توقفت روكسيلين فجأة عند سماع صوت نباحٍ آتٍ من مكان ما.
و أدارت رأسها بملامح مستغربة فرأت شجيرات كثيفة. و من بين الأعشاب، حيث قد تختبئ القطط البرية عادة، خرج نباحٌ جعلها تميل برأسها.
“كلب؟”
كان نباحه لطيفاً بشكل غريب. لكن روكسيلين لم تدخل إلى ما بين الأعشاب، بل واصلت طريقها.
والسبب أنها، لكثرة ما كانت مريضة، اعتادت قراءة الروايات الأدبية. وحين تقرأ القصص الغريبة أو روايات الرعب، تجد دوماً مثل هذا “الكليشيه”.
يظهر صوتٌ غريب، فيقول البطل أو شخصية ثانوية: “ما هذا الصوت؟” بدافع الفضول. ثم يرتكبون الحماقة ويقتربون من مصدر الصوت.
وفي النهاية، هناك احتمالان: إن كان الفضولي شخصية ثانوية، يموت أولاً. أما إن كان هو البطل، فيتورط في أحداث مزعجة عظيمة و تبدأ الملحمة.
ولحسن الحظ، كانت روكسيلين إنسانةً شديدة العقلانية والحكمة. فلم يخطر ببالها مطلقاً أن تخاطر وتدخل مكاناً مظلماً فقط لتتأكد من مصدر نباح كلب.
“كككعع، نِييع-!”
لكن ما إن واصلت طريقها حتى تغيرت النغمة قليلاً، كأن الصوت يتوسلها أن تقترب فوراً.
“هل أرش بعض الملح عند عودتي إلى البيت؟”
تمتمت بخفة، ثم ارتجف جسدها قليلاً وأسرعت بالابتعاد.
وفي طريق عودتها بأكمله، لم تلتفت خلفها ولو لمرة واحدة.
***
بدأتُ باستثماراً ذكياً بفضل المكافأة التي حصلت عليها من الدوق.
في الحقيقة لم يكن شيئاً معقداً. كان الأمر مجرد استثمار في تطوير منتجات جديدة.
لكن بما أن الاستثمار كان في منشطات نمو، ومبيدات حشرات، وبعض أسمدة النباتات التي ستُحدث طفرةً قريباً، فقد كان العائد المتوقع ضخماً للغاية.
فالزراعة طلبها لا ينقطع، وعرضها لا ينقص، وبالتالي كل ما يتصل بها لا بد أن يتوسع.
و جيرون ويلبريد، على ما يبدو، صُدم حين سرقتُ منه فرصة استثمار كان يطمع فيها، فجاءني وظل يحدق فيّ طويلاً.
فجأة، تذكرت ما حدث قبل أيام.
“أحقاً ستفعلين هذا؟”
“ماذا؟”
“هل يصعب عليكِ أن تعيشي ببساطة من مالي فقط؟”
“…..في الحقيقة ليس أمراً سهلاً.”
أومأت برفق وأنا أحتسي الكاكاو بسرعة، فإذا به يرمقني بوجه ساخر.
“أيها الأب المزعج.”
“ماذا؟”
“لو كان لديكَ ذرة ضمير، لأغمضتَ عينيكَ وفكرت. كم مرة تظاهرت بالاعتناء بطفلةٍ أصغر منكَ بآلاف السنين ثم طعنتَها في الظهر؟”
“….…”
“لا جواب لديكَ، صحيح؟ ارحل.”
ولأنه لم يجد ما يقوله، ظل جيرون يحدق فيّ للحظة ثم غادر.
ثم هزّت روكسيلين رأسها لتطرد شتات أفكارها.
على أية حال، فقد كانت عائدةً من اجتماع متعلق بالاستثمار الذي خاضته اليوم.
في البداية، لأنهم اعتبروها مجرد طفلة، لم يكلف المستثمرون الآخرون أنفسهم عناء شرح التفاصيل لها أو إشراكها في النقاش. لكنها، بضربة واحدة على الطاولة حطمتها، فصار التفاوض أكثر سلاسة.
عندها فقط أدركت للمرة الأولى لماذا كان خان كالوتا قد حطم الطاولة غضباً ذات مرة.
فالجدال بالكلام يرهق، ويستنزف الوقت لإقناع الطرف الآخر حتى يخضع، بينما القبضة تحسم الأمر بضربة واحدة.
“وااانغ! ووف! ووف ووف، واووف!”
في طريق عودتها إلى المنزل، دوّى مجدداً نباح الجرو. وكالعادة، مصدره ذلك العشب الكثيف.
عند هذا الحد، صار الأمر حقاً يبعث على القلق.
فهزّت روكسيلين رأسها بيأس، لكنها لم تلتفت ولو لمرة، ومضت في طريقها متجاهلةً الأدغال.
***
“ووف! ووف ووف! ووااانغ!”
“ووف! ووف! ووف! ووف! ووف!”
كان هناك شيءٌ ينبح بكل ما أوتي من قوة.
لقد مرّت من هذا الطريق سبع مرات حتى الآن. وبالطبع، هذا يعني أنها سمعت النباح عشر مرات.
و عند هذه المرحلة، لا هو توقف، ولا هي توقفت عن الانزعاج.
حتى أنها بلغت من التوتر حدّ أنها سألت سيلينا بخفة ما إذا كان في هذا العالم أيضاً أشباحٌ أو أرواح تائهة.
لكن سيلينا لم تجب إلا بابتسامة رقيقة، و راحت تُطمئنها،
“لا وجود لمثل هذه الأشياء، لا تقلقي، أنا دوماً بجانبكِ، سأحميكِ.”
وفي النهاية ختمت بعبارات كأنها موجهةٌ لطفلة،
“لكل إنسان ملاكه الخاص، يمنحه الحظ ويصدّ عنه الشر.”
حينها فقط، أدركت روكسيلين أنها اختارت الشخص الخطأ لتستشيره.
والنتيجة؟
في تلك الليلة، كان عليها أن تواجه جيرون ويلبريد، الذي جاءها في غرفتها وهو يضحك بلا توقف.
الغيظ أشعل في صدرها رغبةً بالقتل، حتى أنها فكرت بالاستعانة بنقابة الاغتيالات. لكن للأسف، تلك النقابة كانت قد اختفت منذ زمن، فاضطرت إلى الكفّ عن الفكرة.
ومع ذلك، عند المرة العاشرة، بدأت روكسيلين تفكر: أليس من باب اللباقة على الأقل أن تلقي نظرةً على ما يجري هناك؟
ثم قطّبت جبينها وهي تستعيد آخر حوار دار بينها وبين جيرون ويلبريد.
“…..إذاً، ما تقولينه هو أنه في كل مكان تذهبين إليه، ما إن تصلين، حتى يبدأ كلبٌ بالنباح؟”
“صحيحٌ تماماً.”
“…..وهذا ما تتهربين منه منذ ثلاثة أشهر، متجاهلةً الأمر تسع مرات؟”
نظر إليها جيرون ويلبريد بوجه بالغ الحرج بعد سماع جوابها.
“ألا تعتقدين أنه في هذه المرحلة، يجدر بكِ أن تذهبي وتنظري مرةً واحدة على الأقل؟”
“أما سمعت بالمثل القائل أن الفضول قتل القط؟”
“أعرفه طبعًا، لكن أليس من اللائق بعد عشر مرات أن ترد مراعاةً لجهد الطرف الآخر؟”
قال جيرون ويلبريد ذلك وهو يحك ذقنه ويلقي إليّ نظرةً جانبية. كان في قوله أمراً صحيحاً ما على طريقته.
“من الخطأ أن تظن أن كل الأطفال يحبون الحيوانات.”
أجبتُه بأن طريقة الخطف تلك مبتذلةٌ جدًا فلا تدفع حتى للوقوع فيها، فهز جيرون ويلبريد رأسه بنظرةٍ غريبة بعض الشيء.
“حسنًا، ما دامت مسألتكِ فلن أتدخل…..”
قالها بوجه متحفظ متردد.
“لكن إن وجدته هناك مرة أخرى، فلتلقِ عليه نظرةً واحدة على الأقل.”
“ووف! ، وووو! وَعَوْ!”
و مع صخب أصوات الحيوان استعادت وعيها من جديد.
