كانت يداها باردتين من شدّة التوتّر. أمسك فرناندس يديّ تيتانيا برفق و داعبهما بحذر حتى أصبحت أطرافهما مُتّقدة باللون الورديّ.
“إذا أردتِ أن تفعلي ذلك ، فلا بأس. لا يجب أن تحبّيني”
ضمّت تيتانيا شفتيها بقوّة. شعرت بدموع تكاد تنهمر بسبب الدفء الذي انتشر من أطراف أصابعها. كانت تيتانيا دائمًا تشعر بالبرد. لم يكن هناك من يعانقها بحنان.
في هذه الحياة ، وُلدت تيتانيا تحت رعاية كونت و كونتيسة فينيسيا ، و عاشت في رغد ، لكنّها ظلّت تشعر بالبرد. ربّما بسبب الوحدة التي تكتنف روحها.
لكن في هذه اللحظة ، شعرت بالدفء.
“لن أطلب منكِ شيئًا”
ربّت فرناندس عليها بحنان ، و كأنّه يستدرج تيتانيا التي كانت تتقلّص خائفة. كانت لمسته و هو يفرك أصابعها رقيقة. غطّت يده الكبيرة يدي تيتانيا بالكامل.
“مشاعري تخصّني ، و قلبكِ موجود هنا كما هو ، فلا تخافي”
جمع فرناندس يدي تيتانيا معًا. تدحرجت دمعة كبيرة على خدّيها. زفر فرناندس ثمّ مسح دموعها.
“ما الذي يجعل الأمور صعبة و مؤلمة بالنسبة لكِ؟”
أطرقت تيتانيا رأسها.
تخلّى فرناندس عن تردّده و رفع تيتانيا بين ذراعيه فجأة.
أصبح ساقيها بديلًا عنها و هي تترنّح و كأنّ قواها قد نضبت. في تلك اللحظة ، كان يحملها إلى داخل القصر.
تودوك-
بدأ المطر يهطل. أدارت تيتانيا رأسها لتنظر إلى الخارج.
مسحت دموعها.
بلّلها المطر الحرّ المتساقط.
شعرت بقلبها يرتوي رطوبة.
***
اقتحم فرناندس القصر الإمبراطوريّ. كانت تيتانيا كالحلزون ، مختبئة و متقلّصة داخل قوقعتها الصلبة ، تنتظر حتى يهطل مطر الربيع الدافئ.
لكن كان هناك أشخاص أشرار يحاولون إخراج تيتانيا من قوقعتها بالقوّة. و كان هؤلاء يعيشون في هذا القصر الإمبراطوريّ.
جلس كريستين و كاربوس جنبًا إلى جنب ، متجاهلَين فرناندس في الوقت ذاته.
“أنا آسفة”
لم تستطع كريستين تحمّل الجوّ الذي خلقه فرناندس ، فرفعت يديها أولًا.
“لم أتوقّع أن يكون هذا ردّ فعلك. كنت أحاول مساعدتك”
“ألا تعلمين أنّ المساعدة غير المرغوبة لا تختلف عن العنف؟”
ردّ فرناندس ببرود.
حاول كاربوس التدخّل بينهما لكن كريستين منعته. حتى لو كانت النوايا حسنة ، إذا لم يتقبّلها الطرف الآخر ، فكان فرناندس محقًّا.
“كلامك مؤلم لكنّه صحيح ، فليس لديّ ما أقوله. أنا آسفة”
اعترفت كريستين بذنبهل. عندها فقط ، انفرجت ملامح فرناندس.
“…هل تيتانيا بخير؟ بدت حالتها سيّئة جدًا”
“حسنًا ، أتمنّى أن تكون بخير الآن”
بالأمس، لم يتوصّل تيتانيا و فرناندس إلى أيّ نتيجة. لم يستطع أيّ منهما التخلّي عن عناده.
عادا إلى طريق مسدود مرّة أخرى.
هذا الصباح ، خرج فرناندس بملامح هادئة ليتبع تيتانيا.
كانت غابة شارلي ، التي توقّف فيها المطر ، تتلألأ بندى شفّاف. جمعت تيتانيا النباتات بوجه منتفخ ، بينما راقبها فرناندس.
كان ذلك كلّ شيء ، لكنّه ساعدها على استعادة بعض الهدوء.
“… قالت الدوقة إنّ الأمان هو الأهمّ ، إنّه القيمة الأعلى”
“أعلم. أخبرتكما بذلك منذ البداية ، لكنّكما لم تصدّقاني”
توقّف كاربوس لحظة.
“الآن أصدّقك. من وجهة نظري ، بدت الدوقة خائفة جدًا. السعي إلى السلام أمر جيّد ، لكن زوجتك تبدو مرعوبة”
“بما أنّكما تأكّدتما من ذلك ، توقّفا عن مضايقة تيتانيا. كلاكما”
“… هل يمكننا دعوة تيتانيا إلى تجمّع السيدات؟”
سألت كريستين بحذر ، و هي تراقب ردّ فعل فرناندس بعد ما حدث بالأمس. كادت تيتانيا أن تفقد أنفاسها. كانت تلهث بأسى و كأنّها غزال يحتضر.
“سيكون ذلك مفيدًا ، فرناندس. الأشخاص هناك طيّبون. قد يتفوّهون بكلام تافه أحيانًا ، لكنّهم لن يؤذوا تيتانيا على الأقل”
زفر فرناندس.
ثمّ أومأ برأسه. لم تعلّق كريستين بأنّ فرناندس بدا كأبٍ جاء لتأديب من يؤذون ابنته.
