ألقت روكسيلين نظرةً سريعة نحوي ثم أطبقت شفتيها بصمت.
في النهاية، كانت مطالبي بالنسبة إلى إعادة العثور على الابنة الوحيدة بعد سنوات طويلة مطالبٌ بسيطة، لذا جرى قبولها. لكن وُضع قيدٌ واحد: إن رفضت روكسيلين رؤيتي بعد عدة لقاءات، فسيسقط الشرطان الأخيران.
‘حسنًا، هذا يكفي.’
تأملت روكسيلين بصمت وأنا أسند ذقني بيدي. و بيننا كانت الطاولة مملوءة بما لذ وطاب من الحلوى، وإبريق شاي دافئ موضوع عليها.
وأمام روكسيلين كانت هناك حبوب دواء مصطفة.
وكانت بشرتها الشاحبة. و عيناها غارقتان في الظلام. وشفاهها منغلقة بإحكام كأنها ترفض أن تنفتح على أي إنسان.
حين نظرت إليها بموضوعية، غمرني شعورٌ غريب.
‘هل كنتُ حقًا أفرّ من الناس إلى هذا الحد؟’
ربما كان علي أن أكون ممتنةً حقًا لأرما، الذي واصل زيارتي طوال هذه السنين. فقد ظل يطرق بابي ويأتي إليّ بلا انقطاع رغم كل هذا النفور لسنوات طويلة.
ومهما كان الدافع وراء ذلك، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن تلك السنوات الطويلة كانت مليئةً بالإخلاص.
“ألا تتناولين دواءكِ؟”
“……”
“إن استمررتِ هكذا فلن تتمكني من الحصول على صديقة واحدة طَوال حياتكِ.”
قلتُ ذلك بفتور وأنا ما زلتُ أسند ذقني. فحدّقت روكسيلين الصغيرة بي بنظرة حادة وعينين مرفوعتين بحدة.
كان ذلك في أيامها الغضة التي فضّلت فيها مواجهة الآخرين بعدوانية بدلًا من مد يدها.
لأنها لم تكن تريد أن تُجرح، كانت تتجاهل وتلزم الصمت.
و كانت ترى كل من يقترب عدوًا، وكل من يبتسم سعيدًا، وظنّت أن لا أحد سيفهم شخصًا مثلها.
كنتُ أظن أنني الأتعس في هذا العالم. نعم، كنتُ أؤمن أنني أكثر إنسان بائس على وجه الأرض.
كنت منشغلةً بنفسي إلى درجة لم أجد وقتًا للتفكير بغيري، لكن بما أنني لم أحاول أن أنظر إلى من حولي، فكان طبيعيًا أن أشعر بهذا الشكل.
“وفي النهاية، سيتخلّى عنكِ حتى الشخص الذي تحبينه، لتجدي نفسكِ وحيدة، تموتين في برد ووحشة قبو سجن مظلم.”
رأيت روكسيلين الصغيرة تشد على أطراف ثوبها كلما واصلت كلامي.
كنتُ أراقبها بعين باردة. و أشفقتُ عليها.
لكن حين رأيت نفسي من الخارج بموضوعية، لم يسعني إلا أن أفكر: “يا لها من طفلة مزعجة حقًا.”
كنت أظن أنني لم أتلقَّ حبًا قط، لذلك لم أعرف كيف أحب.
صحيحٌ أن حب والدي كان أخرق، مشوشًا، وفوضويًا للغاية، وهذا ما أعترف به.
“على أي حال، إن لم تريدي السعال والمرض طوال الليل، فلتبدئي بالدواء أولًا.”
“…….”
“إن مرضتِ، فسيأتي والدكِ إليكِ كما تتمنين، لكنه سيكون في غاية الحزن.”
“…..لا.”
وبعد وقت طويل، جاء أخيرًا صوتها الصغير.
“على عكسكِ، أبي يكرهني. لو متُّ فسوف يشكرني.”
“على عكسي؟”
“أنتِ والماركيز علاقتكما جيدة، أليس كذلك؟”
“أنا…..؟ أنا من النوع الذي يتمنى أن يتعثر ذلك الرجل في الشارع بوسخ، ويتدحرج على الأرض حتى يسقط في كومة روث ويموت سمادًا هناك.”
“…….”
