انعقد جبين “فايل” وهو يتأمّل بصمتٍ في ظهر الجسد الصغير الذي كان يبتعد شيئًا فشيئًا.
لم يكن ما رآه مُجرّد وَهْم، فالندبةُ على ذراع “إيلينا” لم تَكُنْ إلا أثرًا للَّعنة الناريّة.
بل جرحًا سحريًّا تركه ساحرٌ بارع في فنون النار من أعلى المراتب.
وأيُّ إنسانٍ بالغٍ لو أُصيب بتلك اللعنة، لَتلوّى من شدّة الألم ودخل في نوباتٍ من التشنّج والعذاب.
فكيف إذا كان الجرح من صنع ساحرٍ متقدّم؟ لا بدّ أنَّ الأوجاع أشدُّ وأقسى.
‘ربّما تُخفّف ألمها بما تعلّمته من “فريلْدين” في علم النباتات الطبية.’
لكنّ هذا لا يعدو أن يكون معالجةً مؤقّتة، لا حَلًّا حقيقيًّا. هل يُعقَل أنّها خرجت بحثًا عن وسيلةٍ لشفاء حرقها؟
عند هذه الفكرة، خرج من صدر فايل زفيرٌ طويل.
مهما يكن، ورغم أنّهما لم يتعارفا إلا منذ ساعات، كان بوسعها أن تُصارحه بمثل هذه المعضلة.
أليست طفلةً لا تتجاوز الثامنة؟ حتى وإن لم تكن من عائلته، فمثلُ تلك الإصابة كان علاجها ميسورًا.
حتماً هي تتألّم. ومع ذلك، آثرت “إيلينا” أن تُخفي جرحها وتُدير ظهرها مدّعية أنّها بخير.
“…أتُراها ما زالت منشغلة بما حدث في الصباح؟”
كانت أذكى وأكثر نضجًا من أقرانها.
أحيانًا كانت تلمع في سلوكها لمحاتُ عبثٍ أو انفعالاتٍ متقلّبة، لكنها بارعةٌ في الكلام، وغنيّة بالمفردات.
وفوق ذلك، لم تكن كغيرها من الأطفال تصرخ وتبكي وتتمرّغ طلبًا للعون، بل تماسكت وصبرت.
وهذا ما جعل فايل يَشعر بثِقَلٍ داخليّ. فما أوجع أن ترى طفلةً صغيرةً تُجبَر على التصرّف بما يفوق سنَّها.
“لو أنّها سمحت لي بأن أكون سندًا لها قليلًا…”
همس مع نفسه، غير أنّ ما وجده في داخله لم يكن سوى مرارةٍ وسُخرية.
لم يَمضِ على لقائهما يومٌ واحد. بل وهو نفسُ الرجل الذي سبق أن أبعدها عنه. فما أحراه بالصمت.
لكنّها كانت مجرّد تنهيدةٍ تخرج من أبٍ سبق أن ربّى طفلَيْن.
“يا دوق، قبل قليل… أظنّني قرأتُ عن ذلك في أحد الكتب.”
تكلّم “إدريك” أخيرًا بعدما ظلّ صامتًا.
أطرق فايل رأسه وأومأ اعترافًا، وكأنّ نظرات إدريك تُذكّره بالواقع: نعم، ما تقول صحيح.
“يا للعجب… أهي لعنةُ النار فعلًا؟ تلك التي تذيب الجلد لمجرّد اللمس وتُحرق العظم بألمٍ لا يُحتمل؟”
“إن لم تَكُنْ عيناي قد خانتاني، فهي كذلك.”
“هذا مستحيل…”
ظلّ إدريك جامدًا، وقد تجمّد الكلام في فمه. وهذا طبيعي، فاللعنة أثقل بكثير على طفلةٍ لا تتجاوز الثامنة.
ثمّ إنّ هذا السحر لا يُستعمل أصلًا إلّا إذا كان الساحر عازمًا على إهلاك خصمه بلا رجعة.
“الأفضل أن تعود سموّك لترتاح قليلًا.
وسأتولّى أنا بقيّة الأمر.”
“…….”
حرّك إدريك شفتيه محاولًا الكلام، لكنّه لم يجد سفايلًا للاعتراض على أمر صاحب القصر.