“لا مفر إذاً.”
وببطء خطت روكسيلين خطواتها. و بيد صغيرة شقت الأدغال ودخلت، فإذا على ورقة مرسومٌ عليها شكلٌ ما، يقبع جروٌ صغير.
“ووف! نييغ، نيي!”
كان يقفز مبتهجًا وكأنه يرحب بها أشد الترحيب.
“ذئب؟”
بدا كذئب صغير بحجم جرو، بفروٍ أسود قاتم وعينين زوقاوين صافيتيْن كزرقة السماء تذكّرها بوجهٍ ما.
وعلى الورقة البيضاء المرسوم فوقها ما يشبه دائرة سحرية، بدت آثار تدل أن أحدهم كان يطعمه.
“إذاً هناك من كان يعتني بكَ من قبل.”
قالت روكسيلين ذلك وهي تحدق بالذئب.
جسده الضئيل لكونه ما يزال صغيرًا، وفروه الأسود البراق، كانا أقرب ما يكون إلى نسيج الحرير.
كأنما لا يسمح لفرائه أن يختلط بخيط لون آخر، أسود حالكٌ حتى أنه لولا عينيه الزرقاوين المتقدتين ما كنت لترى منه شيئًا في الليل.
“لماذا كنتَ تنبح كلما مررتُ أنا وحدي؟”
“ واوف! كييي”
“هممم، لا أجيد لغة الكلاب. على كل حال، من حسن الحظ أن هناك من يعتني بكَ.”
لوّحت روكسيلين بيدها بخفة. وقد خطر ببالها ربما أنه كان ينبح فقط كلما شم الرائحة المألوفة التي تعبر من هنا باستمرار.
و على الورقة البيضاء ظل عاجزًا عن الحراك، يطرق بأقدامه الصغيرات تدوك- تدوك- فمالت روكسيلين برأسها تنظر إليه.
“ليس عندي ما أقدمه لكَ. بالنسبة الصيد عليك أن تقوم به بنفسكَ.”
قالت روكسيلين ذلك بجفاء، ثم استدارت بجسدها. فلو تأخرت أكثر، لكان الفرسان المرافقون الذين تخلّت عنهم في منتصف الطريق بانتظارها، وهم يذرعون المكان قلقًا.
“وانغ؟! وواف! كنغكنغ! كياووف!”
قفز الذئب الأسود فجأة كالمذعور، وهو يواصل التظاهر بالرغبة في الخروج من فوق الورقة.
لكنه على نحو غريب لم يتجاوزها قط.
“آسفة، لا أستطيع أن آخُذكَ معي.”
“كْيُونغ؟!”
بدا كأنه يعاتبها بلهجة احتجاجية على سبب رفضها. فحدّقت روكسيلين في الذئب بوجه جاد للغاية.
“في الحقيقة أنا…..”
“ككينغ…..؟”
“منذ صغري أعاني من حساسيةِ مفرطة من فراء الحيوانات، لذلك لم أستطع العيش طويلًا بقربها.”
“…..ككِي؟!”
تشنج الذئب فجأة وهو يفتح فاه ويغلقه مرارًا في ارتباك. وكانت حركاته أشبه بتصرفات بشرية، ومع ذلك تثاءبت روكسيلين وأدارت رأسها ببطء.
“إذاً حان وقت رحيلي…….”
“كوواا! ككاانغ!”
رفع الصغير كفّيه الأماميتين وهو يشير إليها بجدية، ينبح مستلقيًا كأنه يريد أن يمنعها من الرحيل.
“اذهب إلى من كان يطعـ-”
تراجعت روكسيلين عن كلامها حين وقع بصرها على ثيابها.
“آه.”
فشهقت فجأة وهي تحدق بعينيها واسعتين.
“صحيح، لقد تغير جسدي.”
تمتمت بالاعتراف وكأنها اكتشفت ذلك للتو، بينما ارتفع عواء الذئب “ككُونغ!!” حزينًا كمن يشكو ألم الفقد.
______________
كل شي يقول انه ارما😭 بس عاد ما اختار يجي الا بشكل حيوان؟ الله يخلف
والورقه ذا الي مايعديها واضح من جيرون ولا من بيجيبه هنا 😂
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 159"