“حسنًا، حسنًا ،توقّفي أيُّتها الطفلة!”
كان الشَّرح الّذي استمرَّ طويلًا قد انقطع حين أوقفني العجوز على عَجَل.
رفعتُ عينَيَّ محدّقةً به، فإذا بالعجوز قد بدا كأنَّه شاخ خمسَ سنين أُخَر، وزفر أنفاسًا طويلةً قبل أن يُناولني العُشبة الّتي كانت في يده.
“إذن يا بُنيَّتي… ما تُريدين قوله هو أنَّ هَذا ليس ‘غرمنوا’؟”
“نعم! صحيح أنّ ‘غرمنوا’ يُشبه ‘عُشبة بُودوس آيفي’، لكن يمكن التَّمييز بينهما بالمسحوق الأبيض في نهايتها. ‘غرمنوا’ يملكه، لكن ‘بُودوس آيفي’ لا.
ثمَّ إنّكِ إنْ تذوّقتِ ‘غرمنوا’ ستجدين مذاقًا مُرًّا جِدًّا، وحين تلمسينه يكون سطحه خَشِنًا. حتّى رائحته تختلف.”
“…كما تقولين، هذا أملس فعلًا.
ولا أثرَ للمسحوق.”
“أرأيت؟”
ابتسمتُ، فظلَّ العجوز يحدِّق بالصَّمت في النبتة الّتي كان يظنّها ‘غرمنوا’ قبل أن يتنهَّد، ثمَّ حوّل نظره إلى الرَّجل بائع الأعشاب.
“سمعتَ، أليس كذلك؟ فسِّر الأمر إذن.”
“ه… هذا غيرُ ممكن إطلاقًا…….”
كان الرَّجل قد شُغف بشرحي، لكن حين وجَّه العجوز كلامه إليه اضطرب وأخذ ينفي وهو يُلوِّح برأسه.
“الشّخص الّذي باعني هذه قال إنّها ‘غرمنوا’ بلا شَكّ! بل لقد أعطاني شهادةً أيضًا!”
وأسرع يخرج من دُرج المَتجر ورقةً قديمة، فناولها. أخذها العجوز، حدَّق فيها، ثمّ أطلق تنهيدةً جديدة وهو يقطّب حاجبيه.
“يبدو أنّك وقعتَ في عمليّة نصب واحتيال.”
“اح… احتيال……؟”
ظلَّ الرَّجل مُصعوقًا يعضُّ شفتَيه وهو يستعيد الشَّهادة.
“لكن كيف لك –وأنت تبيع الأعشاب– أنْ تجهل مثل هذا؟ طفلٌ صغير يميِّزها وأنت لا؟”
“قد تظنّني أُبرِّر نفسي، لكنَّ عددَ الّذين يُمكنهم التَّمييز قلّة نادرة.
أصلًا، ‘غرمنوا’ عُشبةٌ نادرة جِدًّا وغير مشهورة.”
“إذن كيف عرَفَتْها هَذه الطِّفلة؟”
ازدادت ضغوط العجوز عليه، فارتبك وأدار نظراته نحوي بسرعة.
“لعلّها تكذب! قد لا تعرف شيئًا وتثرثر فقط!”
“لستُ أكذب! أبي هو من علَّمني!”
صرختُ غاضبة بعدما صرتُ فجأةً في موضع التُّهمة.
فردَّ الرَّجل ساخرًا:
“وماذا لو كان أبوكِ مخطئًا؟ هل تثقين في كلامه إلى هذا الحدّ؟”
“أبي لا يجهل شيئًا عن الأعشاب! الكاذب هو أنت!”
“هَه، هذا لا يُحتَمل.
سيّدي، أرى أنّ علينا تسليم هذه الصَّغيرة إلى الحرس. ألا ترى أنَّ الأمر مُريب؟ طفلةٌ لا تبلغ العاشرة وتدَّعي علمًا لا يعرفه حتّى بائعُ الأعشاب؟ كلامٌ لا يُصدَّق!”
