أومأ جيرون ويلبريد وكأنّه كان يعلم مسبقاً بما سيُقال.
قال الكونت مولفو بصوتٍ حذر.
“إن كان من جانبنا ما سبّب لك ضيقاً، فسأقدّم اعتذاري. وسأسعى كي لا يتكرّر الأمر مستقبلاً، فهل تتفضّل بمراعاة إعادة العقد؟”
رفع جيرون فنجان الشاي إلى شفتيه، ثم حرّك بصره البطيء نحو مولفو وقال ببرود.
“لكن المشكلة أنّني لستُ أنا من يستحقّ الاعتذار.”
“ماذا…؟ أيمكن أن يكون ابني أو أحد موظّفينا قد أساء إليك؟”
“لا، ليس الأمر كذلك.”
إذن ماذا؟
كاد مولفو يصرخ بما يختلج في صدره، لكنّه كبته وضغط كفّه على فمه، يدلكه بعصبيّة كي لا تنكسر ابتسامته المتكلَّفة.
“قد يبدو الأمر عندك تافهاً، لكن عندي لم يكن كذلك. مشكلتي أنّني شعرتُ بالإهانة… وهذا وحده يكفي.”
“إنّي…”
قاطعه جيرون بلهجةٍ باردة.
“ثم تأتي بعد شهرٍ كامل، لا تدري ما جرى، وتُلقي اعتذاراً أجوف… كيف تراني أقبله؟”
“شهر…؟”
راح مولفو يتفحّص ذاكرته ببطء.
شهرٌ بالتمام، ذلك وقت إعلان فسخ العقد من شركتَي جين وليون.
وهما المصدران الأعظم في الإمبراطورية لتوريد المعادن النفيسة، وعائلته تعيش على صهرها وتشكيلها.
إن لم يستعِد أحد الطريقَين، فلن يكون الإفلاس بعيداً.
وفجأةً اتّسعت عيناه.
نعم، في تلك الفترة حدثت واقعةٌ صغيرة حسبها تافهة.
حادثة مع ابنته سيلي، ثم ما لبث أن نسيها وسط زحمة الأزمات، وظنّ أنّ شراء فستانٍ لها كان قد كفى لإرضائها.
وزوجته وابنه قاما بما يلزم ليهدّئاها، فلم يعد يظنّ أنّها مشكلة.
“لا يعقل…؟”
تلاقت نظراته المرتبكة مع ابتسامة جيرون، فتيقّن.
قال متردّداً.
“سمعت أنّ موظفينا في عائلتنا لم يكونوا كافيين، فاضطروا إلى ارتكاب خطأ لا مفر منه تجاه ابنتك.”
“آه، بسبب قلة الموظفين…”
جرّ جيرون كلماته ببطءٍ موحٍ.
“فكانت مجرّد… خطأ لا مفرّ منه؟”
سأل وهو يبتسم ابتسامةً تُجمِّد الدم في العروق.
تردّد مولفو لحظةً ثم أقرّ.
“إنّها لا تزال صغيرة، وقد أمرت الخادمات أن يلهون بمزحةٍ غِشيمة…”
“هُمم…”
قالها جيرون، فتراجع مولفو خطوةً واعترف بصدق، مدفوعاً بحدس التاجر الذي صقلته سنوات البقاء في مجتمع النبلاء.
وحين نطق بالحقيقة، شعر بأنّ وطأة الجوّ قد خفّت قليلاً.
زفر نفساً قصيراً، لكن جيرون قال.
“الآن وقد أدركتَ الخطيئة، فأنت تعرف ما عليك فعله.”
“سأعتذر رسمياً.”
“ليس لي. ولا يحقّ لك وحدك.”
تجمّد جسد مولفو.
“أتقصد… أن تعتذر ابنتي بنفسها؟”
“الخطأ يُكفَّر به من فاعله، لا من غيره.”
قبض مولفو على صدغيه، مُفكّراً في ابنته المُدلّلة، قوية العناد.
ما إن يقول لها بذلك حتى تنقلب المنزل رأساً على عقب.
أيعقل أن يتدخّل ماركيز ويلبريد في خلاف أطفال؟ أفيكون الأمر كذلك عند دوق بيليون أيضاً؟
فأحسّ الطريق غداً إلى قصر بيليون ثقيلاً كألف جبل.
