“بما أن ليلي جاءت بعد طول غياب، فلنكفّ عن إثارة الشجار. فلهذا السبب بالذات يُقال أن بيت الدوق ليس سوى أشبه بغابة.”
“انظر إلى حالكم أنتم. واحد لا يكف عن التسبب بالمشاكل خارجًا، وآخر جنّ جنونه رافضًا أن يكون وريثًا فاخترع معارك غير موجودة ليجوب بها هنا وهناك، وثالثٌ عاجز حتى عن ضبط قوته فيسبب الأذى للناس، والآن حبس نفسه في غرفته لا يفكر حتى بالخروج!”
ارتجفت عينا روكسيلين من وقع كلمات ديفون بيليون العنيفة. فقد بدا أن الجدّ الذي عرفته في ذاكرتها كان أكثر لينًا مما هو الآن.
لا يزال كئيبًا، باردًا، جافًا. أجل، كل شيء كما كان، لا فرق بين الحاضر وذكرياتها.
بل كان هذا التطابق تامًّا لدرجة جعل روكسيلين تشعر بضيقٍ أشبه بما شعرت به في ماضيها.
كانت تظن أن لقاءهم بعد طول فراق سيبعث في نفسها البهجة أولًا، لكن المفاجأة أن الاستياء سبقها.
استياءٌ من مشاهدة ذلك التجاهل يتكرر أمامها. استياءٌ من أن العالم الذي عادت إليه ليس هو ذاك الذي التقت فيه جيرون ويلبريد، بل هو “المستقبل الذي لم يكن فيه سعادة”.
فأدارت رأسها قليلًا. و خلفها، كانت طفلة ـ نفسها الصغيرة ـ واقفة مشدودة الأعصاب، عاجزة عن الحركة، تقبض بيديها حتى أبيضّت مفاصلها، ورأسها مطأطأ.
كان والدها يرمقها من طرف عينه كأنما يقلقه حالها، لكنه لا يجرؤ على الاقتراب منها، خشية أن يُقابل بالتجاهل.
وبينما راحت تنظر إلى نفسها من منظور الغريب، ساورها شعورٌ غريب.
‘الوضع ميؤوسٌ منه.’
فكرت روكسيلين بذلك شاردة.
لعلّ هذا الخراب في العلاقات، الذي بدا كأنه ضُرِب بقنبلة سحرية قديمة قادرة على تدمير قرية بأكملها، هو ما قضى على قدرة والدها الاجتماعية، ثم سلب مستقبلها هي أيضًا.
أجل، لقد كان أمرًا مكتسبًا لا فطريًّا.
التفتت روكسيلين إلى إيجيس بيليون، الذي كان لا يزال في فوران شبابه، يزمجر غاضبًا غير قادر أن يتجاوز الأمر بخفة كعمها المستقبلي.
“على أية حال، أنتم جميعًا لستم سوى قمامة. متى سيفعل كلّ واحد منكم مهمته على الأقل؟”
“آسفة يا جدي، هل أنتَ قمامة؟”
خرجت الكلمات التي كانت روكسيلين تفكر بها في رأسها فجأة.
“ماذا…..ماذا..…؟”
فنظر إليها من الأعلى وهو يحك أذنه كأنه يشك في أنه سمع خطأ.
“آه، أعتذر. لم أقصد ذلك. لقد كنت متوترةً جدًا فزلّ لساني.”
“آه…..قد يكون كذلك. يبدو أنني قد رفعت صوتي أكثر من اللازم أمام فتاة صغيرة.”
“إذاً، إن كان أولئك الموجودون هناك قمامة، فهل يعني أن الدوق الجد هو ملك القمامة الذي أنجب القمامة؟”
حين سألت روكسيلين وهي تميل برأسها قليلاً، غرقت غرفة الاستقبال في سكون ثقيل حتى أن الخدم الذين كانوا يراقبون فتحوا أفواههم من الدهشة.
“ماذا؟”
حتى الخادم الشاب دين كان ينظر إليها بملامح مصدومة.
“فكّر بالأمر. أنتَ قلتَ أن أولئك السادة قمامة، صحيح؟”
“نعم..…”
أومأ برأسه بتردد.