“المُريب أنْ يجهل البائع الأعشابَ! كيف تبيع وأنت لا تُفرِّق؟”
“اخرسي! تعالي إلى هنا، سنذهب حالًا إلى الحرس……!”
“كفى!”
مدَّ الرَّجل يدَه إليَّ من وراء الطّاولة، لكن صوت العجوز دوّى في اللحظة ذاتها. التفتُّ مذعورة، فإذا به يزفر مجدَّدًا.
“لقد قلتُ كفى.”
“سيّدي، من الواضح ان هذه الطِّفلة تكذب!”
“أتظنّ أنّي لا أُحسن التَّمييز بَين الصَّادق والكاذب؟”
ارتجف الرَّجل وسكَن صوته.
عندها التفتَ العجوز إليَّ، وانحنى احترامًا.
“شكرًا لكِ يا بُنيَّتي. بفضلكِ لم أشترِ عُشبةً مزيَّفة.”
“هذا أمر لا يستحق الشكر.
لكن… هل صدقت كلامي فعلًا؟”
“نعم، أُصدّقه.
ليس لأنّي أُؤمن بدعواكِ، بل لأنّي أدرك أنّ هذا الرَّجل يكذب.”
ثمَّ حوّل بصره إلى البائع.
“بعد أكثر من خمسين سنةً في التِّجارة، صرتُ أُميِّز الكاذب من الصَّادق بسهولة. إنّه يكذب لينجو بنفسه. يكذب حين يدَّعي أنَّه يجهل. ويكذب إذ يُريد إلصاق التُّهمة بطفلة.”
“س… سيّدي…….”
“ستُخلي هذا المكان قريبًا. عقدُ الإيجار بيننا ينتهي اليوم.”
“ي… ينتهي……؟”
فهوى الرَّجل إلى الأرض وقد سُلبت منه القوَّة.
ألقى العجوز عليه نظرةً حانقةً قبل أن يُزفر ويحرك رأسه يأسًا، ثمَّ التفت إليَّ.
“شكرًا يا صغيرتي. أنا ‘بوغدان’. أملك متجرًا صغيرًا هنا.”
“أنا ‘إيلينيا’. وعمري ثمانية أعوام.”
ربَّت على رأسي مُبتسمًا، ثمَّ التقط الورقة الّتي كنتُ قد دفعتُها قبل قليل للبائع.
“لا أُسمِّي هذا مكافأة، لكن يمكنكِ أخذ الأعشاب الّتي تحتاجينها.”
“حقًّا!؟”
“سأعتبر المال الّذي دفعته لذلك الرَّجل عوضًا عن ثمنها. فخُذي ما شئتِ.”
“شكرًا جزيلاً!”
انحنيتُ له شاكرة، فابتسم.
ثمّ ضيَّق عينَيه وهو يرمق البائع مُستهزئًا، وقال:
“يا لك من حقير.”
ثمَّ غادر المتجر بخطواتٍ واثقة.
—
خرجتُ حاملةً الأعشاب، فوجدتُ ‘بوغدان’ في انتظاري، وخلفه يقف رجلان.
“هل أخذتِ كلّ ما تحتاجينه؟”
“نعم! لقد جمعتُ الكثير، ففي المدينة أشياء لم أرها إلّا في الكُتب. لا بأس، أليس كذلك؟”
“لا تقلقي. وإن قصُر المال دفعتُ بدلًا منكِ.”
“هيهي، شكرًا!”
“كلا، بل عليّ أن أكون ممتنًّا لكِ.
لكن الليل قد أقبل، دعيني أوصلكِ إلى بيتكِ.”
“لا داعي، سأعود ماشية.”
“ألَن يكون ذلك خطرًا؟”
لكن الطُّرق مُضيئة.
ابتسمتُ، فابتسم بدوره وربَّت رأسي.
“حسنًا، اذهبي وخذي حذرك.”
“وأنتَ أيضًا، جدّي، أبقى سالمًا!”
انحنيتُ مبتسمة، فردّ بابتسامة، ثمّ غادر مع رفيقَيه.
تأمّلتُه حتّى ابتعد، فهتفت:
“جَدي!”
“همم؟”
“إنْ احتجتَ إلى ‘غرمنوا’، سأحضره لك!”
“أ… أأنتِ؟”
أومأتُ بحماس.
“هيهي… لن يكون فورًا، لكنّ لديَّ بذوره.
يحتاج إلى ثلاثة أشهر لينمو، لكنّي سأُحضره لك!”
“ثلاثة أشهر…….”
“تُريده للعلاج من الصَّرع، أليس كذلك؟ سأُحضره لك أنا!”
فتح فاه دهشة، فابتسمتُ له أوسع.
ظلَّ يحدّق فيَّ مذهولًا، ثمّ تقدَّم وأعطاني بطاقة.
“إذا حصلتِ على العُشبة، هاتيها إلى العنوان هنا. وسأكافئكِ كما يليق.”
“لا أعرف هذا المكان… لكن سأذهب! أعدك!”
“شكرًا لكِ. سأنتظر.”
مرَّر يده المُجعدة على رأسي مبتسمًا، ثمَّ غادر مع رجليه. ظللتُ أحدِّق بهم حتّى غابوا.
دوووونغ–!
رنَّ جرس بعيد، فأدركتُ أنّ الوقت قد تأخَّر.
“يجدر بي العودة.”
خشيتُ أن أتورَّط إن تأخّرتُ أكثر، فحملتُ الحقيبة وعدتُ في طريقي.
المدينة أكثر إشراقًا وضجيجًا من ذي قبل، والنّاسُ أكثر تشرذمًا.
‘لماذا تخلعُ تلك النّساء ثيابهنّ؟ ولماذا يتصرَّف الرجال هكذا؟’
“أيتها الصّغيرة.”
كنتُ أُدقِّق بعينَيَّ الدَّهشة في المشاهد الغريبة حين اعترضني رجالٌ بوجوهٍ ملطَّخة بالرُّسوم.
“أنا؟”
“نعم، أنتِ. هل جئتِ وحدكِ؟”
“نعم!”
“أها، أذن هكذا.”
ارتسمت ابتساماتٌ مُخيفة على شفاههم، وتبادلوا النَّظرات ثمَّ مدّوا أيديهم تجاهي.
“إذن فلنذهب سويًّا مع هؤلاء الإخوة…….”
“لا تلمسوا الطِّفلة.”
اعترضهم أحدهم فجأة.
كان فتى أعرفه.
“إدريك؟”
ناديتُ باسمه مدهوشة، فابتسم لي.
“لا تقلقي. أنا هنا.”
ثمّ اتَّخذ وضعيَّةً مُتحدِّية ونظر إليهم.
“هوه… وما هذا؟ فارس على فرسٍ أبيض؟”
“مع أنَّكم جُهّال، لا بدّ أنكم تُدركون سوء ما كنتم تُقدِمون عليه. إن تراجعتم الآن، أعفو عنكم.”
“هاها! سمعتم؟ الطِّفل الصّغير سيُسامحنا!”
قهقهوا ساخرين، ثمَّ تجهَّمت وجوههم.
“وإن لم نتراجع؟ ماذا ستفعل؟”
“ستندمون.”
“هاها… ندم؟ حسنًا.”
تقدّموا متكسِّرين أصابعهم. عندها ضحك إدريك.
“أتظنّون أنَّ ثلاثةً منكم تكفي؟”
ارتبكوا لحظة، لكن سرعان ما علت وجوههم ابتسامة ساخرة.
“أتظنّ أنّنا ثلاثة فقط؟”
وما لبث أن ظهر خلفهم عشرة رجالٍ آخرين.
بدأت ابتسامة إدريك تخبو، والعرق يتصبَّب على خَدّه.
فأشفقتُ عليه، ومسحتُ عرقه بكمّي.
“هل أنت بخير؟ تبدو مُنهَكًا.”
“…….”
عضَّ شفتَيه وهو يُواجههم، ثمّ التفت إليّ، وفي عينَيه الزُّرقاوَين بريق.
قبض على معصمي فجأة.
“اركضي!”
“أمسكوهما!!”
وانطلقتُ معه، لتبدأ مُطاردةٌ ليليّة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 9"