قال جيرون وهو يضع الفنجان.
“لستُ أطلب المستحيل يا مولفو. كلّ إنسان يخطئ، وهذا أمر نعترف به.”
“أجل، بلا ريب.”
“وابنتك صغيرة، يسهل أن تنساق خلف غيرها.”
نطق الكلمات بنبرة بدت متسامحة، لكن مولفو لم يتهاون، فقد علم أنّ الكلمة الأخيرة وحدها تحكم.
“في الحقيقة، لو أنّك حين أدركت خطأ الطفلة قد منحتها فرصة لتصحيح الأمر على نحو مناسب، لما اضطررتُ إلى بذل كل هذا العناء. لقد انتظرتُ أيامًا عدة، كما ترى.”
“……”
صمت الكونت مولفو أمام هذا اللوم الذي جعل الكلام يعلق في حلقه.
“طالما اعترف المخطئ بخطئه واستغلّ فرصة التصحيح بالشكل الصحيح، لما كان هناك حاجة للتعقيدات والمشكلات.”
“…ذلك يعني…”
فتح جيرون ويلبريد فمه بخفّة وقال.
“لذا، يكفي أن يعتذر المخطئ بصدق، ويقبل الطرف الآخر الاعتذار، وبهذا تُختتم المسألة.”
تألّقت عيناه بوميضٍ صارم.
ولو شاء، لكان أغلق طرق التصدير وخنق تجارتهم حتى الهلاك، لا سيّما أنّ دوق بيليون كذلك غاضب.
لكنه لم يفعل.
مع ذلك، كان جيرون ويلبريد يعرف جيدًا أنّ هذه ليست طريقة تعليمية جيدة.
فهو لم يكن يريد عزل روكسيلين.
فقط ضغط عليهم شهراً كاملاً، ليتأكّد أنّ مولفو رجلٌ يفهم لغة المنطق.
قال ببرود وهو يدوّر قلمه الفاخر بين أصابعه.
“لو لم تُصارحني آنفاً، لكنتُ أنهيتُ العقد من غير رجعة. أمّا الآن، فلأنّك كنتَ صريحاً، فلك فرصة.”
“ممتنٌّ لك، يا سعادة الماركيز.”
ابتسم جيرون ابتسامةً باهتة وأردف.
“وما دمتَ أباً مثلي، فلا حاجة أن أوعظك بأمر التربية.”
احمرّ وجه مولفو خجلاً.
لو كان في موقف جيرون، لربّما لم يرضَ حتى بدموع الندم.
فالمال والسلطان يُفسدان القلب، ويجعلان ما عداهم تافهاً.
قال منكسراً.
“مفهوم. شكراً على منحنا هذه الفرصة.”
نهض جيرون من مجلسه.
خرج مولفو، فإذا بفتاةٍ صغيرة عند الباب تنظر إليه بعينيها الواسعتين.
أهذه هي التي مزّقت بطاقة الدعوة؟
حدّقت فيه برهة، ثم انحنت بخجل لتدخل القاعة.
قال لها قبل أن تعبر.
“أُخبِرتُ أنّ ابنتي أزعجتك بعملٍ طائش. أرجو المعذرة.”
فأجابته ببرود.
“لا بأس، لم أحضر الحفل أصلاً.”
“آه… هكذا إذاً.”
“مع ذلك، شكراً لأنّك قلت هذا. عد بخير.”
دخلت بخطى هادئة، دون تعابير، على خلاف أبيها الذي لا يفارق الابتسام.
…يبدو أنّ منزل الدوق بَليون سيشكل مصدر قلق.
شعر الكونت مولفو بوخز في صدره وهو يضغط على قلبه، مدركًا طبيعة الدوق جيدًا، ثم خرج من قصر الماركيز.
وفي اليوم التالي، كان زيارة منزل الدوق بيليون أشبه بجحيم حيّ.
فقد شعر لأول مرة بكلّ حرارة حب ديفون بيليون لحفيدته روكسيلين.
وفي الوقت نفسه، تملكته الرغبة في معرفة.
وتمتم في أعماقه.
من الذي تجرّأ على إطلاق شائعة أنّها ابنة غير شرعيّة؟!
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 169"