“لكن بما أن الإنسان يُسمى إنسانًا إذا أنجب طفلًا، والكلب يُسمى كلبًا إذا أنجب جراءً، إذن لكي يُدعى أولئك السادة قمامة، أليس من الواجب أن يكون الدوق نفسه قمامة أيضًا؟”
“ماذا..…؟”
“آه، إذاً بما أنكَ والد القمامة، فأنتَ ملك القمامة؟”
“لا، هذه الطفلة…..ما الذي تتفوه به فجأة..…”
نظر ديفون بيليون إلى تلك الطفلة الصغيرة، الصغيرة جدًا واللطيفة، وهو يرمش ببطء غير قادر حتى على الغضب من شدة الذهول.
“فالابن لا يمكن أن يولد من دون والدَين.”
“لا، قصدي هو…..”
“إن شتم المرء لأبنائه يشبه شتم نفسه، فلماذا تقول مثل تلك الكلمات القاسية؟ هل لديكَ هوايةٌ في تحقير ذاته؟”
توقف ديفون بيليون لحظةً متأثرًا بكلمات روكسيلين التي أصابت كبد الحقيقة.
و نظر إلى ابنته ليلي بيليون المرتبكة بدورها، ثم أعاد بصره إلى الطفلة.
خيم الصمت على صالون الاستقبال في لحظة. فقد كان غريبًا أن طفلة صغيرة تقول بكل برود ما لم يجرؤوا هم أنفسهم على قوله.
عندها شعرت بشعورٍ بالانتعاش؟ أم بالانتصار؟ أم بشيء غريب لا يوصف؟
“كخ…..كهاهاهاها!! ما هذا؟ هذه الصغيرة تتكلم بجرأة مذهلة. يا رجل، أول مرة أرى والدي هكذا عاجزًا عن الكلام.”
ثم انفجر إيجيس بيليون ضاحكًا.
لم يستطع أن يتدحرج على الأرض لكنه راح يترنح ممسكًا بطنه وهو يتكئ على الحائط ويقهقه بشدة حتى بدا وكأنه مجنونٌ قليلًا.
على أي حال، لم تكن روكسيلين تريد أن تصدق أنها بسبب هذه العلاقات العائلية ستغدو في المستقبل نسخةً كئيبة من أبيها المظلم، خاليةً من أي حياة اجتماعية.
و في الحقيقة، كانت تريد أن تغيّر ذلك.
“جدّي الدوق، أؤكد لكَ أنه إذا ربيت أبناءكَ بهذا الشكل فستفشل فشلًا ذريعًا في تربيتهم.”
قالت روكسيلين ذلك بوجه جاد.
و كان ذلك نصيحةً صادقة منها.
“هاه.…؟”
“أحدهم سيدّعي التفوق وسينضم إلى منظمة إجرامية ليغرس مسمارًا في قلبكَ، والآخر سينشأ كئيبًا وسيُربي بدوره ابنةً كئيبة مثله. وسيُقال عن كليهما إنهما لا يملكان أي قدر من المهارات الاجتماعية. أما الباقيان فسيكبران ليصيرا متمردين لا يسمعان الكلام ويجادلان باستمرار ويعيشان كما يحلو لهما.”
كانت تقصد بالترتيب: إيان بيليون، و زيرتي بيليون، ثم نفسها مع إيجيس بيليون.
“ولماذا كل هذا التفصيل يا صغيرة؟”
تمتم إيجيس بيليون وقد شعر بدوره بقليلٍ من الوخز في قلبه.
“القمامة تُسمى قمامة، فبأي اسم آخر يمكن أن تُسمى..…؟”
“ولهذا، إذا كان الجد الدوق ملك القمامة، فأبناؤه الثلاثة الخارجون من صلبه قمامة أيضًا.”
قالت روكسيلين ذلك وهي تلقي نظرةً جانبية نحو ديفون بيليون.
“أتقرّ بذلك؟”
“وهل تظنين أنني سأقر بذلك؟! أنظروا إلى هذه الطفلة! لا تفرّق بين ما يصح وما لا يصح أن يقال أمام الكبار..…!”
صرخ ديفون بيليون بوجه عابس مخيف حتى أن هيبته كانت كفيلة بأن تقشعر لها الأبدان. لكن روكسبلين، وإن شعرت بالخوف، لم يظهر ذلك على ملامحها.