فُتحت عينيّ الطفلة الواسعتين ونظرت إليّ وكأنها تقول: كيف يمكن أن تقولي شيئًا بهذا القسوة؟
فاكتفيتُ برفع كتفيّ والابتسام.
“لماذا؟ لا تصدقينني؟”
“…..لماذا ستأتين إليّ دائمًا؟”
“قلت لكِ، لأنني أريد أن أكون صديقتكِ.”
“…..هل تعرفينني أصلًا؟”
“روكسيلين بيليون. ثمانية أعوام. هل تحتاجين أن أعرف أكثر من هذا؟”
عند كلامي هذا قطبت روكسيلين جبينها الناعم، مشهدٌ جعلني أتذكر والدي بشكل غريب.
“على أي حال، خذي دواءكِ أولًا.”
“…..إنه مُرّ.”
“ابتلعيه ثم خذي قطعة حلوى بعده.”
“أنا لستُ طفلة.”
لكنها، بملامح عنيدة ووجه طفولي متصلب، وضعت الدواء في فمها وابتلعته بشجاعة.
“…..مُرّ.”
حينها سارعتُ لأضع قطعة حلوى بين شفتيّها المفتوحتين.
“مـ…..ماذا تفعلين…..؟”
“وما المشكلة إن كنتِ طفلة؟ أنتِ طفلة فعلًا. فأن تصبحي كبيرة بسرعة ليس فيه أي خير.”
قلتُ ذلك ثم أخذتُ أقضم قطعة بسكويت ببطء.
كان طعمها مقرمشًا ولذيذًا بالفعل.
“…..لن أكون صديقتكِ.”
“كما تشائين. أما أنا فسأقول للجميع أنكِ صديقتي.”
ردّدتُ بلا مبالاة و أنا أهز كتفيها بخفة. فالتفت إليّ بوجه مذهول، لكنّني تجاهلتها تمامًا.
وهل أهتم؟
فبصراحة، بدوت متضايقةً أصلًا. كأنني أردت أن أقول في نفسي: “هل عليَّ أن أستجوب نفسي وأواسي طفلةً مثلكِ؟”
لو لم يكن الأمر متعلقًا بأبيها، لتجنّبت كل هذا الإزعاج.
لكنها تعلم أن والدها لا يكون سعيدًا إلا إذا كانت هي سعيدة، فلم يكن بوسعها إلا أن تفعل.
فهزت رأسها يميناً ويساراً متنهدة.
“روكسيلين، هل تريدين أن تقتربي من والدكِ؟”
“……”
ظلت تنظر إليّ بصمت، بوجه متردد. فأملت رأسي وسألتها،
“إذاً عليكِ أن تكوني صادقة. إن ظللتِ مطبقةً شفتيكِ هكذا، فلن يفهمكِ أحد. كل ما في الأمر أنه سيصبح هناك شخصان مغلقان على نفسيهما.”
“…..ماذا تعنين؟”
“اذهبي إليه وقولي له ببساطة: (أشعر بالأسى لأنكَ لا تهتم بي، لدرجة أنني أريد الهرب). لن يعرف كيف يتصرف عندها.”
حدقت بي الطفلة طويلًا، ثم أدارت رأسها بوجه يقول: “ما هذا الكلام الغريب؟”
“كذب.”
“إنها الحقيقة.”
“أبي يكرهني. كلما حاولتُ الاقتراب منه…..”
“لا تحكمي قبل أن تجربي. جربي فقط وقوليها. أنا أقدم لكِ نصيحة.”
عند كلماتي عبست روكسيلين.
“أنت تظنين أنكِ الأتعس في هذا العالم، لكن الأمر ليس كذلك. في الحقيقة، أنتِ محظوظة.”
“أي سعادة؟ في ماذا أنا سعيدةٌ أصلًا…..!”
“مع أنكِ ضعيفة بهذا الشكل، إلا أن أحدًا لم يتخلَّ عنكِ. حتى دواؤكِ هناك من يعتني به. بل لديكِ أب، إن مرضتِ، يأتي فورًا إليكِ. فلماذا تصرين على أنكِ تعيسة؟”
سألتها بصدق.
في الحقيقة، كان ذلك السؤال الذي طالما رغبت أن أوجهه إلى نفسي في الماضي.
