01.
جنوبَ إمبراطوريّةِ كاليوم، في هايدريك.
كانتْ مقاطعةُ دوقيّة هايدريك، الأغنى في أرجاءِ الإمبراطوريّة، وكانَتْ عائلةُ دوقِ هايدريك، التي تحكمُها، عائلةً تَفتخرُ بثروتها الهائلة منذُ أجيال.
وفي طريقِها نحوَ القصرِ الرئيسيّ لعائلةِ هايدريك، كانتْ تمشي فتاةٌ صغيرةٌ ترتدي رداءً أبيضَ فضفاضًا. وكانَ سكانُ المقاطعةِ يُحدّقون بها بدهشة.
فلم يكنْ ذلك غريبًا، إذ كانتْ تحملُ على ظهرِها حقيبةً ضخمةً، تكادُ تضاعفُ حجمَ جسدِها الصغير.
وكانتْ تسيرُ بجانبِها نبتةٌ غريبةٌ تتحركُ كأنها تمشي.
وكانَ مظهرُها المدهشُ والغريبُ كافيًا لأنْ يجعلَ الجميعَ يُلقي نظرةً نحوَها.
لكنّ الفتاةَ نفسها، لم تكنْ تُبالي بنظراتِ الناس، ومضتْ في طريقِها بثباتٍ وعزم.
وكانتْ وجهتُها، القصرُ الرئيسيّ لعائلةِ دوقِ هايدريك.
“هممم؟”
كانَ ذلك هو هايمڤن.
أحدُ الحرّاسِ الذينْ كانوا يحرسونَ المدخلَ، لاحظَ الفتاةَ تتوقفُ أمامَ البوابة، فأمالَ رأسَه بدهشة.
فتاةٌ صغيرةٌ تحملُ حقيبةً ضخمةً ونبتةٌ تمشي معها؟ لم يكنْ مشهدًا مألوفًا أبدًا. تبادلَ الحرّاسُ النظراتِ بينهم.
“هلْ هذا هو قصرُ هايدريك؟”
انطلقتْ من الفتاةِ كلماتٌ بصوتٍ طفوليّ، يناسبُ بُنيتَها الصغير.
اقتربَ منها أحدُ الجنود.
“نعم، هذا هو القصر، لكن… مَنْ أنتِ؟”
ركعَ الفارسُ قليلًا ليلتقي بعينيها. في تلكَ اللحظة، تلألأتْ عينانِ بنفسجيّتانِ من تحتِ الظلال.
توسّعتْ عينا الجنديّ بدهشة.
العينانِ البنفسجيّتانِ هما علامةُ عائلةِ هايدريك. ولم تكنْ تُرى في أيِّ مكانٍ آخرَ على القارّة.
“أنا، إيلينا يُوناس.”
قالتْ الفتاةُ ذلك بهدوءٍ بينما كانتْ تُخرجُ يدَها من جيبِها.
ثمّ مدتْ يدَها للجندي، وكانَ فوقَ كفِّها خاتمٌ يُقدَّرُ أنّه يعودُ لرجلٍ بالغ.
كانَ على الخاتمِ نقشٌ خاص.
هلالانِ متقاطعانِ، وبينهما صقرٌ أزرق.
“أخبروا دوقَ هايدريك…”
ذلكَ الخاتمُ كانَ يحملُ نفسَ الشعارِ المعلّقِ في أعلى القصرِ.
“… أنّ ابنةَ فرالدين يُوناس قدْ عادت.”
كانَ ذلكَ هو الختمُ الذي يُمثّلُ أحدَ أفرادِ العائلة.
* * *
كانَ فايل، ربُّ عائلةِ هايدريك، مشغولًا منذُ الصباحِ الباكر.
فالشتاءُ هذا العامِ يُنذرُ ببردٍ قارس، وكانوا منشغلينَ بالاستعداداتِ الشتويّة وتأمينِ المؤن.
عادةً، كانَ من المفترضِ أنْ يتولّى المُعاونُ هذه الأمور، لكنّ الجفافَ الذي استمرّ لثلاثِ سنواتٍ متواصلةٍ جعلَ أزمةَ الغذاءِ خطيرة.
لذلك، كانَ على الدوقِ أنْ يتدخّلَ بنفسِه ويتواصلَ مع دولٍ أخرى لتأمينِ الطعامِ لشعبِه.
“كيفَ سارَ الاتفاقُ معَ تجّارِ مملكةِ ريڤدون؟”
“لقدْ أبرمْنا العقدَ البارحة، وسأرفعُ لكمْ التقريرَ قريبًا.”
قطّبَ فايل جبينَه على تقريرِ مساعدِه، رغمَ ملامحِه الحادّة، إلا أنّ شعرَه الذهبيّ الذي يصلُ لكتفِه وفمَه الحازم أضفوا عليه هيبةً لا تُخطئها العين.
كانَ رجلًا في منتصفِ العمرِ، أقربَ للعالِمِ من المحارب.
“قلتُ أنْ تُرسلَ التقريرَ فورًا، دونَ النظرِ للوقت. ألا تدري مدى أهميّةِ المؤنِ التي سنشتريها من تجّارِ ريڤدون؟”
“أعتذر، سيدي!”
انحنى المعاونُ سريعًا بعدَ أنْ بلعَ ريقَه من لهجةِ فايل الحادة.
تنهدَ فايل وهوَ يُرتّبُ الأوراقَ المبعثرة.
“لقدْ أمّنّا جزءًا من المؤنِ، لكنّ الوضعَ ما زالَ هشًّا. لا تُغفلوا أيّ شيء، حتى أصغرَ التفاصيل. ما دمتُ على قيدِ الحياة، فلنْ أسمحَ لأحدٍ في هذهِ المقاطعةِ أنْ يموتَ جوعًا، مفهوم؟”
“أجل، سيدي!”
“انصرفوا.”
انسحبَ الجميعُ بسرعةٍ بعدَ الأمرِ المنخفضِ النبرة.
وعندما هدأَ المكان، أغمضَ فايل عينيه بقليلٍ من التوتر.
كانَ رجلًا في منتصفِ العمرِ، بشعرٍ ذهبيٍّ يميلُ إلى البنيّ، وعينينِ بنفسجيّتين.
مسحَ وجهَه بيده، ونظرَ نحوَ السقف.
“ثلاثُ سنواتٍ مضتْ، بالفعل…”
كانَ الجفافُ قدْ بدأَ من بارونيّةٍ صغيرةٍ، ثمّ امتدّ ليغمرَ معظمَ الإمبراطوريّة.
لحُسنِ الحظ، لمْ يشعروا حتى الآن بتأثيرٍ مباشرٍ. فمقاطعةُ هايدريك غنيّة، ومخازنُ الذهبِ لديها تفوقُ أيّ مكانٍ آخر.
لكنْ، إلى متى يمكنُ الاعتمادُ على المالِ وحده؟ لا أحدَ يعلمُ متى سينتهي هذا الجفاف.
حتى معَ استدعاءِ الكيميائيينَ، وعلماءِ الجيولوجيا، والسحرة المتخصّصينَ في التربةِ والمياه، لمْ يتغيّرْ شيء.
لا حلّ سوى أنْ تمطرَ السماء.
لكنّ سحرَ التحكمِ في الطقسِ لا يتقنهُ سوى كبارِ السحرة، وبالذاتِ مَن تخصّصوا في “عنصرِ الطبيعة”.
ومعَ الأسف، كانَ هذا النوعُ من السحرِ مُهمَلًا في الإمبراطوريّة، وسُحرتُه يُنظرُ إليهم بدونية.
ولذلك، كانَ من النادرِ جدًّا ظهورُ ساحرٍ عظيمٍ من هذا التخصّص.
“… لوْ أنّ فرالدين ما زالَ على قيدِ الحياة.”
كانَ “فرالدين” الساحرَ الأعظمَ الوحيدَ من نوعِه الذي سجّلتْه الإمبراطوريّة.
لكنهُ اختفى منذُ أكثرَ من ثلاثينَ عامًا بعدَ حادثةٍ غامضةٍ، ولمْ يُعثرْ لهُ على أثر.
ظنَّ البعضُ أنه مات، لكنّ الغالبيّةَ لمْ يُصدّقوا ذلك.
فمَنْ يُجيدُ التحكمَ بالطبيعةِ لا يموتُ بهذهِ البساطة.
لكنْ، بعدَ ثلاثينَ عامًا، لمْ يعُدْ لهذا الظنّ أيّ وزن.
حتى إنْ عادَ، سيكونُ قدْ تجاوزَ السبعينَ.
وقدْ لا يستطيعُ حتى استخدامَ السحر.
بلْ إنّ كثيرينَ ادّعوا لاحقًا أنّهم من نسلِ فرالدين، لكنّهم كذبةٌ وسُجِنوا.
باتَ اسمُ فرالدين مجرّدَ سطرٍ في كتبِ التاريخ.
طرق، طرق
“ادخل.”
كانَ الطارقُ العجوزُ هو لوكمان. خادمُ قصرِ هايمڤن.
“سيدي، هناكَ ضيفٌ في قاعةِ الاستقبال.”
“ضيف؟ لمْ يكنْ هناكَ مواعيدُ اليوم.”
“تَدّعي أنّها ابنةُ فرالدين.”
“… مُنتحلٌ آخر، إذن.”
كانَ هذا ثالثَ مُدّعٍ هذا العام.
