ماذا كان ذلك حقًا؟
حتّى لحظة ارتداء حذائها ورفعها في حضن بيرجي للخروج، ظلّ ذلك الشيء يشغل عقل كلوفر ويجعله معقّدًا.
كان ذلك الذي رأته من كاليد وأخويها يتراقص أمام عينيها كأوراق الزهور ثمّ يختفي.
***
كان المكان الذي أخذ إليه كاليد كلوفر وداميان وآروين هو جبل منخفض بالقرب من قصر دوق كلاوديان.
كان هناك جدول ماء يجري على جانبه بهدوء، وأمامه مساحة مفتوحة تطلّ على مناظر إقليم كلاوديان بأكمله.
كان ذلك المكان الذي كان كاليد وإليسيا يأتيان إليه غالبًا للنزهة.
بينما نزل داميان وآروين من العربة وذهبا مع الخدم لتجهيز المكان والجلوس أوّلًا، رفع كاليد كلوفر التي كانت تحدق بوجه مشوّش وحملها للأسفل.
“أبي، إلى أين نحن ذاهبون…؟”
بدت كلوفر التي سألت هكذا قلقة بعض الشيء، أدرك كاليد حينها أنّ الطفلة ليست معتادة على مثل هذه الأمور.
ظنّ أنّها كانت تنظر من النافذة طوال الطريق في العربة لأنّها مندهشة فقط.
قبّل كاليد جبهة كلوفر برفق.
“لسنا ذاهبين إلى مكان، لقد وصلنا بالفعل، هذه هي وجهتنا.”
“هل هذه هي وجهتنا؟”
“نعم، ألم تذهبي إلى نزهة من قبل؟”
“نزهة…؟”
رمشت كلوفر بعينيها وفكّرت للحظة، ثمّ هزّت رأسها.
“لا، لم أذهب من قبل.”
عاشت أربع سنوات كاملة داخل منزل دامبير فقط، لم يكن لديها فرصة للذهاب في نزهة.
ما هي النزهة؟ هل هي شيء جيّد أيضًا؟
مثل الأشياء الأخرى التي فعلها أباها لها؟
[كما هو متوقّع من أب صغيرتي، يبدو أنّه يحاول جاهدًا منحكِ أشياء جيّدة…]
قال لاكي وهو يتلألأ بضوء خافت.
بفضل كلمات لاكي وكلمات كاليد اللطيفة، استرخى جسد كلوفر، الذي كان متصلبًا كقطّة مرعوبة، تدريجيًا.
“إذا شعرتِ بالخوف، سأحملكِ.”
“إذن الآن، احملني يا أبي.”
اندست كلوفر بسرعة في حضن كاليد، فاحتضنها كاليد بقوّة وتوجّه نحو المكان الذي يجلس فيه داميان وآروين.
كانت الأطعمة التي أعدّها طبّاخو كلاوديان بعناية طوال الصباح ممدودة بكثرة، جلس كاليد وهو يحمل كلوفر في حضنه.
“كلوفر.”
نظرت كلوفر إلى تلك الأشياء بذهول، ثمّ رفعت رأسها وسألت:
“هل هذا أيضًا ما أردتَ فعله يا أبي؟”
“نعم، هذا ما أردتُ فعله.”
“ما أردتَ فعله”، تمتمت الطفلة بهدوء متابعةً كلامه.
أزاح كاليد خصلات شعر كلوفر التي حرّكتها الريح بإصبعه، فاغلقت كلوفر عينيها قليلًا.
“سيعجبكِ هذا المكان أيضًا.”
“همم؟”
“لأنّ هذا المكان كانت تحبّه أمّكِ، عندما تستيقظ إليسيا لاحقًا، سنأتي معًا مجدّدًا.”
“هاه؟ أمّي…؟”
المكان الذي تحبّه أمّي!
عند ذكر أمّها، لمعت عينا كلوفر، وبعد أن زال توتّرها تمامًا، رفعت رأسها أخيرًا لتنظر إلى المنظر المفتوح.
تحت التلّ، كانت البيوت الصغيرة مجتمعة كلوحة فنيّة متناغمة.
وفي الأفق البعيد، كانت أصوات الطيور تُسمع، وصوت الجدول يجري بهدوء أيضًا.
“واو.”
كان مكانًا رائعًا حقًا، هل هذا سبب إعجاب أمّي به؟
‘عندما يأخذني أبي إلى أمّي، سأقول لها بالتأكيد إنّني زرتُ هذا المكان.’
وضعت كلوفر خططًا للمستقبل في ذهنها وأقسمت عليها بقوّة، وأصغت باستمرار إلى أصوات الطيور دون توقّف.
لاحظ كاليد أنّ توتّر الطفلة قد زال، فمسح ظهرها برفق.
“يمكنكِ التجوّل واللعب، طالما لم تذهبي بعيدًا.”
“همم…؟”
أمسكت كلوفر ذراع كاليد بكلتا يديها بقوّة، وبعد تفكير طويل، نظرت إليه بحذر وسألت:
“أبي، إذا ذهبتُ لألعب هناك، لن تتركني وترحل، أليس كذلك…؟”
نظرت كلوفر إلى كاليد بحذر.
الوحدة مخيفة.
كانت كلوفر خائفة قليلًا من أن تُترك وحيدة كما في دامبير.
والآن، لأنّها سعيدة جدًا، كانت تخشى أن يكون هذا مجرّد حلم…
لأنّها رأت أحلامًا مشابهة عدّة مرّات عندما كانت في دامبير.
لذا، كانت قلقة من الانفصال عن أبيها، حتّى لو كان ذلك بضع خطوات فقط، ثلاث أو خمس خطوات.
هذا ليس داخل القصر، لذا كانت تخشى أن تفقد أباها ولا تجده.
هل أدرك كاليد مشاعر كلوفر هذه؟
“إلى أين سأذهب وأترككِ هنا؟ لن يحدث ذلك، سأبقى هنا أراقبكِ.”
قال كاليد بحزم إنّ ذلك لن يحدث، فابتسمت كلوفر أخيرًا وأومأت برأسها.
“نعم، إذن لا بأس.”
وقامت بهدوء من حضن كاليد، وضعت يديها على الأرض ونهضت، فالتفّت قطّ الريح الشماليّة حول ساق كلوفر بشكل طبيعيّ.
“كلوفر، إلى أين ستذهبين لتلعبي؟”
“تعالي مع أخيكِ! التجوّل بمفردكِ خطير.”
نهض داميان وآروين بسرعة ووقفا بجانب كلوفر، لكنّها هزّت رأسها.
“همم، كلوفر لن تذهب بعيدًا.”
لأنّ الطفلة الصغيرة لا يجب أن تبتعد عن حاميها.
كلوفر تعرف ذلك جيّدًا.
خرجت كلوفر من حضن كاليد وسارت ستّ خطوات بثقة.
ثمّ جلست فجأة على العشب الناعم دون قماش، وضحكت بمرح.
“هذا المكان جيّد، العشب يدغدغني.”
كان المكان الذي جلست فيه كلوفر مرئيًا بوضوح لكاليد.
وكان على بعد ستّ خطوات فقط بمقاييس طفلة في الرابعة من مكان كاليد وداميان وآروين.
كما كان يتمتّع بإطلالة رائعة، وظلّ شجرة كبيرة يغطّي رأسها، مكان مثاليّ بين الأماكن المثاليّة.
على الأقلّ بالنسبة لكلوفر.
عانقت كلوفر ساقيها ونظرت إلى كاليد وضحكت بخفّة.
“أبي، هل تراني جيّدًا وأنا هنا؟”
شعر كلوفر، بلونه الأخضر الفاتح كبراعم الربيع الجديدة، كان يصعب تمييزه وسط العشب.
في الواقع، عندما كانت في دامبير، كانت الخادمات أحيانًا لا يجدن كلوفر في الحديقة ويتجوّلن بحثًا عنها.
شعرت كلوفر بقلق طفيف من ذلك، وتساءلت عما إذا كان عليها العودة ستّ خطوات إلى أبيها.
“أراكِ جيّدًا، يا كلوفر، لا تقلقي.”
فهم كاليد قلب الطفلة بدقّة، وأخرج فاكهة مقطّعة بشكل مريح من سلّة الطعام.
ثمّ استدعى نسيمًا خفيفًا بقوّته، وحمل الفاكهة ببطء إلى أمام كلوفر.
عندما رأت كلوفر قطع الفاكهة المقطّعة بشكل جميل تطفو ببطء من يد أبيها إلى أمامها، ضحكت بمرح مجدّدًا.
وفي تلك اللحظة،
فوق العشب الذي جلست عليه كلوفر.
نبتت أربع براعم صغيرة حول الطفلة على التوالي.
[أوه، أوه! كلوفر!]
قفز لاكي المذهول من على كتفها ورفرف باوراقه.
نظرت كلوفر حولها بدهشة بسبب القوّة التي خرجت منها دون أن تشعر.
“هاه!”
عندما نظرت عن كثب، رأت أربع براعم صغيرة جدًا قد نبتت، لم تكن موجودة هنا من قبل.
كانت قد أزهرت بقوّة كلوفر، حتّى لو لم يعرف الآخرون، كانت كلوفر تعرف ذلك.
لم يتمكّن كاليد وداميان وآروين من رؤية البراعم لأنّهم كانوا بعيدين، لكنّهم شعروا بقوّة كلوفر.
لاحظ داميان وآروين أنّ الطفلة استخدمت قوّة ما، فاقتربا بسرعة من كلوفر.
“كلوفر، ما الذي حدث للتوّ؟”
جلس آروين على ركبتيه وسأل، غيّرت كلوفر وضعيّتها إلى القرفصاء ونظرت إلى البراعم التي أنبتتها.
‘أربعة…؟’
لم تُنبت أكثر من اثنين من قبل، كانت قوّة كلوفر ضعيفة وبسيطة إلى هذا الحدّ.
لكن أربعة!
“لا يُصدّق…”
فجأة، أضاء وجه كلوفر كالشمس في لحظة.
التعليقات لهذا الفصل "19"