فجسدها ووجهها يتجمّدان ببساطة لا أكثر.
“هل قلتُ ما لا ينبغي قوله؟”
“وهل من اللائق أن تنعتي أحد الكبار بالقمامة؟!”
“أكان الأمر مزعجًا لسمعكَ؟”
“طبعًا..…!”
لكن ديفون بيليون توقف فجأة عن الكلام. و قد شعر بنظرات أبنائه من خلف الطفلة تحدّق فيه مباشرة.
“لكن، جدي…..لماذا تقول مثل هذه الكلمات إذاً؟”
“….…”
فتح ديفون بيليون فمه وكأنه قد تلقى ضربةً قوية في مؤخرة رأسه، لكنه لم يتمكن من إخراج صوت فأغلقه من جديد.
“المشكلة أنكم لا تؤدون ما يُطلب منكم. أنتم أشخاص لا تقومون حتى بواجب شخص واحد..…لكن ذلك يُفسَّر عادةً بأنه: (كنتُ أعقد عليكم آمالًا، لكنكم خيبتم ظني فأشعر بالحزن)، أليس كذلك؟”
“ماذا…..؟”
لقد تعلمت روكسبلين بعض الأمور بعد دخولها إلى بيت دوق بيليون. وهو أن عند هؤلاء البشر غير الصريحين دائمًا حقيقة خفية خلف كلماتهم.
كما اكتشفت أن قول والدها الدائم “لا تسبّبي إزعاجًا” كان في الحقيقة تعبيرًا عن قلقه عليها بطريقته الخاصة.
“ليلي، ما شأن هذه الطفلة بالضبط؟”
“همم……هي طفلةٌ تُصيب كبد الحقيقة كل مرة؟”
أجابت ليلي بيليون وهي تدور بعينيها.
عندها جلس إيجيس بيليون القرفصاء أمام روكسيلين وأخذ يقرص خدّيها بأصابعه،
“كيف حصل ويلبريد ذاك على ابنة تشبهه بالضبط هكذا؟”
“أوغ..…”
فشعرت روكسيلين بغثيان.
“ماذا؟”
“الماركيز يملك علاقة مميزة مع روكسي. إنهما يتشاجران دائمًا بشكل ملحوظ.”
‘لا، ليس مجرد شجار…..الأمر حقيقي وصادق.’
لكن روكسيلين لم تستطع أن تقول ذلك بصراحة.
“…..كفى، كفى. ما الفائدة من الإطالة في الحديث مع طفلة صغيرة. على كل حال…..بما أنك ساعدتِ ابنتي، فمن الطبيعي أن أمنحكِ شيئًا كمكافأة.”
“نعم.”
“ماذا تريدين؟”
“همم، أي شيء ممكن؟”
أومأ ديفون بيليون برأسه وهو يسند ذقنه بيده. فقد كان يظن أنه في أسوأ الأحوال ستطلب شيئًا بسيطًا لا يسبّب إزعاجًا.
“إذاً، أرجو أن تُقرضني بعض المال بلا فائدة، غير مكافأة العثور على الآنسة. لا أريد أن أمد يدي لذلك الأب اللعين. وأيضًا…..هل يمكنني أن آتي لزيارتكم كثيرًا هنا؟ آه، فأنا أريد أن أصبح صديقةً لروكسيلين بيليون. وربما أبقى للمبيت أحيانًا، لذا لو خصصتم لي غرفة ضيوف خاصة سيكون ذلك رائعًا.”
انهمرت طلبات الطفلة دفعةً واحدة دون أن تأخذ حتى نفسًا، فما كان من ديفون بيليون إلا أن أسقط ذراعه المسنودة وفتح فمه على وسعه من الدهشة.
وساد الصمت في الغرفة مرة أخرى، و لا أحد يعلم أبداً كم مرة تكرر ذلك.
_________________
روكسيلين للتربية والتعليم للمره مدري كم😂😭
المهم روكسيلين قايلة الفصل الي فات ان ابوها اصغر توقعت تو ولد طلع توني اتذكر هو اصلاً جاب روكسيلين وهو تو عمره مب كبير 🥲
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 155"