“إذا أرادت تيتانيا الحضور ، ستحضر. لكن الإجبار …”
“لن نفعل ذلك أبدًا”
هزّت كريستين رأسها.
شعرت أنّها إذا أخطأت مرّة أخرى ، قد يقتلها فرناندس.
“لكن ما الذي حدث مع تيتانيا؟ ألم تسمع شيئًا من كونت و كونتيسة فينيسيا؟”
“لا. سأتولّى الأمر بنفسي ، فلا تتدخّلي”
عبست كريستين لكنّها لم تستطع الردّ ، فقد رأت ما حدث بالأمس.
“حسنًا ، حسنًا. لكن أعتقد أنّها بحاجة إلى علاج”
“علاج؟”
“هناك شيء يُسمّى العلاج بالنوم. يساعد على مواجهة ما في داخل القلب”
“ربّما لاحقًا. الآن ، أريد تركها كما هي”
داخل قوقعة الحلزون التي تشعر تيتانيا بالأمان فيها.
أمسك فرناندس بكوب الشاي أخيرًا.
طوال الليل ، أصغى إلى الأصوات القادمة من الغرفة المجاورة. كما قالت كريستين ، كانت حالة تيتانيا سيّئة جدًا في آخر مرّة رآها فيها.
خلافًا لقلقه ، لم تستيقظ تيتانيا و لو مرّة واحدة طوال الفجر. لم يسمع أيّ حركة منها. شعر فرناندس بالارتياح فقط عندما رأى وجهها في الصباح.
“… على أيّ حال ، التجمّع القادم بعد غد. كالعادة ، سيتجمّعون للاستمتاع بهواياتهم. يبدو أنّهم يحبّون ألعاب الورق جدًا. ربّما لو اختلطت تيتانيا بهم ولو قليلًا …”
“إذا قالت تيتانيا إنّها ستأتي ، فستأتي”
“حسنًا”
رفعت كريستين يديها.
بدا واضحًا أنّ حبّ فرناندس لتيتانيا ليس مجرّد تخمين ، بل حقيقة. هذا الصباح ، اقتحم فرناندس القصر بعيون متّقدة ، بوجه رجل واقع في الحبّ.
***
كانت تيتانيا عندما تشعر باضطراب في ذهنها ، تصنع شيئًا.
التركيز على ذلك يجعلها تنسى كلّ شيء آخر.
“هذا يمكن أن يُستخدم”
أغلقت تيتانيا برضى علبة مليئة بمستحضر تجميل أساسيّ للوجه. كان جهد اليوم يستحقّ العناء.
“المكوّنات المكتوبة عليه كانت كلّها موجودة في المختبر. لذا حاولت صنعه. لقد صنعت كميّة كبيرة ، أليس من الممكن أن نشاركها؟”
نظرت سارة بدهشة إلى وعاء بحجم نصف تيتانيا.
“هل كلّ هذا …”
“نعم ، إنّه مستحضر تجميل!”
تألّقت عينا تيتانيا. كانت مليئة بالثقة بأنّ سارة ، التي أعجبت بالمستحضر الباهظ و أثنت على فعاليته ، ستُشيد بها.
قالت سارة بتردّد:
“حسنًا ، أحسنتِ صنعًا. لو وزّعناه في علب صغيرة للعاملين في القصر ، سيبقى منه الكثير”
فتحت سارة علبة المستحضر بجانب تيتانيا مرّة أخرى.
ثمّ أخذت قليلًا منه بأطراف أصابعها و دلكته على ظهر يدها.
“الرائحة و الملمس مطابقان تمامًا! لقد صنعتِه ببراعة!”
انتفخت كتفا تيتانيا بفخر عند مديح سارة.
فالمديح يجعل حتى الحيتان ترقص.
واصلت سارة الإعجاب ، فأضافت تيتانيا:
“قُلتِ إنّه سيكون جيّدًا لو كان يبيّض البشرة أيضًا ، فأضفتُ مكوّنًا آخر. إذا استُخدم بكثرة ، ربّما يُبيّض البشرة قليلًا؟”
أشرق وجه سارة عند كلام تيتانيا.
رفعت إبهاميها للأمام.
“سيّدتي الأفضل!”
عند رؤية ذلك ، شعرت تيتانيا و كأنّ الغيوم التي كانت تكتنف قلبها قد تبدّدت.
كانت تيتانيا تحبّ الأشياء التي تعطي نتائج واضحة. لكنّ فرناندس لم يكن كذلك.
‘فقط ابقي هادئة’
صوته و نَفَسه الذي دغدغ أذنيها. حرارة جسده التي دفّأتها. كانت أشياء لن تنساها تيتانيا. حاولت تيتانيا تهدئة قلبها المتقلّب.
‘لا يجب عليكِ فعل أيّ شيء ، تيتانيا.’
لمَ بدا هذا الكلام و كأنّه اعتراف بالحبّ ، “سأحبّكِ”؟
طوال حياتها ، كانت تيتانيا تعطي حبًّا دون مقابل. لذا ، عندما أصبحت تيتانيا و نشأت تحت رعاية كونت و كونتيسة فينيسيا ، لم تعرف كيف تتلقّى الحبّ ، فكانت تؤذيهم باستمرار.
لكن فرناندس يطلب منها حقًا ألّا تفعل شيئًا.
كان هذا أوّل حبّ غير مشروط تتلقّاه تيتانيا من شخص غير عائلتها ، بل من رجل عاقل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 50"