نهضت روكسيلين من مجلسها ببطء متمهل، ثم اقتربت من الرجل الواقف خلف الكاهن، ومدّت يدها إلى سيفه المعلّق على خاصرته، فانتزعته بغير تردّد ورفعته عاليًا.
قالت بنبرة لاذعة.
“فهل نال كاهننا الجليل، المفعم بالإيمان، الخلود الذي ينشده؟”
وكأنها لتبرهن أن تهشيمها للصخرة لم يكن كذبًا، رفعت روكسيلين السيف الثقيل بخفّة لا مبالاة، وجعلت حدّه مصوَّبًا نحو الرجل.
فصرخ أحدهم مذعورًا.
“أيتها اللعينة! ماذا تجرؤين على أن تفعلي بسيدنا الكاهن…!”
غير أنّ الرجل تراجع خطوة إلى الوراء وقال ببرود.
“لا، دَعها. لقد تجاوزتُ حدودي، سامحيني ايتها الآنسة اليافعة النفيسة. في المرّة القادمة… سأقدّم لك عرضًا أجود يُرضيك.”
وما إن ألقت روكسيلين بالسيف أرضًا حتى انصرفوا مع الكاهن مهزومين.
‘…أأنا أشعر بشيء؟’
كانت تعلم أنّ كل ما يقال عن القوى المقدّسة هراء محض، غير أنّها وقد حظيت بالاهتمام مرتين على التوالي، وجدت في نفسها شيئًا من الاضطراب.
‘ينبغي أن أسأل جيرون.’
غريبٌ هذا، كل شيء يبدو هادئًا مسالمًا، ومع ذلك كان قلبها يخفق باضطراب.
اقتربت منها الآنسة ابنة الكونت، وجثت أمامها بقلق.
“يا صغيرتي، هل أصابك مكروه؟”
فأجابت روكسيلين بخفوت.
“…لا، أنا بخير.”
أومأت الكونتيسة الصغيرة برأسها وفي عينيها حيرة، وفي تلك اللحظة كان جيرون ويلبريد يخرج من زقاق قريب.
‘أشعر أني بحاجة للراحة…’
ربما لأنها عادت طفلة، فقد غمرها الإرهاق بينما كانت تتحرك بخفّة تمدّد جسدها.
إذ سُمِع صوت ينادي من خلف الكونتيسة.
“ها أنتِ هنا يا سيلينا!”
فالتفتت الفتاة بدهشة.
“لويد؟ ما الذي جاء بك؟”
اتسعت عيناها وهي تستدير، أما روكسيلين فتمتمت في سرّها.
لقد وقعتُ في مأزق.
إذ إنّ هذا ‘لويد آرين’ لم يكن سوى الشخص الذي يُقال إنه خطيبها المرتقب. ولم تكد تفكر في ذلك حتى أحسّت بهالة من التهديد تلوح في الأجواء.
***
في القصر، عرّف الرجل بنفسه.
“تشرفت بلقائكم، أنا لويد آرين، الابن الثاني لأسرة الكونت آرين.”
فغرقت روكسيلين في تفكيرها.
من أنا؟ وما الذي جاء بي إلى هنا؟
كانت تجلس في العربة بصحبة سيلينا ولويد وجيرون، والجو داخلها يكاد يخنقها.
سيلينا ولويد يتبادلان الضحكات والأحاديث المرِحة، وجيرون يجيب بابتسامته الوادعة على كل سؤال، بينما روكسيلين وحدها كانت تدرك أنّ نظرات جيرون نحو لويد في الزقاق قبل قليل كانت قاتلة.
‘لست بحاجة حتى أن أسأل عمّا جرى.’
وضعت ذقنها على كفّها وأسندت مرفقها إلى نافذة العربة متنهّدة.
قالت لها سيلينا.
“هل تشعرين بالملل يا روكسي؟”
“أنا فقط متعبة قليلًا.”
فابتسمت سيلينا برفق.
“إذن سنُجهّز لكِ غرفة حالما نصل.”
اكتفت روكسيلين بهزّ رأسها مبتسمة، فلم يعد في صدرها صوت يخرج. ثم عاهدت نفسها أن لا تخرج ثانية مع جيرون ويلبريد.
لكن لويد فجأة قال.
“على كل حال… يبدو أنّ الطفلة قد ورثت جمال أمّها. لم أسمع أن سعادة الماركيز قد تزوّج من قبل.”
حدّقت روكسيلين فيه بصمت، متسائلة أهو يسخر من جيرون بتلك الكلمات؟ غير أنّها أيقنت سريعًا أنّه ببساطة أبله لا يفقه ما يقول.
‘أهو لصغر سنّه؟’
إذ إنّ زلّة واحدة في مجتمع النبلاء قد تُدمّر المرء تمامًا، حتى لا يبقى له وزن كالطبقة المقشورة من البصل.
فأسرعت سيلينا تعاتبه.
“لويد، ما الذي تهذي به؟”
فارتبك.
“آه… لا، كنتُ فقط أقول إنّها تبدو لطيفة لا أكثر…”
عقدت روكسيلين حاجبيها بامتعاض، وفكّرت.
لست أنا مَن ينبغي أن يقول هذا، ولكن… حقًا يا سيدتي، أيّ عينين لكِ في اختيار الرجال؟! لعلّ جيرون خيرٌ من هذا البائس بألف مرّة.
فقال جيرون بابتسامة ثابتة.
“أظنّ أنّ هذا ليس من شأنك يا لويد.”
“مـ… ماذا؟”
“قلتُ. اترك ابنتي وشأنها، ولا تُقحم نفسك فيها.”
“لكن…”
قاطعَه بابتسامة أكثر برودًا.
“وإن كنتَ لا تجيد سوى الكلام الفارغ، فخيرٌ لك أن تُغلق فمك.”
كان صوته هادئًا وابتسامته ودودة، غير أنّ شدّة الغضب المستتر جعلت الكلمات أشدّ رعبًا من الصياح.
فتلعثم لويد مذعورًا.
“نـ… نعم، بالطبع.”
وخَفَت صوته كأنّه غُلب على أمره، فيما شتّتت عيناه الحائرتان النظر في كل اتجاه. حتى سيلينا نظرت نحو جيرون بدهشة وقلق، غير أنّه ظلّ متشابك الذراعين يحدّق في النافذة ببرود.
‘…لا شأن لي بهذا.’
تمتمت روكسيلين في قلبها وزفرت وهي تنظر إلى العربة المتقدّمة.
***
مضت أيامها التالية رتيبة خاوية. لم يكن لها عمل، فتناولت دفترها لتدوّن ما يجب عليها إنجازه.
خلال إقامتها في ضيافة منزل هايد، كان جيرون وسيلينا يمرحان، بينما اكتفت هي بالتجوال. وقد أبدى منزل هايد وأفراد منزلهم لها من العطف واللطف ما لم تتوقعه. حتى الكونت وزوجته نفسَيهما كانوا يجدون فيها براءة محبّبة.
لكن بين الهمسات شاع أنّ خطبة سيلينا ولويد مهدّدة بالفشل، ولعلّ جيرون دبّر لذلك.
فتحت روكسيلين دفترها وكتبت.
أول ما يجب فعله: إنقاذ من يتهدّده الموت.
إنها ليلي بيليون.
لو تأخرَت في العثور عليها، قد تُزهق روحها. حسبت الزمن، ورأت أنّه لا يزال في صالحها. لم تُنجب بعد، وهذا أفضل، إذ لم تكن تودّ أن يولد طفلها ‘الحاصد’ ليعيش قدرًا موحشًا.
ولذا وجب أن تعثر على مكان سجنها قبل أن يفوت الأوان. فبعودتها سيكفّ عمها الثاني ‘إيان بيليون’ عن طيشه، ويمضي كل شيء دون موت.
أما الثانية… فهي اقتلاع الشرّ من جذوره قبل أن يبدأ.
فإن لم تأتِ السيّدة كارميل، فلن يتعرّض أبيها ولا جدّها للخطر، ولن تنشب خصومة مع كالوتا تهدّد الإمبراطورية.
وإن كان الناس يُكابرون فيُقنعون أنفسهم بالخطأ، فإن قليلًا من الصراحة كان ليُنهي النزاعات.
هكذا رأت أنّ أبسط الطرق هو أن تحمل اسم ‘وِيلبريد.’، وأن تُتبنّى في سلالة نبيلة، كي تجد لنفسها مقامًا في المجتمع وتشارك في محافله، فلا يلقى أبوها حتفه مسمومًا باكرًا.
أوجزت كل شيء في ثلاث مهام رئيسة، غير أنّ ما يُعكّرها هو المتغيّرات.
رفعت رأسها وقالت في سرّها.
‘…طائفة فيناك.’
إنّها تنمو وتكبر، وهي لا تدري ما غايتها.
روكسيلين، وقد كانت ترسم دوائر فوق اسم طائفة ‘فيناك’، أطلقت زفرة طويلة مثقلة بالضيق.
ومن الخارج، دوّى ضحك رنان، صافٍ كخرير الماء.
فما إن أمالت رأسها قليلًا خارج النافذة، حتى أبصرت جيرون ويلبريد وسيلينا هايد يتنزهان في البستان، يتبادلان الضحكات والهتاف.
“ما أطيب ذلك…” همست لنفسها.
غير أنّ شيئًا في أعماقها كان أجوف، يفتقد الامتلاء.
لقد كان يومًا يشتد فيه شوقها إلى أرما.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 144"