4
في الصباح الباكر، استيقظت على صوت المطر وهو يطرق النافذة.
المطر، الذي كان يهطل منذ الفجر، لم يُبدي أي علامة على التوقف حتى بعد الظهر.
شربت لاريا كوباً دافئاً من الحليب ثم وضعته جانباً.
‘والداي في رحلة عمل، وأخي الأكبر ذهب إلى العمل. إنه توقيت مثالي.’
منذ العام الماضي، كانت لاريا تخرج بهدوء كلما غابت عائلتها.
في كل مرة كانت تحاول فيها المغادرة، كانوا عائلتها يسألونها بإزعاج عن وجهتها وماذا ستفعل.
بعد أن أخبرت الخادمة أنها ستأخذ قيلولة وألا تزعجها، أخذت لاريا سواراً من علبة مجوهراتها.
“هذا كافي.”
كان سواراً بخمس قطع من الياقوت بحجم ظفر صغير، مرصعون على السوار جلدي.
باستثناء الياقوت، ليست هناك أي تصاميم أخرى به، مما جعله يبدو بسيطاً نوعاً ما بالنسبة لإكسسوار.
أخيراً، بعد أن سحبت قلنسوتها لفوق رأسها، بدأت لاريا بإلقاء تعويذة وهي تُغمض عينيها.
طقطقة-.
تحطمت إحدى أحجار الياقوت الذي على السوار.
في الوقت نفسه، انبعثت ألسنة لهب بيضاء تبدو وكأنها قضبان من تحت قدميها.
انتشر الضوء الساطع الذي ارتفع بسرعة وتحول إلى ضباب.
لفّ الضباب الأبيض جسد لاريا.
عندما فتحت عينيها مجدداً، بدلاً من المتجر المألوف، رأت غرفة تشبه كوخ الصيادين.
جدران من الطوب الأحمر وأرضية مغطاة بجلود الحيوانات.
مدفأة كبيرة مبنية من كسر أحد جوانب الجدار في الغرفة.
أمام المدفأة، يقف رجل ذو شعر بني مضفر، وظهره يواجه لاريا.
“لقد مضى وقت طويل؟ كنت أفكر فيكِ منذ لحظات.”
رحّب الرجل بلاريا دون أن ينظر إلى وجهها ويتأكد إذا كانت هي.
بدا الأمر منطقياً، فالشخص الوحيد الذي يظهر فجأة في مساحته الخاصة هي لاريا.
رمى الرجل الورقة التي كان يقرأها في المدفأة بسرعة.
اشتعلت النيران في الورقة والتهمتها.
عندما استدار الرجل ببطء، ظهرت ملامحه بوضوح.
طويل القامة، وجه وسيم، يبدو في أوائل الثلاثينيات من عمره، وعينين خضراوين لامعتين تشبهان الخرز الزجاجي.
ملفت للنظر بشكل خاص بسبب رقعة العين السوداء التي تُغطي إحدى عينيه.
لم يُزرر قميصه بالكامل، كاشفًا عن صدره، ويرتدي عباءة مُنسدلة على كتفيه.
هذا الرجل، الفريد من نوعه من رأسه إلى أخمص قدميه، يكون سولايك، قائد نقابة شبكة المعلومات، والمعروف أيضاً بلقب الغراب الذهبي.
لاريا، التي تقف على بُعد من المدفأة، فتحت حقيبتها وقدمت قارورتين من الجرعة.
عندما رأى القارورتين، لمعت عينا سولايك وكأنه غراب وجد جوهرة.
“إنه الدواء الذي طلبته.”
“هل هو الدواء الذي يُغير لون العينين والآخر الذي يجعل المرء ينام ليوم كامل؟”
عند سؤال سولايك، أومأت لاريا.
أخذ سولايك القارورتين بسرعة، وفحصهما في ضوء النهار.
لمعت الجرعتان وكأن بهما ضوء.
“إنه منتج رائع.”
لمعت عيناه الخضراوان الزجاجيتان بدهشة وجشع.
في العالم، هناك من يمارسون السحر، وقليل منهم فقط من يستطيع صنع الجرعات.
من بينهم، إن الجرعات التي تصنعها لاريا استثنائية لدرجة أنها اعتُبرت من المرتبة الأولى.
يبيع سولايك الجرعات التي تصنعها لاريا بسعر باهظ جداً.
في المقابل، يزود لاريا بالمعلومات التي تريدها.
“هل من معلومات جديدة؟”
“…… آسف، لا توجد معلومات جديدة.”
تغير تعبير وجه لاريا.
“أعدهما.”
“أرجوكِ، أعطيني فرصة لأشرح.”
فرك سولايك يديه وهو يضحك بتوتر.
لم يكن الرجل الذي يقود أفضل نقابة شبكة معلومات في الإمبراطورية ممن يتنازلون بسهولة حتى عن عملة واحدة.
أمالت لاريا رأسها ببساطة، وذراعيها متقاطعتان.
قلقاً من أن يفقد جرعتين، بدأ سولايك بالكلام بسرعة.
“لقد جمعنا بعض الأدلة. لكن يبدو أن الدوق الأكبر كراسيوم لاحظ أنني بحثت بعمق هذه المرة.”
جفلت لاريا عندما سمعت عن الدوق الأكبر كراسيوم.
“تراجعنا ظناً منا أنه قد يتم تعقبنا. فأنا لا أملك سوى حياة واحدة.”
تنهدت لاريا بعمق.
إنها تحقق منذ فترة طويلة لكنها لم تعثر على دليل قاطع.
كانت لاريا تُحقق في الحوادث المتعلقة بزينوكس من خلال بيع الجرعات.
بالتحديد، الأمر مرتبط باليوم الذي هربت فيه لاريا من قصر كراسيوم.
قبل حوالي ثلاث سنوات، اختطف زينوكس لاريا وهي في شكل ثعلب.
عاشت في قصر كراسيوم لمدة نصف عام، وفي أحد الأيام، عندما اندلع حريق، تركت زينوكس.
أعلنت عائلة كراسيوم رسمياً أن الحريق ناجم عن إهمال أحد الخدم.
لكن لاريا تعرف الحقيقة.
‘كان هناك دخيل.’
للأسف، أثناء غياب زينوكس، اقتحم أحدهم المنزل.
لاريا، التي كادت أن تُقتل على يد الدخيل، بالكاد تمكنت من الفرار لكنها أصيبت بجروح بالغة.
بعد ذلك اليوم، انقطع تواصلها مع زينوكس، لكن لاريا كانت تتعقب هوية الدخيل.
إنها تعرف ما كان يسعى إليه الدخيل.
إرث عائلة كراسيوم.
إنه شيء غير عادي.
رغم أن لاريا وُلدت كثعلبة، إلا أنها لا تجيد استخدام السحر. مع ذلك، تمتلك القدرة على التحول إلى ساحرة.
‘لكنني الآن أملكه.’
إنه يعلم أن لاريا تمتلك الإرث.
رغم أنها كانت في ذلك الوقت في هيئة سوين، إلا أنها تبحث عن الدخيل خوفاً من استهدافه لها مجدداً.
لم يكن ذلك بسبب قلقها على زينوكس.
“إذن، لا توجد معلومات مفيدة؟”
“هذا صحيح……؟”
“أعطني المال.”
بدا سولايك محبطاً ودفع ثمن الجرعتان.
ابتسمت لاريا وهي تتأكد من أخذ كل عملة نقدية.
على عكس السحرة الآخرين، على لاريا أن تدفع بجوهرة في كل مرة تستخدم فيها السحر.
كلما كانت الجوهرة أنقى وأندر، كان مستوى قوتها السحرية أعلى. ونتيجةً لذلك، كانت تعاني من ضائقة مالية.
بالتفكير في الجواهر التي تختفي كلما استخدمت السحر، شعرت لاريا بالحزن للحظة.
رغم أنها تعمل كمرتزقة في مجال المعلومات دون الكشف عن هويتها، إلا أنها لم تكن تجني أي أموال. هناك مشكلة.
بعد تسوية الدفع، بدأ سولايك بالتحدث.
“لقد قابلتيه، أليس كذلك؟ الدوق الأكبر كراسيوم.”
تغير تعبير وجه لاريا على الفور.
“ماذا، هل انتشرت الشائعات بالفعل؟”
“مستحيل. عرفت ذلك من مصادري.”
سولايك، الذي كان يتفاخر، ضحك بخفة.
“قلتِ إنكِ لستِ مهتمة بالدوق الأكبر؟”
“ذهبتُ دون أن أعرف من هو الشخص الذي سألتقيه.”
لو كانت تعلم مُسبقاً، لما ذهبت أبداً.
“إذن، هل تعتقدين أن كل شيء سيكون على ما يرام؟”
“كما قلتُ مراراً، لستُ مُهتمة بالدوق الأكبر.”
أضافت لاريا بحزم.
“أنا فضولية بشأن حادثة حريق عائلة كراسيوم.”
بالتحديد، الأمر يتعلق بالدخيل.
كانت تتابع الدخيل طوال العام الماضي، لكنها تجنّبت عمداً أي معلومات تتعلق بزينوكس.
كانت فضولية لمعرفة كيف يعيش، لكنها شعرت أنها ستُصاب بالضيق بمعرفتها بذلك.
لقد هربت، ولا رجعة في الأمر.
لهذا السبب رفضت عمداً أي معلومات عنه منذ البداية.
“همم. إذن، هل يمكنني بيع هذه المعلومات؟”
حدق سولايك وهو يبتسم.
“أنتِ تعلمين كم هي باهظة الثمن المعلومات عن الدوق الأكبر كراسيوم.”
كان يعتقد أن خبر ذهاب زينوكس لموعد أعمى كفيل بجني ثروة.
نقرت لاريا بلسانها.
“مهووس بالمال……”
“لو كنتِ أنا، ألن تبيعيه؟”
“بالطبع، سأفعل.”
مع ذلك، لاريا مهووسة بالمال تماماً مثل سولايك.
أخبرته لاريا بكل شيء، من مكان لقائها بزينوكس إلى ماذا شربا وحتى نهاية الموعد.
ستنتشر الشائعات قريباً على أي حال، فلماذا لا تُحقق ربحاً مسبقاً؟
بعد صفقة مُرضية، ابتسما لبعضهما البعض.
إن علاقتهما بالمال أقوى من الصداقة.
“ربما سيبحث الكثيرون عن معلومات عنكِ لفترة.”
حتى الآن، كانت المعلومات عن لاريا تُباع أحياناً.
كان الناس يراقبون لاريا، التي ظهرت مؤخراً كساحرة.
ومع ذلك، عدد المعلومات قليل.
إنها ليست تابعة لمكتب السحر، ومنع سولايك انتشار أي معلومات عن لاريا.
[إنها خدمة خاصة لزبائني الأوفياء!]
لم يطلب أجراً على هذه الخدمة، فوثقت به لاريا واستمرت علاقتهما التجارية.
على أي حال، كانت الصفقة مُرضية هذه المرة أيضاً.
“من فضلك أعطني معلومات في المرة القادمة التي تتلقى فيها طلباً.”
بعد ذلك، غادرت لاريا المكان.
بما أنها بالخارج، فكرت في الذهاب لشراء بعض الجواهر.
على عكس هدوء المتجر، عندما خرجت سمعت صوت المطر.
لم يكن الوقت متأخراً، لكن الشمس لم تكن مشرقة، فكان الظلام حالكاً.
سارت لاريا في الزقاق، مستخدمة المظلة التي تلقتها من سولايك.
تطايرت قطرات المطر المتناثرة.
‘هل عليّ العودة إلى المنزل؟’
بعد التأكد من عدم وجود أحد، أنزلت غطاء رأسها. شعرت لاريا ببعض الإرتياح.
قلقة من ابتلال طرف فستانها، سارت لاريا مسرعة، ولكن قبل أن تنعطف إلى زقاق، لاحظت رجلاً متكئاً على جدار.
‘ما هذا؟’
الرجل، الذي لا يحمل مظلة، بدا مريباً للغاية.
لم ترغب لاريا في التورط في أي جريمة، فحاولت المرور وكأنها لم تره.
عندما اقتربت من الرجل، شمّت رائحة دماء خفيفة ممزوجة برائحة المطر.
وكأنها مسحورة، رفعت لاريا رأسها لترى وجهه، فتجمدت في مكانها.
‘إنه زينوكس كراسيوم!’
كانت مندهشة للغاية؛ لدرجة أن أذنيها ظهرتا.
رفعت يديها بسرعة لتضغط على أذنيها.
ربما سمع زينوكس صوت سقوط المظلة، فرفع رأسه.
حتى مع كل المطر، سال الدم الذي لم يُغسل من على جسده.
عيناه، اللتان بدتا عليهما الضياع، ومظلمتين، انعكست فيهما لاريا.
رمش ببطء، وهمس بصوت عميق.
“وايتي……؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"