فاكتفى بأن أومأ قصيرًا، ثم تراجع بخطواتٍ ثابتة.
ظلّ فايل يُتابع ظهره وهو يبتعد، قبل أن يُمرّر يده على شعره متنهّدًا.
“يجب أن أُسارع في الأمر.”
وغاصت عيناه في ظلال الليل.
—
استيقظت “إيلينا” من نومٍ عميق عند أول خيوط الفجر.
كانت ترغب في الاسترخاء قليلًا، لكن حرقة ساعدها أجبرتها على النهوض.
“آه…”
فركت عينيها معتادةً على الألم، ثم بدأت تُفتّش في حقيبتها.
أخرجت صندوقًا صغيرًا يحوي مسحوق الأعشاب، ثم كشفت عن ساعدها وحلّت الضماد الذي لفته فجرًا.
“أوه…”
ما إن أزالت طبقة الأعشاب حتى ازداد الألم تدريجيًّا.
أسرعت بغسل الجرح بالماء قبل أن تفتح الصندوق من جديد لتضع أعشابًا أخرى.
طرقات على الباب.
“أنا لوكمان يا سيّدتي.”
أوه! الخادم!
قفزت مسرعةً نحو الباب، ناسيةً لوهلةٍ حرقة ساعدها.
فُتح الباب فظهر لوكمان، فانحنت له فورًا.
“صباح الخير! أتمنى لك يومًا طيبًا!”
ابتسمت بمرح، فردّ لوكمان بابتسامةٍ دافئة وإيماءةٍ رقيقة.
“صباح الخير يا سيّدتي.
لكن ليس عليك الانحناء لي.
في هذا القصر، لا يليق بكِ أن تنحني أمام أحد.”
“لا، ما زلتُ مجرّد مرشّحة، وأبي دائمًا أوصاني أن أُكرم الكبار وأُجلّهم!”
ومن ذا الذي يكره طفلةً لطيفةً ومهذّبة؟ نظر إليها لوكمان بعطفٍ وحنان، بينما أمالت رأسها متسائلة:
“لكن… لماذا جئت في هذا الصباح؟ أهو بسبب ما جرى البارحة؟”
“لا، ليس لذلك.
أردتُ فقط الاطمئنان إلى راحتك وما قد تحتاجينه.”
“أحتاج؟”
“صاحب السموّ قال إنّك بحاجةٍ إلى علاج.”
“علاج؟ لكنّي لم أُصبْ بشيء…”
وبينما كانت تُخبّئ ذراعها، ابتسم لوكمان وأشاح بوجهه قليلًا.
لتظهر خلفه امرأة شابّة.
“مرحبًا…”
رفعت إيلينا بصرها بدهشة، ثم بادرت بالتحيّة. ردّت الشابة بابتسامة وانحناءةٍ خفيفة.
“أنا إفيري تايلور، ساحرة عليا متخصّصة في عنصر الماء.”
“ساحرة؟”
“أرسلني صاحب السموّ لأنّ هنا مَن يحتاج إلى علاج. هل يمكنني الدخول قليلًا؟”
اتّسعت عينا إيلينا بدهشة.
لم تتوقّع قدوم ساحرةٍ عليا من عنصر الماء شخصيًا. فلا شكّ أنّ السبب هو جُرحها.
تملّكتها العجلة، فأمسكت بذراعها وهزّت رأسها نافية:
“لـ، لستُ بحاجة! أستطيعُ مداواته بنفسي! صدّقوني!”
لكنّ محاولتها لم تُجدِ. تبادل لوكمان وإفيري النظرات، ثم ابتسما بخفّة. التفت إليها لوكمان وقال:
“حين يتألّم المرء يلجأ إلى الطبيب، وحين يحتاج عونًا يعتمد على الآخرين. هذا حقّ طبيعي وليس عبئًا.”
“لكن…”
“وأنتِ ما زلتِ طفلة تحتاج رعاية الكبار، فطلب العون أوجب. لا خجل فيه. فهل تسمحين لنا أن نكون سندك؟”
تردّدت قليلًا، ثم نظرت إلى إفيري.
