عيني بعينين وكأنهما مسحورتان لعقت شفتها السفلى بوجهٍ يفيض بالابتهاج.
“أنتِ تعجبينني. هل أنتِ قديسةٌ بالصدفة؟”
“لستُ كذلك.”
“إذا لم تكوني، فكيف نِلْتِ تلك القوة؟”
“هَدَدْتُ صديقاً واستخلصتها منه.”
قلت ذلك ببرود، فانفجرت آمون ضاحكة.
“نكتكِ طريفة.”
“…..هي ليست نكتة.”
قلت ذلك وأنا أقطب جبيني قليلًا.
شعرت ببعض الضجر لأن ردة فعلها التي انفجرت فيها ضحكًا جعلت كبريائي يتألم قليلًا؛ فلم يضحك أحد على نكاتي قديماً حين حاولت أن أكون طريفة.
“…..همم. لكن حديثكِ فضٌ للغاية، لقد عشتُ سنواتٍ أكثر منكِ لعلمكِ.”
قالت ذلك بنبرة متمعنة.
“وكلامكِ أيضاً فض. و لا أكلّم الوقحين بلفظٍ رسمي.”
قلت ذلك ثم التفتُّ بنظرة جانبية لأرى أبي وجدي واقفين كدمىٍ انقطعت خيوطها، يحدقان في الفراغ بعيونٍ بلا حياة.
روكسيلين أيضاً كانت تبدو مرعوبة، تنظر إلينا بالتناوب.
“إذا دققتُ النظر، فَمعكِ خليطٌ غريبٌ من قوىٍ متعددة، أليس كذلك؟”
وجّهت هذا السؤال لي لكني لم أردُّ.
“الظلام…..؟”
فتحت عيناها على اتساعهما.
“لا أصدق. كيف لَكِ أن تحملي ذلك الظلام البدائي؟”
“ماذا تقولين؟”
“إضافةً إلى طاقة باشين، ثمة أيضاً نفحةٌ من طاقةٍ علويةٍ مختلطةٌ معكِ.”
باشين هنا يُقصد بجيرون، والطاقة العلوية قد يكون سنسار؟
‘الظلام؟’
هل هو ذلك الدخان السوداء التي تزحف من الأحجار في كل معركة لتلف القبضة أو السيف؟
“وعلاوةً على ذلك، الآن اكتشفت شيئًا…..ما هذا؟ تركيب روحكِ يشبه تقريبًا المرشحة لتكون ابنتي.”
“مرشحةً لتكون ابنتكِ؟ من هي؟”
سألت مُستغربة.
“روكسيلين بيليون. لو تزوجتُ عزيزي فقد يصبح الأمر كذلك، أليس كذلك؟”
قالت ذلك ضاحكةً بكلامٍ سخيف.
لم أحتمل أكثر فرفعتُ قبضتي ووجهتُ لكمةً مباشرة إلى وجه آمون.
أحكمت قبضتي وأرجعت كتفي إلى الوراء بكل ما أوتيت من قوة.
“لا جدوى. هجمات البشر لا يمكنها أن-“
“استعدي لعض أسنانكِ. فهذه أول مرة أبذل فيها هذا القدر من القوة بجسدي.”
وما إن أنهيت كلامي حتى اندفعت بلكمةٍ بكل طاقتي. و في تلك اللحظة انسابت مجددًا من خاتم الماس الأسود خيوطٌ حالكة، تتلوى وتغلف يدي.
“قلت لكِ لا جدوى….أ-؟”
وجه آمون الجميل غاص فجأة تحت وطأة قبضتي الصغيرة، ثم تلا ذلك صوتٌ مدوٍ، صافٍ ومهول.
كوااااااانغ!!
لقد كان انفجارًا هائلًا بحق.
لم يتدحرج جسد آمون على الأرض، بل في الهواء، قبل أن يخترق باب قاعة الاستقبال كقذيفة ويُطرح في الردهة كقصاصة ورق ممزقة.
هُددددك—!
تساقطت شظايا الرخام المحطم كالغبار.
“…..أوه.”
حتى أنا اندهشت من ضربتي. لابد أنها تألمت بشدة.
و لم أتخيل أن قبضتي يمكن أن تحطم جدارًا رخاميًا بهذه الصلابة.
‘يا إلهي…..أنا مذهلة حقًا. ربما عليّ أن أكون بطلةً تسعى للسلام العالمي بهذه القوة.’
‘هل ماتت؟’
تلفتُّ بعيني أراقب، فإذا بالحطام المتراكم من جدار الرخام يتزحزح، ومن بينه خرجت آمون.
كان رأسها ملتويًا بتسعين درجة في مشهد غريب.
وحين حاولن أن توجه بصرها نحوي، أدركت أن جسدها غير طبيعي، فأمسكت عنقها وأعادته إلى مكانه.
“مـ-ما هذا…..روكسي!”
روكسيلين كانت قد شحب وجهها من الصدمة، و ترتجف كليًا.
وهي تنزل من بين ذراعي جدي بطريقةٍ لا تقل عني جرأة. أمسكت لحيته أولًا، ثم ملابسه، متشبثةً كأنها تتسلق شجرة، حتى مزقت القماش في النهاية.
زييييك—!
مهما كانت طفلةً صغيرة، إلا أن عشرات الكيلوغرامات من وزنها لم يتحملها النسيج الفاخر، فانشق القماش كاشفًا عن النصف العلوي الأيسر من جسد جدي.
كان المنظر…..محرجًا بعض الشيء.
لكن روكسيلين لم تُعر ذلك اهتمامًا، وهرعت إليّ مباشرة.
“هـ-هل أنتِ بخير؟! يدكِ لا تؤلمكِ؟!”
“آه…..نعم.”
“ألا تظنين أن من يستحق القلق هو الشخص الذي طار بعيدًا؟ أنا من تلقى الضربة، روكسيلين بيلّيون!”
قالت آمون ذلك من الخلف وهي تضغط على عنقها بانفعال. لكن روكسيلين لم تنظر إلا إليّ، ووجهها مبللٌ بالدموع.
“ماذا سنفعل الآن…..؟”
“همم. لا تقلقي، أنا بخير.”
فلم أستطع أن أنكر أنني بخيرٍ بالفعل، بخلاف آمون التي كانت تتكلم من بعيد.
“لكن…..ألا يجب أن نستدعي طبيبًا؟ وما بال والدي…..؟”
مددت يدي وربتُّ على شعر روكسيلين.
وعندما رفعت رأسي، وجدت آمون تحدق بي بنظرة متأملة غريبة. ثم نقرت بأصابعها بخفة.
و فجأة، كدمى انقطع خيطها، انهار جدي وأبي على الأرض.
“…..أبي؟”
وفي تلك اللحظة، مع سقوطهما العاجز وكأنهما قد فارقا الحياة، شلّت الصدمة عقلي، وأظلم كل شيء في رأسي.
___________________
يمه وش ؟ اصبروا ريلاكس هدّوا شوي وش صار؟؟؟؟
الضربه😭 فننااااانه
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات