في اليوم الذي أتمّت فيه أسبوعين منذ وصولها مع جيرون ويلبريد إلى مقاطعة الكونت، أتيح لروكسيلين أن تصعد أخيرًا إلى العربة العائدة.
“…ما هذا؟”
“لقد قرّرنا أن نعيش معًا.”
“…ماذا؟”
تجمّدت مكانها.
أليس هذا تسارعًا مفرطًا؟!
أي أحداث وقعت في غضون أسبوعين فقط حتى آل الأمر إلى هذا؟!
ماذا فعلتِ ايتها الماركيزة حتى وصلتِ إلى مثل هذه النهاية المستعجلة؟
تراكمت الكلمات في حلقها كجبل، لكنها لم تستطع أن تتفوه بشيء. فاكتفت بمسح وجهها ببطء، ثم رمقت بطرف عينها الرجل الجالس قُبالتها، جيرون ويلبريد، وإلى جانبه سيلينا هايد.
قالت متردّدة.
“ألـ… ألن يكون وجودي مزعجًا لكم؟”
فأجابها.
“لا، ليس الأمر كذلك…”
لو قالت لهم بصراحة إنّ ما يؤلمها هو حياتهم التي تبعث على الرثاء، لكان ذلك ضربًا من الوقاحة. ثم إنّ ابتسامة جيرون التي ازدادت عمقًا جعلتها تعدل عن متابعة حديثها.
تمتمت في خفوت.
“…أليس الأمر أسرع من اللازم في غضون أسبوعين فقط؟”
فأجابت سيلينا بابتسامة مطمئنة.
“لا بأس، فقد رأيت أنّ جيرون رجل يمكن الوثوق به.”
لا، إنّه آخر من ينبغي أن يُؤمَن جانبه على وجه الأرض!
وأضافت سيلينا.
“وفضلاً عن ذلك… وجدت نفسي أريد ذلك.”
وهل تُبنى الحياة على. “وجدت نفسي أريد ذلك”؟!
فانفلت من صدر روكسيلين ضحك ساخر ممزوج بالضيق. الكلمات المتكدسة في حلقها أبت أن تخرج، إذ في نهاية المطاف، كانت كفّة القوّة في هذه العلاقة تميل إلى جيرون ويلبريد، على الأقل حتى تنجح هي في تأسيس مشروع خاص أو استثمار يمكّنها من الاستقلال.
عليّ أن أصل إلى العاصمة سريعًا، وأخوض غمار التجارة أو الاستثمار.
في قصر الكونت، كانت رؤيتها اليومية المعتادة لا تعدو أن ترى جيرون إلى جوارها أينما ولّت، وكان ذلك يستنزف صبرها.
…الحب!
لو أنّها تملك جسدها الحقيقي، هل كانت لتعيش حبًا طبيعيًا منذ البداية مع أرما؟ هل كانت لتهمس له بكلمة أحبك التي لم تقلها من قبل؟ لقد كان دومًا المبادر بالكلام، فلو بادرت هي هذه المرّة لعلّ مجرى حياتهما تغيّر.
ولو فعلت ذلك منذ البدء، فهل كنا لنصير مختلفين؟
شعور طفيف بالأسى أخذ يتسرّب إليها. بيد أنّها لم تملك يقينًا. ثم إنّ ما يفعله جيرون لم يكن يُحسب تصرّفًا سديدًا.
إن غاب عن الوجود، فماذا عساه أن يفعل؟
أطرقت برأسها تفكر مليًّا.
قال جيرون بهدوء.
“إن شعرتِ بالتعب، فأخبِريني فورًا، سيلينا.”
فأجابت.
“آه… أنا قلقة على روكسي أكثر من نفسي.”
قال بابتسامة ساخرة.
“أما هي فستكون بخير.”
حتى كلامه لا يزينه بحسن لفظ!
رمقته روكسيلين بغضب، فما كان منه إلا أن ضحك بخفوت وعبث بخصلات شعرها.
“أترين؟ ربما لصغر سنّك، صرتِ كتابًا مفتوحًا، تُرى كل مشاعرك على ملامحك.”
“…ليس صحيحًا.”
“وكذلك حديثك، اصبح مباشرًا، حادّ العاطفة.”
قالها وكأنه يبرز برهانًا، فما كان من روكسيلين إلا أن قطّبت جبينها. أجل، مزاجها اصبح سريع الانفعال، ودموعها تترقرق بسهولة، وحدّة انفعالها بلغت حدّ الشرر، لكن…
أتُرى لمجرد أني أصبحت طفلة يتغير كياني إلى هذا الحد؟!
مرّرت كفها في شعرها وألقت بنفسها على ظهر المقعد قائلة.
“سأنام.”
“روكسي، هل أحضر لك بطانية؟”
“لا، لا حاجة… أنا قوية…”
وما لبثت أن سقط فوق جسدها معطف ثقيل كبير حتى غطّى وجهها. أزاحته متبرّمة، فبدا جيرون وقد خفّت ثيابه، يهز كتفيه بلا اكتراث.
“غطّي نفسك به ونامي.”
أرادت أن تصرخ. لا تعاملني كطفلة! لكنها لم تفعل لما رأت سيلينا بجانبه، فاكتفت بأن التحفت بالمعطف كغطاء.
…ما دام أنه بعد إنهاء شؤونه سيأخذنا إلى العاصمة، فليكن.
كانت تقرأ الصحف يوميًا، ولم تر فيها ما يُذكر من حوادث. أغمضت عينيها، وبدا أنها غفت، فمالت سيلينا هامسة.
“إني متشوّقة.”
“لأي شيء؟”
“لرؤية مقاطعة جيرون وقصره… ولأننا سنكون معًا دومًا.”
“… أفهم، فهذا مطمئن إذن. وإذا احتجتِ شيئًا، فلا تترددي في طلبه، وسأوفّر لك كل ما تحتاجينه.”
ثم أخذ يدها برفق، وطبّع قبلة خفيفة على ظهرها.
فقالت مضطربة.
“لكن… إنّ روكسي معنا.”
فابتسم هامسًا.
“قبّلت يدك فحسب.”
ضحكت سيلينا خجلاً، ثم حرّكت يدها مرتبكة. فما كان منه إلا أن تراجع مبتسمًا.
“يسرّني أنّك لا تمانعين وجودي بقربك.”
“آه… بالطبع لا. ولذا وافقت حين دعوتني للذهاب معك.”
“إذن، فهذا يكفيني.”
نظر إليها، إلى زوجته في الماضي، وهي تبتسم له من جديد بابتسامة لم يرها منذ أمد بعيد، فاستشعر قلبه رجفة غريبة.
قالت هامسة.
“شكرًا لأنك أخذتني معك… أحبك، جيرون.”
توسّعت عيناه في دهشة، ثم انفجر ضاحكًا بخفة، وانحنى ليقبّل خدّها قبلة رقيقة.
“سيلينا.”
“نعم؟”
“إني أحبك.”
همس في أذنها، فاشتعل وجهها حمرة.
…أيتها الحياة الملعونة.
كانت روكسيلين، التي لم يغمض لها جفن بعد، قد أحكمت إغلاق عينيها أكثر، متعهدةً في سرّها أن تبدأ مشروعها لتنال استقلالها بأسرع وقت.
لحسن الحظ، ساد الصمت أخيرًا، وما لبثت أن أخذها النوم، فانساب نفس متقطّع من صدرها. التفت جيرون إليها، فرأى الطفلة وقد غطّت نفسها بطرف معطفه، فارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، ما لبثت أن تلاشت.
***
في المساء، قال جيرون بلطف.
“تصبحين على خير، سيلينا.”
“…سيدي الماركيز.”
“قلتُ لكِ، ناديني جيرون.”
وأدار وجهه إليها، فإذا الفتاة المرحة التي كانت تفيض حيوية في النهار قد غابت، وحلّت مكانها زوجة الماركيز بوجه متجهّم، يخفي خلف جفافه قلقًا لا يُخفى.
كان الجسد نفسه، لكن المكنون تغيّر.
قالت ببطء.
“إذن ما قلته كان حقًا.”
“أتظنين أنّي كذبت؟ قسوة منكِ يا زوجتي.”
“ليس الأمر كذلك… لكن كان من الصعب تصديق ما سمعت.”
كانت تجيبه بعينين شارِدتين، بينما هو يشرح لها أنّه بعد أن أعاد روكسيلين إلى عالمها، عاد هو إلى هذا العالم ليجد نفسه أمامها. وما دام هو واحدًا وحيدًا، فلا يمكن أن يوجد في عالمين معًا، لذا وجب أن يختار. إمّا زوجته السابقة، أو روكسيلين.
أما روكسيلين، فهي طفلة تعرف كيف تشق طريقها حتى بدونه، وإن تعثرت قليلًا ستنهض سريعًا. والماركيزة، إن اختفى من حياتها، فلن يبقى لها أثر من الذكرى أصلًا.
قالت بجدّ.
“لم أتخيل قط أنّ الشياطين موجودة.”
فأجاب بابتسامة مائلة.
“تؤمنين بالحاكم، ولا تؤمنين بالشيطان؟”
أطلقت الماركيزة نظرة مستغربة، وهمست.
“منذ زمن بعيد لم أرَك هكذا.”
فقال بمزاح.
“أَسَحرتك من جديد؟”
“أي هراء هذا؟ قلت لك مرارًا إنني طويت قلبي عنك منذ زمن بعيد…”
قالتها بوجه عابس، فتوقف لحظة، ثم هز كتفيه كأن شيئًا لم يكن.
“لكنّك لم تحاولي أن تنسيني قط.”
“ذلك لأن…”
فقاطعها هامسًا.
“وللآن يكفيني هذا.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 145"