‘هل أقبل…؟’
كانت تعلم أنّهما لا يضمران لها شرًّا، لكنها تعلم أيضًا أن العطاء بلا مقابل أمرٌ نادر.
لقد رأت بنفسها أنّ البشر لا يمنحون شيئًا بلا غرض. وكانت تؤمن أنّ عليها أن تثبت قدرتها وحدها.
لكنها أمام إصرارهما… ماذا عساها أن تفعل؟
“سيّدتي إيلينا.”
أمام هذا النداء، لم تَعُد تملك إلّا أن تستسلم. مدّت ذراعها بخجل.
“هُوو…”
“يا إلهي…”
اتّسعت عينا الاثنين، وانطلقت منهما أنفاس الدهشة. ارتبكت الطفلة وضحكت بتكلّف:
“ههه… ليس بالأمر الكبير صدّقوني! أنه يؤلمني قليلًا فقط! أستعمل أعشاب أبي لِتخفيف الألم!”
ظلّ لوكمان صامتًا يُمعن النظر في الجرح، ثم حوّل بصره إلى إفيري.
“أرجوكِ.”
“بالطبع.”
اقتربت الساحرة وجثت على ركبتيها، ثم وضعت راحتها على الجرح.
تهيّأت إيلينا لتلقي الصدمة.
‘آه… غريب، لا يوجد ألم؟’
على العكس، شعرت ببرودةٍ مهدّئة.
“أور تيل لوديس…”
أخذت إفيري تُنشِد تعاويذ عليا، وكلّما طالت الكلمات ازدادت البرودة حتى تحوّلت إلى إحساسٍ قارسٍ كالثلج.
“أور إنوسنت.”
وما إن أنهت تعويذتها حتى أشرقت الغرفة بأنوارٍ ساحرة، تجمع بين بياض الثلج وزرقة البحر.
“كم هو رائع…”
خرجت منها العبارة بصدق، مأخوذةً بسحر الماء الذي تراه للمرّة الأولى.
تطايرت قطرات الماء وبلّورات الثلج في مشهدٍ بديع، ثم بدأت تخفت شيئًا فشيئًا.
“هاه…”
زفرت إفيري، ثم رفعت يدها كاشفةً عن ساعدٍ تلاشت منه اللعنة تقريبًا.
“لقد أزلتُ اللعنة، لكن أثر الحرق ما زال قائمًا.
يجب أن تراه يد طبيب مختصّ كي لا يترك ندبةً على ذراعك الجميلة.”
شعرت إيلينا بالدهشة وأومأت برأسها. ثم غادرت إفيري بعد أن انحنت للوْكمان.
وما إن انغلق الباب، تذكّرت فجأة:
“آه! لم أشكرها! عليّ أن ألحق بها!”
“ستلتقينها ثانيةً يا سيّدتي، وستجدين فرصة للشكر.”
“لكن…”
“هناك ما هو أهمّ الآن.”
“أهمّ؟”
ارتجفت عيناها بفكرةٍ خطرت فجأة: هل يتعلّق الأمر بأجور العلاج؟
أسرعت وأخرجت من جيبها ثلاث عُملات نحاسيّة صغيرة.
“أ… هذا كلّ ما أملك! أقسم أنّي لا أملك غيرها!”
نظر إليها لوكمان لحظةً، ثم انفجر ضاحكًا وهو يهزّ رأسه:
“هاهاها! أتظنّين أنّنا عالجناكِ طمعًا بالمال؟ يا لكِ من طفلةٍ طريفة!”
“حقًا؟”
“طبعًا.
ما كان ذلك سوى أمرٍ من الدوق نفسه.
ولا مجال لتقاضي ثمن.”
“أمرُ من الدوق؟”
“بل وأكثر، فهذا لم يَنتهِ بعد.
صفّق بيديه، فانفتح الباب لتدخل مجموعة من الخادمات.
حدّقت إيلينا بذهول، بينما وقف لوكمان مبتسمًا ويداه خلف ظهره.
“ماذا…؟”
“من الآن، نبدأ العناية الكاملة.”
غمرتها ابتساماتهم، فشعرت قشعريرةً تسري في جسدها.
‘لقد وقعتُ في مشكلة…!!’
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 13"