استمتعوا
“أهذه هي؟”
روكسيلين، التي كانت تحمل سيفًا على ظهرها لأنها كانت قصيرةً جدًا بحيث لا يسعها أن تربطه حول خصرها، أمالت رأسها قليلًا.
لقد جاءت اليوم لتنفيذ الخطوة الأولى من خطتها.
حصلت على المعلومات بتهديد جيرون ويلبريد، وسرقت السيف من مخزن جيرون ويلبريد.
حسنًا، بما أنّها قد اعترفت بالسرقة علنًا، فربما لا تُعد سرقة بكل معنى الكلمة.
“آنستي، ذلك الجانب خطير عليكِ.”
حين اقتربت من جرف الجبل، صرخ الفرسان بفزع.
“لا بأس.”
“آنستي، ذلك الجانب خطير أيضًا…”
لماذا كل مكان أذهب إليه خطير؟!
نظرت روكسيلين إليهم بنظرة حادّة، فأطبقوا أفواههم.
مرّ شهران منذ وصول روكسيلين إلى العاصمة.
تعلّمت السيف من جيرون ويلبريد كما وعدها. والعجيب أنّها، التي لم تمسك سيفًا من قبل، كانت تتعامل مع السلاح وكأنّه جزءٌ من جسدها، وكأنّها وُلدت به.
لم يكن من الصعب على روكسيلين أن تدرك أنّ هذا من حماية سانسار.
وفي الوقت نفسه، لم يكن بوسع من يبارزونها إلا أن يدركوا قوّة روكسيلين التي تفوق البشر.
“إنها هنا.”
توقفت الفتاة عن السير، وتفحّصت المعلومات والخريطة التي حصلت عليها من جيرون ويلبريد بعناية، ثم تنهدت بهدوء.
كوخٌ مهترئٌ عتيق على سفح جبل منعزل.
‘عمّتي هنا…’
مسحت الفتاة وجهها ببطء، وتأمّلت الكوخ القديم طويلًا، ثم فتحت الباب بحذر.
صدر صوت صريرٍ قديم من المفصلات، وفي الوقت نفسه جاء صراخ من خلف الكوخ. “من هناك؟”
أدارت روكسيلين رأسها بعد أن فتحت الباب، فرأت مرتزقةً ذوي وجوهٍ عابسة يحدّقون بعيونٍ حادّة.
“ماذا؟ أيتها الطفلة، ألم تُخبرك أمّك ألا تدخل البيوت الفارغة دون إذن؟”
“أجل.”
“…ماذا؟”
“ليس لدي أم.”
قالت روكسيلين ببرود.
وبالمعنى الدقيق للكلمة، فقد ماتت منذ زمن بعيد، فلم تكن حيّة.
المرتزق الذي كان يسخر منها تلعثمت شفتاه من وقع كلماتها التي خرجت بطبيعية.
“…أوه، حقًا. أنا آسف لذلك…”
“أيها الأحمق المجنون، لماذا تعتذر؟”
بانغ!
ضرب أحدهم مؤخرة رأس الرجل المعتذر بقوّة.
سحبت روكسيلين السيف الذي كان على ظهرها.
فتغيّرت وجوه الفرسان الذين أتوا لمرافقتها بأمرٍ من جيرون ويلبريد.
“لا، لا آنستي.”
“أجل، هذا صحيح. سنتولّى الأمر.”
“إن أصبتِ يا آنستي، فكيف ستكون مشاعرنا؟”
“وإن خُدش وجهك الجميل، فقد ينفطر قلبي.”
اهتزّت أكتاف روكسيلين تحت وابل الكلمات المعسولة التي دغدغت أذنيها.
نظرت روكسيلين إلى الفرسان الأربعة بنظرة استياء، ثم ضيّقت عينيها.
“هل هذا صحيح؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“حسنًا. فما هي نيتكم الحقيقية إذن؟”
سألت روكسيلين بعدما أبعدت يدها عن مقبض السيف.
“إن أصابك يا آنستي أي مكروه، فسنتعرّض لتدريب جهنميٍّ من جديد، وسيقوم سعادة الماركيز بضربنا كالمطرقة بابتسامةٍ على وجهه، لذا نرجوك أن تُنقذينا…”
بصوتٍ أقرب إلى التوسّل خرج ذلك الشرح المطوّل بطبيعية، فخدشت روكسيلين خدّها.
لقد أصبحت روكسيلين قوية كالكالوتين بفضل حماية سانسار، يضاف إلى ذلك طبيعتها الشرسة الأصلية، وقد امتلكت الآن القدرة على تنفيذ كل ذلك بمفردها.
وبفضل هذا، أصبحت روكسيلين تتجوّل بلا تردّد وتُصاب كثيرًا.
غير أنّ المشكلة أنّ جيرون ويلبريد أصبح في هذه الآونة بؤرة الحديث في المجتمع الراقي.
نبيلٌ خرج عن المألوف، يعيش مع خطيبته دون زواج.
وتبنّى يتيمة كانت تجوب الشوارع، وحتى بعد أن ورث لقب الماركيز، كان كل مشروعٍ يلمسه يتحوّل إلى نجاحٍ باهر.
حتى غدا الأمر أنّه إن استثمر جيرون ويلبريد في شيء، بادر النبلاء الآخرون للاستثمار فيه كذلك.
لذلك كان من الطبيعي أن تتوجّه إليه أنظار كثيرة.
وفي الوقت ذاته، كان الاهتمام ينصبّ حتمًا على خطيبته الانسة سيلينا هايد، وعلى روكسيلين، اللتين كانتا عزيزتين على جيرون ويلبريد.
هل تبنّى الماركيز يتيمة فجأة؟
وهل يُفلح في كل مشروع يلمسه؟
كانت هناك روايات من ذوي الخيال الجامح تربط بين هاتين الحقيقتين جزافًا.
إمّا أنّ اليتيمة المتبنّاة تمتلك قدراتٍ عظمى، أو أنّها تملك “الهاوية” التي تجلب الحظ. وكانت الشائعات تتردّد بلا انقطاع.
ولم يكن هذا فحسب.
بل حتى شائعات بأنّ نجاح أعمال جيرون ويلبريد إنما يعود للفتاة، ممّا يعني أنّ المجتمع لم يعرف يومًا السكون.
ومع اتساع رقعة هذه الشائعات، لم تكن حياة روكسيلين هادئة كذلك.
فقد قام بعض من تساءلوا عن هويتها بخطفها ذات مرّة.
لكن روكسيلين، مع أنّها كان بمقدورها الهرب، لم تهرب، بل سمحت لنفسها أن تُختطف، ثم سحقت خاطفيها وعادت.
ثلاث مرّات اختطاف.
وتجاوز عدد المشاجرات العشرة.
حتى دعوات حفلات الشاي كانت تنهال على سيلينا يوميًا كالجبال.
جيرون ويلبريد، الذي لم يُرضه هذا الوضع، أرسل حراسة خاصة لروكسيلين.
لكن المشكلة أنّ روكسيلين كانت تتجاهل هذه الحراسة وتتهوّر وحدها.
لقد كانت مريضة دائمًا طوال سبعةٍ وعشرين عامًا، لم تتوقف خلالها عن تعاطي الأدوية.
ولهذا، كانت تشعر برضا غامر عن الأفعال التي تتضمّن ضيق التنفّس حتى يُؤلمها حلقها، والتلويح بالسيف بيدٍ واحدة، وسحق من لم يكن بوسعها قهرهم بالقوة.
حتى أصبحت تجوب دون أن تعبأ بالحراس جميعًا.
جيرون ويلبريد، الذي لم يعُد قادرًا على تحمّل ذلك، كفّ عن توبيخها.
وبدلًا من ذلك، أخذ يوبّخ الفرسان الذين أوكل إليهم حراستها.
وكأنّه يقول لها. “أحسني التصرّف إن كنتي لا تريدين أن يُوبخوا.”
“إنه محتال بارع فعلًا.”
لقد استغل حقيقة أنّ روكسيلين لم تكن تحب إيذاء الآخرين كثيرًا.
“حسنًا. سأدخل إذن.”
“أجل! ادخلي مطمئنة واسترخي، فنحن سنتولّى كل شيء.”
صرخ قائد الحراس الحالي بأعلى صوته.
وكانت عيناه تعبّران عن رغبة يائسة في أن تدخل.
‘ما هذا الوجه الذي ينظر إليّ وكأنني قنبلة موقوتة…’
خدشت روكسيلين رقبتها وقد اعترى ملامحها بعض الضيق، ثم نظرت إلى الفرسان الذين وقفوا أمامها كالجدار.
حين فتحت باب الكوخ العتيق ودخلت، كان أول ما شعرت به هو الهواء البارد.
لم تكن هناك آثار كثيرة تدلّ على حياة بشرية في ذلك الكوخ القديم.
كل ما كان فيه سرير في الزاوية، ونافذة بستارة.
ومطبخ صغير وطاولة صغيرة.
حتى المطبخ كان مغطى بطبقة كثيفة من الغبار، وكأنّه لم يُستعمل منذ زمن طويل.
أما الطاولة فكانت تحمل آثار جلوس أحدهم عليها.
تحرّكت روكسيلين بخطواتها الصغيرة على نحوٍ مستمر، وجالت في المكان كلّه، ثم تنهدت بعمق واقتربت من السرير.
كانت هناك امرأة مستلقية على السرير، لا يكاد يُحسّ بوجودها، لدرجةٍ يُمكن اعتبارها ميتة لولا صعود صدرها وهبوطه بخفوت.
‘وجدتكِ أخيرًا.’
خفق قلبها بنبض الإنجاز.
ليلي بيليون.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 148"