“أجل، صباح الخير يا أبي…. وصباح الخير لكِ أيضًا يا سيلينا.”
انحنيتُ تحيةً بخجل، ثم خطوتُ ببطء حتى جلستُ إلى المائدة.
“صباح الخير يا روكسي. هل رأيتِ حلمًا جميلاً الليلة؟”
وما إن جلستُ بمهارة وحدي، حتى مدّت سيلينا يدها الرقيقة تربّت بها على وجنتي برفق وقالت مبتسمة.
“لا، لم أرَ أيّ حلم… لكنّي نمتُ جيدًا.”
“حقًا؟ يا لها من راحة إذن. لقد سمعتُ أنّكِ دُعيتِ اليوم إلى حفلة شاي، أهذا صحيح؟”
توقّفتُ قليلًا عند كلماتها، ثم أومأتُ برأسي في هدوء. كانت حفلة شاي تُقيمها ابنة أحد الكونتات في العاصمة. في الحقيقة، لم أكن أرغب في الذهاب، لكن بما أنّ الدعوة وصلتني باسمي شخصيًا، وجدتُ أنّ من اللائق أن أقبلها.
‘وحين أفكّر في الأمر… لم تحمل حفلات الشاي لي يومًا ذكرى طيبة.’
فالأبناء والبنات من الأسر النبيلة اعتادوا التواصل فيما بينهم حتى قبل حفلات الظهور الرسمية، وغالبًا ما كانوا يتبادلون الزيارات في لقاءات صغيرة من هذا النوع. عادةً ما تتولّى الأم الإشراف على هذه التفاصيل… لكنني لم أعرف معنى الأمومة، ولهذا لم أختبر ذلك قط.
“نعم، هذا صحيح.”
“جيد، فهذا مناسب تمامًا. لديّ لكِ هدية كنتُ أودّ أن أقدّمها منذ زمن.”
“بعد أن تُنهي طعامكِ، اذهبي إلى غرفتكِ. لطالما شعرتُ بالانزعاج لأني لم أمنحكِ هدية من قبل، لكن الآن حان الوقت. لقد أحسنتُ في طلبها مسبقًا.”
صفّقت بيديها وهي تضحك، بينما اكتفيتُ أنا بإيماءة خجولة مترددة.
“شكرًا جزيلاً.”
“ارتديها بطريقة جميلة، وتعالي لتُريني إيّاها.”
أومأتُ برأسي مرارًا. كانت سيلينا صريحةً أكثر مما ينبغي، وصراحتها هذه كانت تُحرجني أحيانًا. ولأنني لم أكن أملك تلك الجرأة، بدا وكأنها تعوّض عنّي بصدقها، ولذلك لم تنشب بيننا يومًا أيّ مشكلة. فهي تعرف ما أعجز عن قوله، وتنتظر حتى أتكلّم، فلا هي ترفع صوتها، ولا تضطر إلى إطلاق كلمات قاسية لتقديم النصيحة.
سيلينا حقًّا إنسانة تعرف معنى المراعاة. وبوجهٍ من الوجوه، كانت أكثر صدقًا ودفئًا من جيرون ويلبريد نفسه.
‘…من المؤسف حقًّا.’
أطلقتُ نظرة جادّة نحو جيرون ويلبريد، ثم عدتُ فألقيت نظرة جانبية على سيلينا.
“سيلينا.”
“نعم؟”
“…ستُقام قريبًا حفلة في القصر الإمبراطوري. هل ترافقينني إليها؟”
ترددت سيلينا قليلًا.
“أنا؟”
“نعم… فمن غيركِ سيرافقني؟”
“لكننا مجرّد خطيبَين، ولسنا متزوّجَين بعد. فهل ثمة ضرورة أن أحضر أنا مثل هذه الحفلة؟”
تناولتُ سكينًا وشوكة بصمت، مستعدةً لمتابعة طعامي، فقد بدا أنّ حربًا جديدة بين والديّ بالتبني على وشك أن تندلع.
منذ أن اكتشفت سيلينا طبيعة جيرون الحقيقية، أصبح الجو بينهما باردًا، لا هو بالعداء التام ولا بالمودّة. بدا أنّها تحاول عمداً ألّا تمنحه المزيد من قلبها، خشية أن تُجرح. وأنا كنتُ أفهمها، وكذلك هو كان يعرف السبب، ومع ذلك لم يستطع أن يتركها وشأنها، فبان لي رجلاً شديد الضيق في صدره.
‘أيعقل أنّ الشيطان لا يتمنّى سعادة غيره؟’
لم أعد أعلم. فجيرون ويلبريد، على الرغم من أنه يُسمّى شيطانًا، بدا إنسانًا أكثر من اللازم. وفي الوقت نفسه، لم يكن إنسانًا كاملًا، إذ كان يحمل جانبًا قاسيًا وجافًا لا يرحم.
“ليست الحفلة ضرورية، لكنّي لا أودّ الذهاب وحيدًا. فلو رافقتِني… لكان الأمر أهون عليّ.”
خفض جيرون بصره وقالها بنبرةٍ حذرة. وللمفاجأة، بدا مستعدًا لأن يتقبّل كل مسافة تضعها بينهما.
“إن كانت هناك حاجة حقيقية… فسأذهب.”
لم أُخطئ الظن. سيلينا ضعيفة أمامه، ولا سيما أمام وجهه وصوته العاطفي المصطنع. أخذتُ أنظر إليهما بعينٍ جانبية، وأنا أغرز شوكتي في السلطة وألتهمها بسرعة.
“آه، هذا مطمئن. أشكركِ كثيرًا يا سيلينا.”
“…أنا فقط لا أريد أن تنتشر شائعات لا لزوم لها.”
عندها أطبقتُ على قطعة لحم كبيرة بشراهة، فيما كانت وجنتاها تحمران.
وهكذا، تحوّلت مائدة الإفطار اليومية إلى ساحة مواقف عاطفية كنتُ أنا المتضرّر الأكبر منها.
‘أيعقل أن يكون الجميع مخطوبًا إلّا أنا؟’
أنهيتُ طبقي على عجل، ثم قفزتُ واقفة.
“روكسي؟”
“لقد شبعتُ، سأذهب الآن. أرجو أن تبذلوا جهدكم من أجل أخي الصغير.”
تجمّد كلّ من جيرون ويلبريد وسيلينا عند سماع كلماتي.
“هذا أيضًا ليس سيئًا…”
“أأنتِ حقًّا لا ترغبين بالذهاب معي إلى الحفلة؟”
“بل أرغب… كيف لا؟ أنتِ على حق دومًا.”
سمعتُ صوته ذاك، ولم أملك إلا أن أتمتم في سري. تفاهة!، ثم غادرتُ القاعة.
***
“مرحبًا يا روكسيلين.”
“آه… نعم، مرحبًا. رو… روكسي…”
كنتُ مضطربة، لا أدري كيف أتصرف، فهذا أوّل دعوة إلى حفلة شاي أحضرها في حياتي.
في العادة، ترافق الأم ابنتها في مثل هذه المناسبات لتعلّمها أصول التعامل، لكنني لم أعرف الأمومة قط، فوجدتُ نفسي في مواجهة الموقف وحيدة. ارتجف صوتي واشتدّ تيبّس ملامحي، حتى إنّ مَن حولي لم يطيقوا تركي هكذا.
‘أبي لم يكن يومًا بارعًا في مثل هذه الأمور الدقيقة.’
لذلك اختار الابتعاد سنواتٍ طويلة بدلًا من أن يجرّب الاقتراب.
“أين بطاقة الدعوة؟”
“ها هي…”
“عادةً، حين تأتي المدعوّة، ينتظرها الخدم عند المدخل ليقودوها إلى الداخل. وفي الغالب، يكفي أن ننتظر قليلًا حتى يأتوا…”
ضيّقتُ عينَيّ وأنا أحدّق. لم يأتِ أحد. كيف يمكن ألّا يلحظوا وجودنا هنا؟ لا بدّ أنّهم يتعمّدون.
رأيتُ بأمّ عيني كيف التحق خدمٌ آخرون بأطفالٍ جاؤوا بعدنا. إذن لم يبقَ سوى احتمالين. إمّا أرادوا أن يُذلّوا روكسيلين، أو أن يُذلّوني أنا. بل وربما الاثنين معًا.
في الحقيقة، لم تكن سمعة منزل الدوق متناسقة مع سلطته. فجدي كان ذا أصلٍ مشبوه، وطباع والدي وأعمامي لم تكن أسعد حالًا. وأنا نفسي كنتُ قد رفضتُ سابقًا كل دعوات حفلات الشاي.
‘لو أنّ الأمر بيدي، لرفضتُ هذه الدعوة أيضًا.’
لكن ما الذي دفعني للقبول هذه المرة؟ هل هو اقتراب حفلة الظهور، فأردتُ أن أجرّب؟ ربّما… نعم، ربّما كنتُ أحتاج إلى خطوة صغيرة تدفعني إلى الأمام، لا سيما وأن علاقتي مع أبي بدأت تتحسّن قليلًا.
صحيح أنّ التغيّر لا يتعدّى بضع كلمات أتجرأ على قولها، لكنّه في النهاية تقدّم. أو ربّما سمعتُ نصيحةً من أحدهم. عقلي يقول إنها نصيحة، لكن قلبي يفضّل أن يصدّق أنها شجاعة مني.
فقد كنتُ طفلة اعتادت مراقبة الآخرين والعيش على حذرٍ من نظراتهم. أما الآن، فأنا أجهد كي لا أُظهر مشاعري، أتصنّع اللامبالاة، وأمنع نفسي من التعلق كي لا أُصاب بالأذى.
فهل ثمّة داعٍ حقًّا أن أُرغم نفسي على البقاء هنا؟
في الماضي، كنتُ سأبذل جهدي لاقتحام الجمع والانسجام معهم، وإن بدا موقفي مضحكًا. أما الآن، وقد كبرتُ، وفهمتُ الحياة أكثر، فقد أدركتُ أنّ تفويت حفلة شاي لن يُعيق مسيرتي في مجتمع النبلاء.
خصوصًا أنّ الخطأ هذه المرة خطؤهم هم، ويمكنني أنا أن أشيع القصة بما يخدم موقفي.
‘وإن كان واضحًا أنّها لم تكن صدفة قط.’
أجل، يبدو الأمر لعبة طفولية سخيفة. لكن بدت لي فكرة المواجهة المباشرة قاسية على نفسي الصغيرة، فقررتُ أن أكون صريحة ببساطة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات