اكتشفتُ أنني تكلّمتُ بخطأٍ غير مقصود، بعدما أوضح لي الفارس المرافق حقيقة الأمر.
لَمْ يَدر في خَلَدي يومًا أن يكون اسمُ طعامٍ ما مُستَخدمًا ككلمةٍ نابية.
أيُعقل أن يُضيف الناسُ السِّباب إلى أسماء الأطعمة؟ هذا معناه أنّني إنْ تلفّظتُ بها خارجًا فقد يَظنّني الآخرون أشتمهم!
وحينها بالتأكيد سيغضب منّي ذاك الشخص.
‘كما توقّعتُ… المدينةُ حقًّا مكانٌ خطير…….’
الآن فقط بدأتُ أفهم سبب إلحاح أبي عليّ ألّا أترك الغابة وأن أبقى إلى جواره دائمًا.
مكانٌ تُستعمل فيه أسماءُ المأكولات لإهانة الناس؟ لَمْ يخطر ببالي مثل هذا قط.
إنْ أردتُ العيشَ هنا، فلا بُدّ أن أتعلم أساسيات التصرّف والعُرف على الأقل.
زفرتُ نفسًا طويلًا، وأتممتُ طعامي صامتةً لا أفتح فمي بكلمة.
بعدها، رفعتُ بصري إلى الفارس المرافق وإلى خادمتي الشخصيّة الواقفتين أمامي.
“آه…….”
تردّدتُ قليلًا وأنا أُقلّب عينيّ حائرةً في هذا اللقاء الأول المُحرج، ثم قلتُ بتحفّظ:
“اسمي إيلينا.
أبلغ من العمر ثماني سنوات.
وأنا فتاة!”
وقفتُ من مقعدي لأُعرّف بنفسي، فقد تعلّمتُ أنّه حين نلتقي بالكبار نذكر أسمائنا أوّلًا!
ما إن انحنيتُ حتى تبادلا نظراتٍ حائرة.
“أوه! هل ارتكبتُ خطأً آخر……؟”
“لا، لا. ما فعلته لم يكن خطأ.
فقط… نحن لسنا معتادين على أن تُحيّينا بانحناءةٍ كهذه.”
سارع الفارس إلى نفي ذلك وهو يهز رأسه، ثم ابتسم واقترب نحوي، وانحنى بالطريقة ذاتها.
“أنا كيلسي بيتَرسون، من فرسان هايدريك الحُمر. ابتداءً من اليوم، عُيّنتُ كفارسٍ مرافِق للسيدة إيلينا. عمري ستةٌ وعشرون عامًا.
وأنا…….”
توقّف لحظة، ثم ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها.
“امرأة.”
“آه……!”
“منذ أن أصبحتُ فارسة، لم أقم بتقديمٍ كهذا من قبل… لذا، أرجو أن تتقبّلي غرابتي بعض الشيء، سيّدتي إيلينا.”
“بل أنا التي أرجو تعاونك!”
أضاء وجهي بابتسامة، فأومأت كيلسي برأسها.
“أنا ريني!”
وبينما كنّا نتبادل التعارف، تقدّمت الخادمة التي كانت تقف بالخلف.
“عمري ثمانية عشر عامًا! وكما ترَين فأنا فتاة. يُشرّفني أن أكون في خدمة السيّدة إيلينا من الآن فصاعدًا!”
“سأحرص ألّا أكون عبئًا عليكِ.
أرجو تعاونك.”
انحنيت قليلًا، فردّت ريني بتحية مماثلة وهي تُمسك بطرف ثوبها.
ثم أخذت تتفحّص الغرفة بعينيها، وأعادت نظرها إليّ.
“قد يبدو غريبًا أن أقول هذا الآن، لكن هل تسمحين لي بترتيب الغرفة أولًا؟”
“ترتيب الغرفة؟”
أملتُ رأسي متسائلة، فأومأت ريني بثقة. أهي غير نظيفة؟ بدت لي منظمة بما يكفي.
فمقارنةً بالكوخ الذي كنتُ أعيش فيه، كانت هذه الغرفة فاخرة للغاية.
“هل هناك ما يستدعي الترتيب فعلًا؟”
“بالطبع! الغرفة في حالة فوضى.”
“أين……؟”
“كيف يُمكن أن تكون هذه غرفة طفلة صغيرة؟ على الجدار مُعلّق سيف ودرع، وعلى الطاولة موضوعة نماذج أعضاءٍ صناعيّة! مائدة الطعام بلا مفرش، والسرير حالته سيئة أيضًا!”
ارتجفت ريني وكأنّها رأت شيئًا صادمًا.
“أغطية سوداء داكنة، وملايات سرير مُظلمة.
هذا لا يليق أبدًا بغرفة طفلة!”
“لكنني بخير معها.
ثمّ ليس من الضروري أن تكون غرفة الفتاة…….”
“لااا، أبدًا……!!”
هزّت ريني رأسها بعناد، ووضعت يديها على خاصرتها وهي تُحدّق بصرامة.
“صحيح أنّ الزمن تغيّر ولم يَعُد هناك فرقٌ بين غرفة ولدٍ أو بنت، لكن وجود سيوفٍ ودروعٍ في غرفة طفلة أمرٌ غير مقبول.
أليس كذلك، أيتها فارسة كيلسي؟”
“أه؟ آه… ربّما. لكنني حين كنتُ صغيرةً، كان في غرفتي سيف خشبي ودرع…….”
“أرأيتِ؟ لقد أكّدت ذلك!”
“لكنني كنتُ أقصد…….”
“لا داعي للكلام!”
قاطعتها ريني بحزم، فنظرتُ أنا وكيلسي إلى بعضنا بدهشة.
“سأتكفّل بترتيب كل شيء حالًا.
في هذه الأثناء، ما رأي السيدة إيلينا والفارسة كيلسي أن تخرجا قليلًا في نزهة؟ فالغبار سيتطاير كثيرًا.”
أمسكت بين يديها أدوات تنظيف ظهرت فجأة لا أعلم من أين، ثم ابتسمت ابتسامةً غامضة.
أحسست أنّه لو رفضتُ الآن فستحدث مصيبة.
“ح، حسنًا.”
“أجل…….”
لم يخطر ببالنا الاعتراض أصلًا، واكتفينا بالإيماء برؤوسنا.
ابتسمت ريني ابتسامة مشرقة ولوّحت لنا بيدها حتى غادرنا الغرفة. وما إن ابتعدنا حتى أغلقت الباب بعنف.
ثم دوّى صوت اصطدامات وضوضاء من الداخل. وقفنا أمام الباب مذهولين.
‘ريني قادرة على العيش بلا أي قيودٍ اجتماعية.’
أغلقتُ فمي ببطء ورفعتُ بصري نحو كيلسي. التقت نظراتُنا.
“…نخرج؟”
“نعم…….”
فسرنا بخطوات بطيئة، ما زلنا مرتبكين من هذا الاستقبال غير المعتاد.
—
كان يُوسْتيان يمشي في غرفته قلقًا، يضع يده على ذقنه ويعضّ شفتَيه، بينما يُتابعه إدريك ببرود.
“ما الذي عليّ فعله…….”
ظل يُكرّر الجملة نفسها.
فأطلق إدريك تنهيدة ثقيلة.
“ما الذي تفعله منذ قليل؟”
“هاه؟”
“إن كنتَ قلقًا لهذه الدرجة، فاذهب واعتذر. ما المشكلة؟”
كان يُوسْتيان منشغلًا بما حدث البارحة مع إيلينا.
لقد رفع سيفه في وجهها، وهي في الحقيقة تُعَدّ جدّتَه الكبرى وفقًا لشجرة العائلة! والأسوأ أنّ كل ذلك بسبب سوء ظنّه.
إنْ بلغ الخبر والده أو مجلس الشيوخ، فالنتيجة كارثية.
قد تستدعيه جدّته المُخيفة، ويتعرّض للتوبيخ علنًا، بل وربما يُعاقب بالعزلة.
‘العقوبة بالعزل.’
حكمٌ يُسجن فيه المرء داخل مبنى مغلق لمدّة محددة دون أن يخرج. عقابٌ قاسٍ بحق.
فالنَّسَب في مجتمع النبلاء سلطةٌ مُطلقة لا يمكن الاستهانة بها.
والالتزام بالقوانين شرطٌ ليحافظ الشيوخ على مكانتهم.
“…الأمر ليس سهلًا.”
“أيُّ صعوبة! كل ما عليك أن تقول: آسف، أعتذر. وتنتهي المسألة.”
“لقد وضعتُ سيفًا على عنقها! لو وُضع السيف على عنقك، هل كنتَ ستتجاهل الأمر ببساطة؟”
“ذاك…….”
أدار إدريك عينَيه جانبًا، ثم ابتسم باستهزاء ورفع كتفيه. فما كان من يُوسْتيان إلا أن يشعر باليأس.
“أرأيت! آهآآآ!!”
صرخ وجثا على ركبتيه، بينما نظر إليه إدريك بنظرة ازدراء.
‘كم حذّرتُه ألّا يُشهر سيفه بلا داعٍ.’
