استمتعوا
“لا داعي للقلق كثيرًا، آنسة بيليون.”
“آه، حضرة الماركيز ويلبريد!”
“الأمر الذي يشغلكِ لن يحدث، فلا تقلقي.”
عندما قال جيرون ذلك بابتسامة خفيفة، اتسعت عينا ليلي بيليون ثم ابتسمت بخجل.
“آه…..عذرًا، مررت بالصدفة وسمعتكما تتحدثان، فوجدت نفسي أتجسس دون قصد.”
“لا بأس، لا مشكلة على الإطلاق.”
“على أية حال، لقد أوصلتُ الرسالة مسبقًا وشرحت الوضع أيضًا. تادوق بيليون كان غاضبًا جدًا. بالطبع ليس منكِ، بل من الطرف الآخر.”
“آه….والدي كان غاضبًا…..”
“قال أنه يريد رؤيتكِ بأسرع وقت، حتى إنه أصرّ على القدوم بنفسه. لكن بسبب الوضع هنا، ولأن حالتكِ الصحية لم تكن مستقرة، اعتذرتُ عنه بدلاً منكِ…..”
اتسعت عينا ليلي أكثر، وراحت تضمّ يديها المرتجفتين برفق، ثم أومأت برأسها.
“يبدو أنكِ تملكين عائلةً طيبة. فلا داعي لأي قلق.”
“…..نعم! شكرًا لك على كلماتكَ، لقد شعرت بالاطمئنان فعلًا.”
أمام هذا الجو الهادئ والدافئ الذي بدأ يسود أكثر مما كان عندما كانت روكسيلين تتحدث، تغيرت ملامح وجه روكسيلين بشكل طفيف.
وعندما قطبت جبينها ونظرت إلى جيرون، ابتسم بخفة وحرك شفتيه بصوت خافت.
“على ما أرى، لا تزال ابنتنا بعيدةً عن هذه الأجواء.”
“…….”
قطبت روكسيلين حاجبيها بضيق ووضعت يدها على جبينها بإحباط.
“آنسة بيليون، جئتُ لأساعدكِ في الاستعداد.”
“آه…..الاستعداد؟”
“فكرتُ أنكِ ترغبين في الظهور بمظهر جميل عند لقاء عائلتكِ بعد كل هذا الوقت. أرجو ألا أكون قد تدخلت فيما لا يعنيني؟”
“لا! ش، شكراً جزيلاً لكَ ماركيز.”
احمرّت وجنتاها من شدة المفاجأة، ثم انحنت برأسها ممتنة.
ثم ودّعت ليلي جيرون أكثر من مرة وهو يغادر أولًا، بينما كانت روكسيلين تتبعه خارجًا وهي تعقد حاجبيها بضيق.
“برأيكَ، ما الفرق بيني وبينكَ؟”
“…..رجاءً، لا تُقارنيني بكِ من الأساس. فكرة أن يُقارَن المرء بكِ أمرٌ يجرح الكرامة.”
قال جيرون ذلك بوجه مملوء بالنفور.
“نصائحكِ دائمًا فظة ومباشرة أكثر من اللازم.”
“وما المشكلة في ذلك؟ إنها نصائح واقعية.”
“لكن أحيانًا، يكون ما يحتاجه الناس هو كلماتٌ مريحة، كلمات تمنحهم طمأنينة.”
أمالت روكسيلين رأسها وهي تعقد جبينها.
“أرى أنني أفضل من أن أكون شخصًا يوزع اللطف والعاطفة على الجميع دون تمييز، مثلكَ.”
نظر إليها جيرون، وكأن كلامها أثار استغرابه، فتابعت وهي تهز كتفيها،
“أؤكد لكَ، لو كنتُ أنا الآن في مكان الآنسة هايد، لكنت قد انفصلت عنكَ منذ زمن.”
“…..همم؟”
“المرأة لا تحتاج رجلًا يكون لطيفًا مع الكلاب والقطط وكل من هبّ ودبّ.”
“الكلاب والقطط…..؟ على كل حال، إن نظرنا للأمر بدقة، فهي من عائلتكِ أيضًا.”
“قلت لك، تخيّل نفسكَ من وجهة نظر الآنسة هايد.”
توقف جيرون قليلًا عند كلمات روكسيلين.
“قد أكون أقل منكَ في المهارات الاجتماعية، لكن يبدو أنني أفهم قلوب النساء أفضل منكَ، يا أبي اللعين.”
قالت روكسيلين ذلك مبتسمة، فنظر إليها جيرون، إلى تلك الطفلة الصغيرة التي لم تصل حتى إلى مستوى خصره، بنظرة مشوشة وكأنه لم يفهم بعد.
“ماذا تقصدين؟”
“سأستعد للذهاب إلى قصر الدوق.”
لوّحت له بخفة ثم ركضت نحو غرفتها، تاركةً إياه خلفها.
كانت خطواتها قصيرة وسريعة، لكنها لا تقطع الكثير، فبخطوتين أو ثلاث منه يمكنه اللحاق بها بسهولة.
“……..”
راح جيرون يتأمل بصمت ظهر الفتاة وهي تبتعد، ثم استدار بهدوء متوجهًا إلى غرفة سيلينا.
حين يشعر المرء بشيء من القلق، فإن مواجهة الشخص والنظر في وجهه قد تكون أفضل طريقةٍ لاستطلاع ما يخفيه.
