“لا، ذهبتُ هناك، فلم يكلّف أحد نفسه عناء التعامل معي، فخرجتُ مع روكسيلـ… أعني، مع الآنسة فقط.”
أجبتُ وأنا أخطو بتثاقل حتى ألقيتُ بجسدي على السرير.
ما زال الوقت مبكرًا على موعد العشاء، وأردتُ قليلًا من الراحة.
وكلما استعدتُ المشهد، ازددتُ نشوةً خفيّة؛ إذ لم أرفع صوتي بكلمة، ومع ذلك تجمّد الجميع في حيرةٍ لا يدرون ما يفعلون.
“…ماذا؟ ما الذي تقولينه؟ من الذي لم يتعامل معك؟ أيّ….”
فجأة، دوّى صوت لهبٍ يشتعل من مكانٍ ما، فحرّكتُ عيني متثاقلة لأجد خادمتي الوديعة – التي لا تفارقها الابتسامة – شديدة الاحمرار من الغضب.
“لستُ أدري إن كان ذلك موجَّهًا إليّ أم إلى آنسة بيليون نفسها…”
“ألا تذكرين في أيّ منزل من منازل الكونتات قصدتِ اليوم؟”
“لا أعلم… لعلّه منزل مولان؟ أو شيء شبيه بهذا الاسم…”
“منزل مولفو، تقصدين؟”
“آه، نعم، ذاك هو.”
“كيف يجرؤون على معاملتكِ هكذا؟”
“ماذا؟”
حدّقتُ في الخادمة التي كانت تغلي غضبًا أكثر مني، فتحرّكتْ وجنتاي في ارتباك.
“لا يمكن أن نمرّ على هذا مرور الكرام!”
“حسنًا… كنتُ أنوي أن أذكر الأمر لأبي إن سألني فقط…”
“لا يا آنستي! لا بدّ أن يُشاع الخبر في كلّ مكان! كيف يمكن لمثل هذه الإهانة أن تمرّ؟! وأنتِ من تكونين؟!”
‘أنا من أكون؟…’
لم أستطع أن أُكمل التساؤل؛ فقد كانت ثائرتها مشتعلة لا تهدأ.
‘ما شأنها حتى تغضب إلى هذا الحدّ؟’
حدّقتُ فيها مذهولة، وحين التقت عيناي نظراتها الغاضبة وهي تَصرف بصرها عنّي، تردّدتُ قليلًا.
“انتظري، سأُسرع بإخبار رفيقاتي في المنازل الأخرى، وأذيع الخبر من الآن!”
“لا، ليس ذلك ضروريًّا…”
“أرجوكِ استريحي قليلًا، وسأطلب من الخدم نشر المسألة، وأعود إليكِ ببعض الشراب والحلوى!”
مددتُ يدي متردّدةً لأوقفها، لكنها اختفت في الفراغ بلا جدوى.
“كيووونغ…”
عندئذٍ فقط خفضتُ بصري.
ذئبٌ بملامح حزينة جلس عند قدمي، يرفع إليّ عينين دامعتين.
“مللتَ؟”
“عووو!”
“لكن لا يمكنني أن آخذ كلبًا… أعني ذئبًا إلى حفلة شاي. ألن يكون ذلك محرجًا؟”
فأطبق الذئب فمه صامتًا، ثم وثب إلى جانبي على السرير، وأرخى جسده بجانبي.
كنتُ فيما مضى أتساءل. كيف يُطيق العيش على أربع؟ أما الآن فقد بات الأمر طبيعيًّا.
اقتربتُ أكثر، وأخذتُ أُداعب فراءه الناعم الطويل.
فرررف… فررف…
توقّفت يدي، فتوقّف الصوت.
ثم عدتُ لأُداعبه فعاد الصوت.
فررف، فررف، فررف.
كان ذيله هو مصدر الصوت، يتحرّك بحبور.
توقّفتُ عن لمسه، فهبط ذيله كسيرًا.
ثم لامسته ثانيةً، فاهتزّ ذيله بعنفٍ أكبر.
“ما هذا؟”
حدّقتُ فيه مذهولة، ثم انفجرتُ ضاحكة.
“أنتَ تعشقني، أليس كذلك؟”
ألم يقولوا إن الكلاب تُحرّك أذيالها حين تفرح؟ فلعلّ الذئاب – وهي من فصيلتها – تفعل الشيء نفسه.
ضحكتُ وأنا أرى ذيله يتحرّك بجنون، فيما هو رفع رأسه قليلًا وصدر عنه صوت أنين رقيق، ثم مسح وجنتَه على يدي.