لماذا كنت أفكر هكذا يا ترى؟
“على كل حال، أنا لستُ ابنة أبي الحقيقية…..”
“وذلك أيضًا مجرد وهم في رأسكِ وحدكِ.”
“لكن كلما اقتربتُ منه، ينظر إليّ بوجه كأنه يرى شيئًا بغيضًا ويقول لي: لا تقتربي!”
صاحت الطفلة الصغيرة بأسنان مشدودة. أما أنا، فأخذت قطعة بسكويت بالزبدة بيدي وألقيت نظرةً سريعة عليها،
“هل سألته؟”
“ماذا؟”
“هل سألته فعلًا إن كنتِ لستِ ابنته الحقيقية؟ اذهبي واسأليه. قولي له أيضًا: (أنا أظن أنني أتعس إنسانة في العالم).”
بصراحة، ربما لو أنها قالت كلمةً واحدة فحسب لما انحرفت العلاقة إلى هذا الحد.
فشعرتُ بالأسف، بل بالاختناق.
“…..أنا أكرهكِ.”
“صدفةٌ جميلة، إذن نحن متفقان. صديقتان.”
“من صديقتكِ! أنت لا تصلحين حتى أن تُسمَّي صديقة!”
صرخت روكسيلين في وجهي، و وجهها قد شحب تمامًا وهي تلهث وتمسك صدرها.
حتى الخادمة القريبة بدت في حيرة شديدة، لا تدري ما تفعل.
‘أم أزيد الضغط قليلًا؟’
أحيانًا، لا بد من الصدمات القاسية. ولم يكن هناك ما يُلزم أن نصبح صديقتين أصلًا.
“روكسيلين.”
“اذهبي إلى بيتكِ!”
“هل تظنين أنه إذا واصلتِ اعتقادكِ أنكِ الأتعس في العالم، وظللتِ صامتةً تكتمين كل شيء، سيأتي يوم ويفهمكِ أحد؟”
ارتسمت على وجه الطفلة ملامح وكأنها ضُربت في الصميم. فاتسعت عيناها وقبضت كفيها بقوة.
فابتسمتُ. كنت واثقةً أنني أجيد هذا النوع من الابتسامة أكثر من أي أحد: الابتسامة التي تخدش القلوب.
“لا. لن يفهمكِ أحد.”
“…..!”
“ستعيشين طول عمرك وأنت تؤمنين أنكِ بائسة. وعندها فقط، بعد أن تخسري كل ما بين يديكِ وتبقي وحيدة، ستفهمين أن ما فقدتِه كان أثمن مما ظننتِ.”
كنت أعلم ذلك جيدًا…..لأني مررت به. وأنتِ، لأنكِ أنا، فأنا أعرف بالضبط ما يدور في رأسكِ الآن.
“أو استسلمي فحسب، روكسيلين.”
رفعت الطفلة رأسها نحو صوتي.
“لقد حصلتِ على كل شيء. هل كان لا بد أن تنالي الحب أيضًا؟ وأنتِ تُصرّين على أنكِ تعيسة، وتدفعين كل من يقترب بعيدًا، فمن في هذا العالم يمكن أن يحبكِ؟”
“أنا….هـه….هييك….هـخ….كح، كح….”
كأنها أصيبت بفرط تنفّس، وضعت يدها على فمها وبدأت تسعل بعنف، فيما انهمرت دموعها بغزارة على وجنتيها.
وفي النهاية، لم تحتمل الخادمة المشهد أكثر، فاندفعت مسرعة إلى الخارج.
طَطَطَطَطَطَط—
وسُمِع من الخارج وقع خطوات مسرعة قادمة. ففتحتُ فمي في التوقيت المناسب،
“على أي حال، كما قلتِ بنفسكِ، والدكِ لن يحب طفلةً مثلكِ أبدًا.”
“لا…..ليس صحيحًا….لا أريد…..”
تمتمت الصغيرة وهي تهز رأسها نافية.
“روكسيلين—!”
كووووانغ—!
وفي اللحظة ذاتها، فُتح الباب بقوة، واندفع والدها المبعثر الهيئة إلى الداخل ليضم ابنته إلى صدره بلا تردد.
__________________
زيرتي يحزن في اي شي يسويه😔💔
المهم روكسيلين تبي تصادق روكسيلين وذي اخرتها؟ 😭
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 156"