اندفعت الخادمات إلى الداخل، وسرعان ما وجدتُ نفسي وسط دوّامة من الفوضى.
“انتبهوا لذراعها عند التنظيف!
ما زال الجرح لم يلتئم بعد!”
“شَعرها متشابك كثيرًا، فلا تمشّطوه بقسوة! ستتألّم!”
“استعملوا غسول جسم لطيفًا!
ليس لدينا نوع خاص للأطفال، فاكتفوا بالأساسي!”
“ألم أحذّركُن؟! قلتُ أن تُحضِرن الثياب بكلّ الألوان!”
“الحذاء لا يُناسب مقاسها!”
“أسرعن، أحضرن شريط القياس!”
تولّت الخادمات أمري، يُغسلنني ويُجففنني ويُبدّلن ملابسي، وكأنني دُمية صغيرة يُحرّكنها من مكانٍ لآخر.
وحين خارت قواي وجلستُ أرضًا، رفعنني وأجلسنني على كرسي. حتى أنّني كدتُ أغفو بينما يسرّحن شعري.
لكنّ ذلك لم يكن سوى البداية.
“الطعام قد وصل.”
“واو……!”
دخلت صينيّة تفوح منها حرارة الطعام وبخارُه، عوضًا عن أطباق باردة تنتظر بالخارج.
وكانت موضوعة مع أداة طعام واحدة فقط.
‘مستحيل……! حتى هنا لديهم حلوى الشعير؟!’
كان العمّ غيوس يبتاع لي أحيانًا حلويات من القرية، ومن بينها هذه الحلوى بالذات.
ظننتها يومًا قطعة سكر.
فهل يأكل النبلاء مثلها أيضًا؟ أم أن الأمر مقصود لأجلي؟
“لكن…….”
وبينما أنا أتلذذ بالخبز الساخن والحساء الدافئ والحلوى المألوفة، التفتُّ نحو لُوكمان الواقف بقربي.
“هل يُمكنني حقًّا أكل كلّ هذا؟ إنّه كثير… ماذا لو لم أُنهه؟”
“لا ضير إن تركتِ بعضه.”
“ولكن…….”
“لا يُلقى الطعام هدرًا، فلا تقلقي.
ثم إنّه أمر من السيّد، فلتأكلي مطمئنّة.”
السيّد؟حفيدها إذن؟ هل هذا كلّه من فِعله؟ نظرتُ بشرودٍ إلى قطعة الخبز في يدي، فابتسم لُوكمان بخفّة.
“لا تفكّري به كعبء.
هذه معاملة ينالها كلّ فرد من العائلة.”
“لكني لستُ واحدة منهم.”
“بعدُ لستِ كذلك. لكنكِ ستصبحين.”
“ذلك…….”
“وكما قلتُ، فالطفل يحتاج دومًا إلى يدٍ تمتدّ نحوه. أن تعرفي إلى مَن تلجئين عند الحاجة أمرٌ حسن.”
“…….”
اقتصر لُوكمان على الشرح بما يكفي لأطمئن، دون أن يُشعرني بالحرج.
ومع ذلك، فهمتُ المقصود بين كلماته.
‘يريدني أن أعتمد عليهم…….’
منذ أن غادرتُ والدي بتضحيته، واجهتُ الكثير.
رجال تظاهروا باللطف ليسلبوني أمتعتي، وآخرون حاولوا استدراجي بحجّة إطعامي.
كان كل ذلك مختلفًا عن الغابة المليئة بالسلام والودّ. فخفتُ وبكيتُ كثيرًا، واشتقتُ لأبي.
بل راودني الشكّ أن يكون بعضهم ممّن هاجموا منزلنا.
فكيف أُعطي ثقتي لأحد بسهولة؟
ثمّ، ما إن وصلتُ إلى هنا، طُردتُ في الحال. فأيقنتُ أن أقلّ إزعاج قد يُعرّضني للطرد مجددًا.
ولم يكن لي مكان ألجأ إليه بعدها.
لذلك سعيتُ جاهدةً أن أُخفي ضعفي. أن أرفض الاتكال على أحد. أن لا أثق بأحد.
هل أزعجتُهم بتصرّفي؟ لكن لم يَمضِ سوى يومٍ واحد منذ جئت.
أيمكن أن أسمح لنفسي بأن أُصدّقهم قليلًا؟
‘…….’
لم أُسلّم لهم قلبي كلّيًا، لكنني لم أرفض اقتراحه. تناولتُ ملعقة من الحساء، ثم أومأت برأسي.
“سأفعل.”
“جيّد. وهناك…….”
طَق طَق-
تردّد صوتُ الطرق على الباب في اللحظة التي همَّ فيها لُوكمان بالكلام.
قال لي: “لحظة.” ثم اتجه نحو الباب وفتحه.
“آه……؟!”
كان القادم هو فايل.
حين رأيته يدخل، وقفتُ مندهشة.
تقدّم نحوي، وضع يده على صدره، وانحنى احترامًا.
“أتمنى أن تكون ليلتكِ قد مرّت بخير،
جدتي.”
“هاه؟ آه! نعم، نِمتُ جيّدًا.
وأنت يا حفيدي؟”
“بفضلك استرحتُ كثيرًا.”
