استيقظ فايل باكرًا في الصباح، وقبل أن يتناول طعامه كان عليه الاطلاع على تقارير العمل.
لقد تدفّقت عليه الأخبار المتعلقة بالاستعداد لفصل الشتاء وتأمين المؤن واحدة تلو الأخرى.
وبسبب انشغاله وعدم قدرته على تناول طعامه كما ينبغي، لم يتمكّن من إنهاء التقارير المكثفة إلا مع اقتراب موعد الغداء.
“هاه…”
تنفّس بعمق وهو يحرّر أزرار سترته، ثم عبس ومسح شعره إلى الخلف، ورفع التقرير الأخير الذي تلقّاه بينما وضع يده على جبينه.
[خطة تطوير السلالات وحل أزمة المجاعة]
كان التقرير يحتوي على مقتطفات من أبحاث “البرج الأخضر”. فقد عمل العلماء هناك على مدار ثلاث سنوات لمحاولة حل أزمة المجاعة، من خلال ابتكار سلالات نباتية يمكن إنباتها وريّها بكميات قليلة من الماء.
كان هذا المشروع مهمًّا لتعويض نقص المياه، وقد حصل على دعمٍ هائل من الموارد، لكن النتائج لم تكن ناجحة.
وحين فشل المشروع، أصبح الأمل محدودًا في الأبحاث المدنية أو في التجارب المستمرة في “البرج الأزرق”.
ومع أنّ النتائج المستقبلية والتطبيق العملي لهذه الأبحاث لا تزال مجهولة، فقد أشار التقرير إلى أنّ الإمبراطورية مضطرة لتحمّل فترة جفاف طويلة.
“لا يسعنا سوى الدعاء ألّا تجفّ البحيرات في العام المقبل.”
وكانت هايدريك محظوظة بوجود سلسلة جبال ضخمة وبحيرتين كبيرتين، ما جعل مياه الشرب كافية، على عكس المناطق الأخرى التي تعاني نقصًا شديدًا.
“لا أحد يعرف متى سينتهي هذا الوضع.”
تنهد فايل وهو يهزّ رأسه.
طرق، طرق—
سمع صوت طرق على الباب في تلك اللحظة.
“ادخل.”
أجاب باختصار، وفتح الباب فورًا. ظنّ أنّ الداخل هو لوكمان، فخفض رأسه وواصل قراءة التقرير دون رفع بصره.
تردّد صوت الخطوات في الغرفة، خطوات ثابتة وواضحة، حتى وصلت إلى مستوى رؤيته.
تنورة حمراء لامعة وحذاء أنيق.
ولمّا أدرك أنّ الداخل ليس لوكمان، رفع رأسه ببطء ونظر إلى الأعلى.
“لا، لم أقصد ذلك. لكن كان ينبغي أن أخبرك أولًا، ولم أفعل، وأعتذر.”
“أنتِ محقة، ويجب أن أشعر بالأسف.”
وضعت الفنجان على الطاولة بنظرة صارمة.
“هل علمتك أن تفتح أبواب القصر لأيّ شخص؟”
“أعتذر، لكنّي أرى أنّ قراري كان صائبًا.”
“أنا أثق بك كدوق، لكن هذه مسألة مختلفة. كيف سيرى الناس هذا؟ البعض سيظنّ أنّك أهنت دماء عائلتك.”
“قد يظنّ البعض ذلك، لكنني واثق من موقفي.”
“واثق؟ من ماذا تحديدًا؟ من قدرتك؟ أم من تلك الفتاة؟”
“من كلاهما.”
“…….”
عمّ الصمت لحظة، ثم أطلقت فلورنس زفرة طويلة.
“لقد ربّيتك على نحو خاطئ، يا فايل. كان عليك أن تخفض رأسك اعتذارًا، لا أن تتحداني. كم يحزنني هذا.”
“أؤسفك، يا أمّي، لكن لن أتنازل عن هذا القرار.”
“هل هي غالية إلى هذا الحدّ؟”
“نعم، غالية.”
فتحت فلورنس عينيها بدهشة وغضب.
“هل عاطفة الأبوة تجعلك تتصرّف بهذا الحزم؟ هل ستتحمّل السخرية والازدراء لأجلها؟!”
“نعم! سأتحمّل… لحظة، ماذا قلتِ؟ عاطفة الأبوة؟”
توقّف فايل فجأة، كأنّه صُعق من كلامها.
‘عاطفة الأبوة؟’
نظرت إليه والدته مستغربة، ثم تنفّست ببطء:
“لن أؤاخذك على خطأ سابق، فما كان من نزوة عابرة قد مضى.
لكن، أن تُدخل تلك الطفلة غير الشرعية أمام الجميع؟ كان بإمكانك أن تؤمّن لها حياة هادئة بالمال والأرض، أو أن تكون والدًا لها في الخفاء، لكن أن تظهرها هنا علنًا!”
“أمّي، لحظة… ماذا تقولين؟ طفلة غير شرعية؟ عن ماذا تتحدثين؟”
“سمعتُ كل شيء! أنّ الدوق أحضر ابنة غير شرعية!”
ابتسم فايل بخفوت، ثم قالت:
“وهل هذا وقت الضحك؟ إنها سمعة العائلة!”
“نعم، المسألة خطيرة.
ولهذا أريد استدعاءها للحظة.”
“دوق!”
“لحظة فقط، لن تأخذ وقتًا طويلًا.”
أومأت فلورنس، فاستأذن فايل وطلب من الخادمة أن تحضر الفتاة.
حلّ صمتٌ ثقيل في الغرفة، لم يكسره إلا صوت الطرق مجددًا.
“ادخلي.”
دخلت فتاة ترتدي ملابس متسخة بالطين وتحمل مجرفة صغيرة.
“هاه؟ ما الأمر؟”
كانت إيلينا.
ارتبك فايل للحظة، لكنه رحّب بها وأدخلها للغرفة.
وقف أمام فلورنس.
“أوه؟ هل هذه الفتاة التي رأيتها سابقًا؟”
بدت وكأنهما التقتا من قبل، لكنه لم يكن الوقت مناسبًا للحديث عن ذلك.
“ما الذي تريد إثباته الآن؟ أتظن أنّ مظهر طفلة بريئة سيؤثر عليّ؟ قد تكون لطيفة وذكية، لكن هذا لا يكفي.”
“أرجوك، فقط انظري إليها قليلًا.”
“لا أرغب بذلك.”
“لحظة فقط، أمّي.”
“أمّي؟ أمي؟”
تمتمت إيلينا بدهشة، بينما نظرت فلورنس إليها وتنهدت.
التعليقات لهذا الفصل " 19"