هزّ رأسه متضجّرًا.
ثم وقعت عينُه على قطعة حلوى في يده.
“لمَ لا تُقدّم لها بعض الحلوى عند اعتذارك؟”
“حلوى؟”
“إنها لازالت طفلة بعدُ.
إنْ أهدَيتها بعض الكعك مع اعتذارك فستقبل على الأغلب.
لم تبدُ ضيّقة الصدر أو طفولية التفكير.”
صحيح أنّها في بعض المواقف بدت طفولية، لكنها ما تزال في الثامنة.
وهذا طبيعي.
“وفوق ذلك، ألا تأتي الآنسة إيزبيلا قريبًا؟ حان الوقت لتسوية الأمر.”
“آه، صحيح!”
ما إن ذُكرت إيزبيلا حتى أطلق يُوسْتيان آهة انفعال.
إيزبيلا هي ابنة أحد النبلاء، والفتاة التي يُكنّ لها مشاعر سرّية.
وقد دعاها اليوم إلى قصره بحجة مشروع دراسي.
“إذًا، عليَّ أن أُحضّر الكعك أوّلًا.”
أسرع يُوسْتيان نحو صندوق الحلوى الذي كان إدريك يتناول منه، وأغلقه.
حدّق إدريك فيه بدهشة وغضب.
“تلك كنتُ آكلها…….”
“سأذهب الآن!”
“انتظر!!”
لكن يُوسْتيان اندفع مسرعًا، تاركًا إدريك يتمتم بضيق:
“كيف يُهديها بقايا ما أكلتُه؟ يا له من أبله.”
وأطلق تنهيدةً طويلة.
—
بعد قليل من التفكير، اقترحت كيلسي أن نذهب إلى الحديقة الشتوية.
لم يكن المكان متاحًا للعامة، لكن الحراس تراجعوا بمجرد أن ذكرت اسمي.
“وااو! إنّها رائعة الجمال!!”
كانت الحديقة داخل قبّة ضخمة، دافئة رغم اقتراب الشتاء، تملؤها الأزهار والفراشات.
نظرتُ حولي مأخوذة، ثم خطر لي سؤال:
“هل يُسمح لي حقًا بدخول هذا المكان؟ يبدو أنّه ليس مفتوحًا للجميع…….”
خشيت أن يُلاموني على تجوّلي بلا إذن.
لكن كيلسي ابتسمت وأجابت:
“هذا المكان مُتاحٌ لكل أفراد العائلة.
لقد اعترف بك صاحب السمو كواحدة من دم العائلة.
ورغم أنّ مصادقة المجلس لم تتم بعد، فإنّ اعتراف الحاكم يكفي.
فلا تقلقي.”
“أها، فهمت.”
“وأمر آخر: لستِ مضطرة لمخاطبتي أنا أو الخادمة بعبارات الاحترام.
لا أُلزمكِ بالتغيير الآن، لكن سيكون من الأفضل مع الوقت أمام أعين الآخرين.”
أومأت موافقة. إن كان هذا ما ينبغي، فسأتعلّمه. ثم عدتُ أتفحّص المكان بفضول.
“يا إلهي! هنا نبات اليوكاليبتوس! لا ينمو إلا في أقصى أطراف القارّة! وهذا ميدورا؟ مذهل! بل حتى فيليادو موجود!!”
حقًا إنّ عائلة هايدريك ثرية كما يُقال.
نباتات نادرة كهذه مجتمعة في مكان واحد!
كنت على وشك الصراخ من شدّة الحماس، حين فُتح الباب فجأة بعنف.
دخل ذاك الفتى، يُوسْتيان، وهو يلهث غاضبًا.
ماذا يُريد؟ ولماذا ينظر إليّ هكذا؟
‘لا يكون يريد رفع السيف عليّ ثانيةً!؟’
اتخذتُ وضعيّة الدفاع، مددتُ يديّ للأمام كما علّمني أبي.
‘جرّب فقط، وسأريك فنون الدفاع عن النفس!’
“……هاه؟”
لكن يُوسْتيان فجأة مدّ إليّ صندوقًا صغيرًا.
أملت رأسي باستغراب، فاحمرّ وجهه وأشاح بنظره.
“وجدتُه في طريقي…….”
“……؟”
فتحتُ الصندوق متعجبة.
بداخله بقايا كعك متناثرة.
‘…وجدته في الطريق؟ يعني قمامة؟’
وجد في الطريق = قمامة.
مكان رمي القمامة = سلّة المهملات.
إذًا أنا……
سلّة مهملات؟!
تجمّدتُ مذهولة، وانفتح فمي على اتساعه.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"