ابتسم برفق، فارتجفت كتفاي. لمَ يبتسم هكذا؟ لم يفعل بالأمس!
ماذا لو……؟!
‘أبي كان يقول: مَن يتغيّر فجأة، كأنّه يودّع الدنيا…….’
هل هو يحتضر؟!
“حفيدي… هل أنتَ بخير؟”
“عفوًا؟”
“لماذا تتصرّف هكذا فجأة…….”
“بُهُهُ……!”
نظر إليّ فايل بدهشة، ثم انفجر ضاحكًا. وبذلك أدركتُ أنّي أسأتُ الظن.
” الأمر ليس كذلك إذن؟”
أطرقتُ رأسي خجلًا، فأشار بيده، وخرجت الخادمات.
ابتلعتُ ريقي.
“هل أنتَ غاضب؟”
“لا.”
لكن ملامحه بدت متجهّمة.
“إنما أُحِسُّ بالغرابة من هذه المعاملة.”
“هكذا إذن؟”
“نعم. والآن، أيمكنني أن أرى ذراعك؟”
“بالتأكيد!”
رفعتُ كمّي، فانحنى ليتفحّص ساعدي. مرّر أصابعه على أثر الجرح الأحمر.
‘آه، يُثير الدغدغة.’
حاولتُ حبس ضحكتي، لكنني فشلتُ: “كِكِك……!”
رفع نظره إليّ، فأسرعتُ أضع يدي على فمي معتذرة:
“آسفة! لم يكن مضحكًا…….”
“لحُسن الحظ أنّ بشرتك بخير.
ولأنك تشعرين بالألم، فالجرح ليس عميقًا.
لا حاجةَ لزراعة هنا.”
لم يُعر اهتمامًا لضحكتي، بل أومأ برأسه.
“سأستدعي الطبيب والكاهن ليواصلوا العلاج.
وإن أحسستِ بأي ألم، فأخبريني.
سأهتم بذلك أيضًا.”
“لا أظنّ أن هناك حاجة…….”
“حسنًا. فلتكن سلامتك هي الأهم.”
كان صوته وحركاته أكثر لينًا من الأمس. نظرتُ إليه باستغراب، وأملتُ رأسي.
“لِمَ تفعل كل هذا؟ أنا مجرد مرشّحة.
من الطعام إلى العلاج والرعاية. قيل لي إنّها أوامرك.”
توقّف وهو يستدير، ثم نظر إليّ.
“إن أزعجك لقب المرشّحة، فاعتبريه يدًا ممدودة لطفلة تحتاج إلى العون. أو اعتبريه تكفيرًا، إن أردتِ.”
“تكفير؟”
“فلا تقلقي. بل، هناك أمر آخر أيضًا.”
صفّق فايل بأصابعه، فانفتح الباب ودخل رجلان.
“هذا الفارس المرافق، وتلك خادمتك الخاصة.”
“فارس؟”
عادت إلى ذهني حادثة الأمس.
أيعني أنّهما لمراقبتي؟ شعرت بالقلق، لكن فايل ابتسم.
“لا، ليسا للمراقبة.”
“آه……!”
“إنما لِيُرافقاكِ في أي مكان. فلا داعي بعد الآن للتسلّل.”
“أنا آسفة…….”
أطرقتُ خجَلًا، فقال فايل:
“حتى دون ذلك، كان لا بد من حراسة.”
“بسبب ما ذكرتُه عن الحادثة؟”
“بالضبط.”
كنتُ أنا وأبي على وشك الموت قبل أسبوع فقط، إثر هجومٍ غامض.
حين شرح فايل، اجتاحتني غصّة.
كيف يهتمّ بي شخصٌ بالكاد عرفني، بينما أنا أتصرف بتهوّر؟
‘وكأني طفلة صغيرة بلا وعي!’
نهضتُ، وانحنيت نحوه.
“شكرًا لك على اهتمامك.
سأحرص ألا أُسبّب لكم أي إزعاج!”
رفعتُ عيني نحو وجهه ببراءة، فأطال النظر إليّ، ثم ربّت على رأسي.
كانت أول مرة أشعر بيدٍ غير يد أبي تلمسني.
فتسعت عيناي دهشة.
“آه، عذرًا.”
سحب يده سريعًا مبتسمًا، ثم تمالك نفسه.
“لن يتكرر ذلك.”
لكنني لم أجد الأمر مزعجًا… تمتمتُ في داخلي. واستدار فايل مغادرًا.
“سأذهب الآن.
إن احتجتِ شيئًا، فأخبري الخادمة. إلى اللقاء.”
انحنى عند الباب وخرج.
تابعتُه بعيني حتى أغلق الباب خلفه، ثم جلستُ بهدوء.
“هُووه…….”
زفرتُ، وأمسكتُ بقطعة خبز.
“هاه؟”
رفعتُ رأسي، لأجد الفارس والخادمة يُحدّقان بي.
“…….”
“…….”
“…….”
ساد الصمت.
تبادلنا النظرات، ثم مددتُ إليهما قطعة الحلوى.
“هل تُريدان بعضًا منها؟”
ارتسمت على وجهيهما علامات الحيرة.
هل أخطأت؟
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 14"