“هل تطلب مني المزيد؟”
“كيااانغ!”
أومأ بقوة، فأخذتُ أُداعب فروه أكثر حتى غلبني النعاس.
ومع دفء جسده الوثير إلى جانبي، تسلّل النوم سريعًا إلى جفوني.
وحتى الذئب أرخى ذيله، وأطبق عينيه بهدوء.
وفي الغرفة، تحت وهج الشفق، لم يُسمع غير تنفّسَين ساكنَين.
***
حين جاء وقت العشاء، تبعتُ الخادمة إلى قاعة الطعام، وإذ بي أُحاط بنظراتٍ من كلّ صوب.
“أيّ جرأة تلك!”
“لقد كان أوّل حفل شاي لها اليوم!”
“لا بدّ أنّها مجروحة القلب…”
“ألا ترون أنّها أكثر حزنًا من المعتاد؟”
كل ذلك لم يكن سوى آثار نومٍ عابر!
التفتُّ نحو خادمتي، ورأيتُ في عينيها شيئًا من الزهو، فعلمتُ أنّها من بدأتْ هذا كله.
‘لِمَ كلّ هذا؟’
‘أنا بخير تمامًا، بل أشعر بالراحة، لكنهم يُثقلونني بشفقتهم.’
حككتُ خدي في ضيق ودخلتُ إلى القاعة.
الطاولة كانت أبهى من المعتاد، مُزدانةً بالزينة والأطباق البراقة.
“…كعك؟”
هل عُدّ رفضي لحفلة الشاي إهانةً كبرى، فاستُحضرت الكعكات إلى العشاء؟
جلستُ في مقعدي.
“مساء الخير.”
“مساؤك طيب، يا أبي.”
مسحتُ عيني برفق، ثم التفتُّ نحو سيلينا، فرأيتُ عينيها محمرّتَين.
توجّستُ، فأرسلتُ نظرةً خفيّة نحو جيرون ويلبريد، فاكتفى برفع كتفيه، والبلل الداكن على طرف قميصه يشي بكلّ شيء.
“كيف كانت حفلة الشاي؟”
سألني أبي بنبرةٍ المتجاهل، لكن وجهه لم يكن وجه الجاهل.
“أمم… لم ترقَ لمستواي، فخرجتُ مع آنسة بيليون إلى التسوّق.”
“…هكذا إذن.”
“أبي، أنفقتُ من مالك بعض الشيء، اشتريتُ ثوبًا جديدًا.”
“أنفقي ما شئتِ.”
قال جيرون ويلبريد وهو يحدّق بابنته التي لا تنزع لفظ ‘اللعين’ من فمها إلا حين ترغب في شيء، ثم ابتسم ساخرًا وهو يرفع أدوات الطعام
“طريف، ألا يجدون غير الفتاة التي أعلنتُها كإبنتي ليكونوا وقحين معها؟”
قالها ببرودٍ قاتل، ثم نظر بطرف عينيه إلى سيلينا الباكية، وأخذ يُقطّع شريحة الستيك بهدوء.
الابتسامة المرسومة على فمه لم تكن تُطمئن أحدًا.
***
في مكانٍ آخر، دوّى صوت فتح باب المكتب بعنف.
كان ذلك صوتَ ابن الكونت مولفو، العائد من زيارةٍ لأحد الشركاء.
“أبي! هل أنت هنا؟ ثمة أمر جلل!”
زمجر الكونت مولفو وهو يرفع رأسه المتعب.
“ما بالك بالصياح؟ إن رأسي يكاد ينفجر أصلاً!”
“لقد كنتُ أتفاوض بشأن تجديد عقد التوريد…”
“تحدث بسرعة. لديّ قضايا أثقل من أن أضيّع وقتي بثرثرتك.”
ابتلع الابن ريقه، وقال.
“رُفضنا، يا أبي.”
“ماذا قلت؟”
تجمّد وجه الكونت مولفو.
ذلك أن منزلهم التجاري – الذي لا يتعامل إلا مع الدول الخارجية، مشهور بالصادرات والجواهر المصقولة – يقوم على العقود الممتدّة لسنوات، وأيّ تعطيلٍ فيها كارثة.
وكان رفض العقد كالصاعقة.
“ألم تُساومهم؟ ألم تعرض عليهم تحسين الشروط؟”
“عرضتُ ذلك، وأبديتُ استعدادنا للتفاوض.”
“ثم ماذا؟”
“قالوا. لا. لا يريدون وحسب.”
“لا؟! بلا سبب؟! ما معنى هذا الرفض المطلق؟!”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 167"