“كمْ عمرُها؟ ثلاثون؟ أربعون؟ أو ربما عشرون؟”
إنْ كانَ لدى فرالدين أبناء، فمن الممكنِ نظريًّا أنْ يكونوا في الثلاثين، فقدْ كانَ عمرُه حينَ اختفى يفوقُ الأربعين.
“… ثمانيةُ أعوام.”
جمُدتْ ملامحُ فايل عندَ سماعِ الإجابة.
ثمانيةُ أعوام؟ وتقولُ إنّها ابنتُه؟ لوْ كانتْ حفيدةً لكانَ الأمرُ منطقيًّا، لكنْ ابنة؟
“وتحملُ الخاتمَ والعينينِ البنفسجيّتينِ.”
الخاتمُ قدْ يكونُ مقلّدًا، والعينانِ قدْ تكونانِ سحرًا.
لمْ يكنْ ذلكَ مُقنعًا لـفايل، فاكتفى بابتسامةٍ ساخرة.
“… يبدو أنَّ أحدَ الأوغادِ يُحاولُ الاحتيالَ علينا مجدّدًا.”
لكنْ هذهِ المرّة، يستخدمونَ طفلةً صغيرة!
قهقهَ باستهزاء، ثمّ نهضَ من مقعدِه.
“دلّني عليها. سأرى بنفسي.”
* * *
ألقيتُ نظرةً خاطفةً على المكانِ من حولي.
“هلْ هذهِ غرفةُ استقبال؟ أشبهُ بقصرٍ خياليّ.”
“كمْ يبلغُ سعرُ كلّ هذا؟”
الثريّا المعلّقةُ في السقفِ مرصّعةٌ بالألماس، واللوحاتُ على الجدرانِ مؤطرةٌ بالذهبِ والأحجارِ الكريمة.
عائلةُ هايدريك تملكُ منَ المالِ ما يُقالُ إنّه أكثرُ منَ الغبارِ نفسه.
“ها أنا الآنَ، في قلبِ كلّ هذا.”
‘اهربي، إيلينا…!’
رنّ صوتُ والدي في أذني.
أتذكّرُ حرارةَ النيرانِ التي التهمتْ منزلَنا، ورائحةَ الخشبِ المحترق، وأنفاسَ والدي اللاهثةِ وهوَ يحملُني ويهربُ.
أطبقتُ على ردائي بقوّة.
عندها، وقعتْ عيناي على صحنِ الحلوى فوقَ الطاولة.
قرررررر-
“لمْ آكلْ شيئًا منذُ الصباح…”
لمْ يكُنْ لديّ مال، والاستجداءُ لهُ حدود.
ظننتُ أننّي إنْ وصلتُ إلى هنا، سأتمكّنُ منْ الأكل، فمشيتُ طوالَ اليومِ دونَ فطورٍ أو غداء.
ربّما لهذا، بدتْ تلكَ الحلوى لذيذةً جدًّا.
“فقطْ واحدة…”
لابدّ أنَّها وُضعتْ لأجلي، أليسَ كذلك؟ بهذهِ الفكرةِ، تناولتُ قطعةً ووضعتُها في فمي.
“… ممف؟!”
في اللحظةِ التي بدأتُ أُمضغُ فيها…
‘لذيذة!!’
الجوع، والمذاقُ الحُلوُ الذي لمْ أذقْهُ منْ قبل.
امتزجَ الاثنانِ ليصنعا طعامًا خياليًّا!
“… هااه؟!”
عندما أفقتُ، كنتُ قدْ أكلتُ كلّ الحلوى.
تضخّمتْ خدودي، وأنا أُمضغُ بسرعة.
كانَ عليّ أنْ أبتلعَها قبلَ وصولِ الدوق.
كليك
صوتُ البابِ يُفتح…
‘الآنْ؟!’
رفعتُ رأسي بفزع.
دخلَ رجلٌ يرتدي زيًّا رسميًّا من نفسِ البابِ الذي دخلتُ
منه.
رجلٌ أشقرُ، بعينينِ بنفسجيّتين.
أدركتُ على الفورِ أنّه ربُّ هذا القصر.
تقدّمَ نحوي بعدَ أنْ صرفَ منْ حوله، وحدّقَ فيّ.
حدّقَتْ عيناهُ الباردتانِ بي.
كانتْ نظراتُهُ مختلفةً تمامًا عن دفءِ والدي.
طالَ الصمتُ، ثمّ تبسّمَ بسخرية.
وقال:
“ما هذا المسحوقُ على خدّك؟ هلْ أنتِ هامستر؟”
“أممف!!”
حاولتُ فتحَ فمي لنفي ذلك، لكنّ قطعةَ الحلوى طارتْ منْ فمي وأصابتْ خدَّه.
“… پفف!”
وفي تلكَ اللحظة، انطلقتْ ضحكةٌ ناعمةٌ داخلَ الغرفة، لا يُعرفُ مَنْ صاحبُها.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"