جيرون، وإن لم يكن يفهم مشاعر النساء تمامًا، إلا أن خبرته الطويلة وحدسه جعلاه لا يتجاهل الشعور المزعج والقلق الذي تسلل إلى ذهنه، فسارع بالتصرف.
***
“ليلي…..!”
“أبي…..”
نهض الدوق بيليون، ديفون بيليون، من مقعده بوجهٍ حادّ، وتقدّم بخطى واسعة نحو ليلي ليضمها بقوة إلى صدره.
كان يبدو أكثر رُعبًا عندما كان شابًا…..فحين شابت خصلات شعره، خفّ أثر هيبته قليلًا، لكن بعد أن عاد إلى لونه الأصلي، ازداد ثقله وهيبته من جديد.
ببساطة…..كان مرعبًا.
“آه، أبي…..”
لم تبكِ ليلي بليون منذ أن فتحت عينيها، لكنها أخيرًا، بين ذراعي والدها، انفجرت باكيةً وكأنها تنفّست الصعداء للمرة الأولى.
و رغم أن ملامح ديفون بيليون بقيت صارمة، إلا أنه ربت على ظهر ابنته بيده الخشنة المرتبكة.
“ههه…..آه…..”
“من الرائع أنكِ بخير. حقًا…..أنا ممتنٌ أنكِ عدتِ سالمة…..”
رغم أن وجهه قاسٍ، وصوته جاف، وتصرفاته جامدة، لم يكن من الصعب على روكسيلين أن تدرك أن ديفون بيليون كان غارقًا في مشاعر صادقة وعميقة.
“…..ليلي.”
عندما سُمع هذا النداء الخافت، التفتت روكسيلين برأسها. كان إيان بليون واقفًا، وفمه مفتوحٌ من الصدمة.
وحين نظرت حولها، رأت أن هناك الكثيرين قد اجتمعوا؛ يبدو أن خبر عودة الابنة المفقودة قد دفع عائلة بيليون جميعًا للحضور.
وكان من بينهم، في أحد الزوايا، طفلٌ يبدو كئيبًا وقلقًا، جالسًا إلى جانب رجل شابّ — نسخة أصغر من أبيها.
“…..حسناً، أهي من عثرت عليكِ؟”
قال ديفون بيليون ذلك بعد أن هدّأ ابنته التي ظلّت تبكي طويلًا، ثم أجلسها إلى المائدة، ووجّه نظره إلى روكسيلين.
“مرحبًا، أنا روكسي…..ويلبريد.”
رغم أنها لم تكن ترغب بذلك، إلا أنه بما أنها الآن من عائلة ويلبريد، كان لا بد من تقديم نفسها باسم العائلة.
“نعم، سمعت أنكِ خرجتِ في نزهة إلى الجبل فوجدتِ كوخًا وذهبتِ إليه…..”
“نعم.”
“وقيل أنكِ تصديتِ لقطاع الطرق وأنقذتها بنفسكِ.”
هزّت روكسيلين رأسها ردًّا على كلمات ديفون بيليون.
“شكرًا لأنكِ لم تتجاهلي ابنتي وأنقذتها.”
“نعم.”
أجابت ببساطة وهدوء على شكره.
“أوه، ليلي! مضى وقتٌ طويل، وأختنا الجميلة صارت أجمل مما كانت عليه.”
قال إيجيس بيليون ذلك، الذي بدا أصغر سنًا وأكثر تهورًا، ففتحت ليلي عينيها من المفاجأة، ثم انفجرت ضاحكة.
“وأنتَ أيضًا كبرت كثيرًا.”
“ليس سهلًا، أتعلفين؟ ما كنتُ لأنمو بهذا الشكل لولا الضرب اليومي.”
“ألن تغلق فمك؟”
“ما المشكلة؟ لم أقل شيئًا خاطئًا، أليس كذلك؟ لقد كنتَ تستعملني كمجسم تدريب تضربه كلما شعرت بالملل.”
“قلت لكَ أن تُغلق فمك! لو كنتم تؤدّون واجباتكم كما ينبغي، لما اضطررتُ إلى أن أرفع صوتي!”
“تبًا، وهل تتوقع من طفل رضيع أن يبدأ الركض فور ولادته؟ والآن ستبدأ حفلة الصراخ؟”
بدأ الشجار يتصاعد بين إيغجيس بيليون ووالده ديفون بيليون بصوت مرتفع وكلماتٍ مباشرة بلا تصفية.
فرمشت روكسيلين بعينيها وهي تراقب هذا الحوار الخام بين الأب والابن.
‘آه، إذًا هذا اللين الظاهر جاء مع التقدّم في السن، ليس أكثر.’
صحيحٌ أنه دوق ويحكم البيت فعليًا، لكن ديفون بيليون وُلد خارج إطار الزواج، وكان يعيش حياة شوارع قبل تسجيله رسميًا ضمن العائلة.
لذا في الحقيقة، لم تكن أصوله تختلف كثيرًا عن مشاغبي الأزقة الخلفية.
‘وقد سمعت من قبل أن بيت الدوق فقد شيئًا من هيبته منذ أن ورث هو اللقب…..’
بالفعل، هو لا يختلف عن مرتزقة الشوارع بشيء.
وفجأة، بدأت روكسيلين تدرك لمَ والدها يكره لقاء عائلته لهذه الدرجة.
___________________
بنت ابوها😂
بس قاعدين يتهاوشون قدام اختهم الي توهم لاقينها؟ تـء تـء
وايان شكله للحين مصدوم😭
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: دانا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات