مهما قلّبتُ الأمر في رأسي، لم أجد في هذه الدنيا ذكراً أنني التقيتُ بصبيّ من قبل.
ما أمامي الآن هو كلّ ما هنالك.
“لا، لم ألتقِ.”
“إنما المظهر الذي تحتفظين به في ذاكرتك يختلف عما أنا عليه الآن فحسب.”
… لستَ بساحرٍ يتقن فن التحوّل، أليس كذلك؟
“كيف ترينه؟”
“وما معنى كيف أراه؟”
“أيعجبك؟”
أيعجبني؟
تأمّلتُ السؤال في صمتٍ عميق، ورفعتُ بصري نحو السماء، ثم أومأتُ برأسي ببطءٍ في إقرارٍ هادئ.
“إنه حسن.”
“حسنًا، إذًا لن نقم بهدمه ونتركه كما هو.”
قالها هامساً، ثم اعتدل جالساً بعدما كان مضطجعاً.
“متى شئتِ، تستطيعين العودة إلى هنا.”
“إلى هذا المكان؟”
“أجل.”
“لكنّه في قلب القصر الإمبراطوري.”
“صحيح.”
“آل، أتراك تعلم ما يجري في هذا العالم حقاً؟”
توقّف برهة عند سؤالي الجاد، ثم انفجر ضاحكاً بوجه غريب.
“أنتِ بارعة في قول أشياء لا تخطر على بال أحد.”
“تسخر منّي؟”
“بل أمدحك.”
قالها وهو جالس على حافة السرير.
“أتودّين أن أريك أماكن أخرى؟”
“أين مثلاً؟”
“أي مكان أردتِ، فماذا تقولين؟”
إن كان ثمة مكان كهذا أيضاً… فلم لا؟
أومأت بخفوت، فإذا به يبتسم ابتسامة مستديرة ويجذب يدي.
“هيا بنا، يا روكسي.”
ثم ضحك على نحو مريب واحتواني بين ذراعيه، قبل أن يهوي بنا إلى الأسفل قافزاً.
…ماذا؟!
“…!”
تفوّهتُ بالشتائم من شدّة الدهشة.
***
“مرحبا، ليلة سعيدة؟.”
“…هل أنت مخلوق ليليّ؟ أم لعلّك مصّاص دماء؟”
“ها! لقد خرجتْ منك تلك النبرة العتيقة من جديد.”
كان الفتى قد دخل من النافذة وجلس على إطارها، يضحك ضحكة مكتومة.
روكسيلين ضيّقت عينيها وهي تحدّق فيه، في آل.
إنه لا يظهر إلا ليلاً، وكأنّ في ذلك ما يثير الريبة.
فلماذا دوماً حين تتهيّأ للنوم، بثوبها المنزلي، يظهر أمامها؟
“لماذا لا تظهر إلا قبيل نومي؟”
“من يدري… لِمَ يا ترى؟”
ابتسم ابتسامة غامضة وهو يحدّق فيها مليّاً.
“أراك في هذه الأيام منشغلة تركضين هنا وهناك.”
“أتتبعني؟”
“إنما هو اهتمام بكِ.”
“لقد اصطلح الناس على تسمية ذلك بالتطفّل والمطاردة.”
“…على كل حال، لستُ منهم.”
تأمّلته روكسيلين بعينين ضيّقتين.
سواء اعترف أم أنكر، فالناس يعدّون ذلك سلوك مطاردٍ.
“أما كان أجدر بك أن تأتي في وقت يكون فيه الذئب حاضراً؟”
“ذئب؟”
“نعم، أربي واحداً.”
شرحت ببرود أنّها أصبحت تربيه بمحض المصادفة، ثم أضافت.
“لقد كبر الآن، فما عدنا ننام معاً، إنما كلّ في مكانه.”
“أنا لا أهوى حيوانات تشبه الذئاب.”
“إنه لطيف.”
“ربما لا يعجبه أن يُقال عنه لطيف.”
رنّ صوته المنخفض في المكان كجرس خافت.
هزّت روكسيلين رأسها بضجر.
“تبدو ضجراً.”
“لا، لستُ ضجراً. إنما أجد الضجر في انشغالك عنّي هذه الأيام.”
“لديّ ما يشغلني.”
لقد كانت تبحث عن الكاهن الأكبر. لكن المشكلة أنّه نادراً ما يترك أثراً خلفه.
“أيّ شأن يشغلك؟”
“أبحث عن شخص.”
“شخص؟”
أومأت برأسها في اقتضاب ولم تُفصح أكثر. فما زالت ترى أنّ مصارحة شخص غامض كهذا بكل ما تفكر به ليس من الحكمة.
“أتريدين أن أساعدك في البحث؟”
“أنت؟ وكيف؟”
“بأي طريقة كانت.”
أجاب باستخفاف، وهو يرخي ابتسامة كسولة ويتأملها.
كانت عيناه منحنية برفق، لا شرّ فيهما، إنما ودّ صافٍ.
بل إنّ راحة الحديث معه أربكتها؛ إذ لم تعتد في حياتها أن يريحها شخص غريب.
‘ذلك الذي قفز من برج شاهق وهبط آمناً… لا يمكن أن يكون شخصاً عاديّاً.’
سألت عنه جيرون ويلبريد، لكنه لم يعرف الكثير.
وذلك لأنّ سيلينا أصبحت تتعامل مع جيرون وكأنّه مجرّد قطعة أثاث، صامتة متحفظة.
‘لو كان يومها حين احتضنها قد رماها أرضاً بلا اكتراث لكان أهون… لكنّه كان رقيقاً أكثر مما ينبغي. والرجل الرقيق لا يصلح أن يكون رجلاً لامرأة واحدة، بل للجميع.’
“روكسي، ألا ترغبين في شيء ما؟”
“أرغّب؟ هكذا فجأة وفي هذا الظرف؟”
“أكنتِ تحتاجين ظرفاً مهيّأً لتفكري؟ أنت لا تُعيرين تلك الأمور أهمية عادة.”
هزّت روكسيلين جفنها ونظرت إليه بوجه غامض.
“لا، ليس الأمر كذلك… إنما خطر في بالي شخص ما.”
“مَن؟”
“خطيبي، ربما؟”
“…خطيب؟ ألكِ خطيب؟”
تأخر آل برهة ثم سألها.
هي نفسها أدركت خطأها بعدما أفلتت الكلمة من فمها، فترددت لحظة ثم أومأت.
“شيء من هذا القبيل… تعلم، وعود الطفولة بأن نتزوج حين نكبر.”
لقد كان حقاً خطيبها منذ الصغر، أرما ديانيتاس.
نظرت إليه روكسيلين مباشرة.
“ولِمَ خطر في بالك؟”
“كان يريد أن يكون أول قبلة لنا في حديقة، تحت أجواء رومانسيّة.”
“…آه.”
ظهر الارتباك على وجه آل، ثم جمد قليلاً.
“تذكرتُ الأمر فجأة، لأنّ الموقف ذكّرني به.”
أجابته روكسيلين بهدوء.
والحق أنّها لم تشعر بالنفور منه.
كان الحديث معه سهلاً، يستمع ويُصغي، لا يرفع صوته، ولا يتجاوز حدّه.
وأحياناً، حين يضحك أو يقطّب حاجبيه، يفضح مشاعره ببساطة، وذلك بدوره كان غريباً وجديداً عليها.
لكنّ الأغرب… أنّ في هيئته إشارات تُعيد إلى خاطرها صورة أرما.
نظرة العين حين يحدّثها، طريقة رفع حاجبه حين يتأمل، إيماءة إصبعه إلى وجنته إذا كان يشعر بالحرج… وحتى احمرار أذنه حين يمسك يدها.
وصوته الهادئ الرزين يزيد الشبه رسوخاً.
كلّ ذلك جعلها تشتاق إلى أرما، تشتاق بشدّة، رغم علمها أنّها لا تستطيع أخذه من ذاتها الأخرى في هذا العالم.
“لماذا تحدّق بي هكذا؟”
هبط آل من إطار النافذة بخفّة، وخطا نحوها حتى صار وجهاً لوجه.
“هل أعجبتِ بي؟”
قطّبت روكسيلين جبينها وصدّت وجهه القريب.
“إيّاك أن تتجاوز حدودك.”
“ألأنّ لك خطيباً؟”
“نعم.”
“…”
تجمّد آل لحظة أمام جوابها الحاسم.
ظهر على وجهه شيء من الدهشة، فأثار ذلك ضيقها.
“ما هذا الوجه؟”
“فقط… لم أظن أنّ تلك الأمور تهمّك.”
“أنا بشر، ولي من أحبّه.”
نظر إليها طويلاً، ثم أدار رأسه وأومأ خفيفاً.
“أعذريني، لقد أسأت الظن.”
أجاب باقتضاب وهو يتراجع خطوة.
لم يُلح أو يزد في كلامه، على غير عادته.
“من قولك أرى أنّك لا تكرهينه إذاً؟”
“…إنه ليس شخصاً يُختصر بكلمة كراهية أو محبة.”
هزّت كتفيها بفتور وأردفت.
“حالُنا حال من افترق قسراً، وهو وعد أن ينتظر.
فأقلّ ما أفعله، أن أحفظ عهده وأنتظر بدوري حتى ينجلي الأمر بيننا.”
“…أفلا تحبّينه؟”
“بل أحبّه.”
قالتها بوجه جامد وصوت متزن كما اعتادت.
لكنّ معنى ذلك الحبّ عندها لم يكن بالضرورة هو ما يفهمه آل.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 176"