1
الفصل 1
[المقدمة]
بَعْجَجِجْ–
انتشرت شقوق كخيوط العنكبوت ببطء على سطح عقد السحر العائم في الهواء. وبينما كنتُ أراقب الفجوة وهي تتسع تدريجيًّا، أخذت الذكريات تتسارع في رأسي.
لقائي الأول الفوضوي مع إيان، اليوم الذي اقترح فيه فجأة عقد زواجٍ صوري، ثم الرحلة الطويلة التي تلت ذلك برفقته… تلك اللحظات مرّت أمام عينيّ كعرض بانورامي.
كان من المفترض أن أشعر بالارتياح لأن كل شيء انتهى على خير، لكن لسبب ما تملّكني إحساس بالأسى. وبينما كنتُ أُنزِل بصري متتبّعةً الشقوق، وقعت عيني فجأة على كلمات صغيرة مكتوبة أسفل العقد.
“انتظر، انتظر لحظة!”
رفعت يدي على عجل، فقام إيان بنقرة من أصابعه بمنع الفجوة من التمدد أكثر. تاركًا خلفه نظرة الاستفهام في عينيه، اقتربتُ من العقد وقرأتُ ما كُتب عن كثب.
سطر واحد بحروف صغيرة بحجم حبّة الفول:
“في حال الإخلال بالعقد، فإن إيان كرايتون… سيفقد حياته؟!”
وما إن أنهَيتُ الكلام حتى دوّى صوت “تشاااانغ!” ليتفتّت العقد إلى قطع متناثرة في الهواء. كانت الشظايا تشعّ كالزجاج قبل أن تتلاشى تمامًا، للحظة وجدت المشهد مدهشًا… لكن، لا، ما هذا!
هذا الرجل مجددًا!
“إ. يا. ن؟”
ناديت اسمه حرفًا حرفًا وأنا أحدّق فيه بحدة، فإذا به يكتفي بابتسامة هادئة وكأنه ينوي تجاوز الأمر كله بابتسامة واحدة.
صحيح أنني اعترفتُ سابقًا بأنني وقعتُ في فخ تلك الابتسامة وذلك الجمال، لكن هذه المرة لن يحدث!
“حياة؟! هل أنت تمزح؟”
رفع إيان حاجبه وكأنه مستغرب أنني ما زلتُ متجهّمة.
“إنه عقد زواج، فمن الطبيعي أن أضع حياتي رهانًا لأثبت جديتي، أليس كذلك؟”
“لو كنتَ واثقًا هكذا، لكنت كتبتها بخط كبير مثل بقية البنود، لماذا جعلتها بحجم حبة الفول؟”
“لأني توقعت أنك ستغضبين هكذا؟”
“وتتوقع غضبي ومع ذلك أصررتَ على إضافتها؟”
اقتربت منه واضعةً يدي على خصري، فخفتت ابتسامته قليلًا. كنت أعلم أنه صار يتخذ هذه الملامح كثيرًا مؤخرًا، لذلك وجدت نفسي أتابع وجهه دون وعي.
“…رايلي، إنها حياة كنتُ أحافظ عليها فقط لأبقى قربك. لذلك حتى لو جعلتها ضمانًا في العقد، فلست أعتبرها ثمينة.”
“…….”
الآن بعد أن أدركتُ ما كان في قلبه حين كتب هذا العقد وحين أبرمه، لم أعد أستطيع توبيخه. فكيف لي أن أرفض قلبًا ظل موجَّهًا نحوي وحدي لوقتٍ أطول مما كنت أتصوّر؟
لم أجد ما أقول، فاكتفيت برفع نظري إليه. عندها عاد الارتخاء إلى ملامحه، لتظهر تلك الابتسامة المألوفة، المبهرة إلى حدّ السحر.
هكذا هو دائمًا. يعرف تمامًا نقاط ضعفي ويتصرّف وفقها، فماذا أفعل أنا معه؟
… وربما المشكلة الحقيقية أنني، مع معرفتي بذلك، أستسلم بسهولة!
“هل تأكدتَ من تدمير العقد تمامًا؟”
“بالطبع.”
“إذًا لم يعد هناك مسألة حياة أو ما شابه؟!”
“طبعًا.”
أجاب إيان وهو يُنزل يدي من على خصره، ثم أمسك بها بلطف.
أه، حقًا! فليكن قاسيًا أو لطيفًا، لكن ليس الاثنين معًا!
أقسمت في سري ألا أسمح لنفسي بالانسياق وراء كلامه مرة أخرى… لكنني كنت أعلم أن هذا العزم ينهار دائمًا أمامه، وهذا ما جعلني أشعر بالضيق مجددًا.
“هل نذهب، سيدتي الزوجة؟”
“لستُ زوجتك بعد.”
“قريبًا ستكونين.”
ربما كنتُ منزعجة… لكن المشكلة أن هذه اللحظة نفسها لم تكن سيئة.
… يا لي من مسحورة به إلى أبعد الحدود.
—
“العالم يعبد الجمال. أبرمي معي عقدًا، وسأمنحك أجمل ملامح في الدنيا، جمالًا يليق بروحك المضيئة. ستعرفين متعة الدنيا التي لم تختبريها قط. هيا، تذوّقي الحلاوة معي.”
الكثير من السكر يسبب السمنة.
“ابتعدي! لا تصدقي كلامه! ألستِ ترغبين بالقوة؟ سأمنحك سلطة لم تتخيليها قط، سيجثو الجميع عند قدميك. أبرمي العقد معي وستمتلكين قوة تحرك العالم. أمسكِي بيدي الآن!”
كلام فارغ.
“أيتها الروح التي تفوق بهاء الجواهر. لو وهبتِني روحك، فسأغدق عليك الذهب والفضة والأحجار الكريمة التي حلمتِ بها طوال حياتك. لنفتح معًا عالمًا جديدًا!”
أعطني المجوهرات أولًا ثم نتكلم.
حقًا، لا أدري إن كان هؤلاء الشياطين قد التحقوا جميعًا بأكاديمية لتعلّم فنون الإغراء، فأساليبهم تزداد بريقًا يومًا بعد يوم. وكأن وسامة وجوههم لم تكن كافية لإزعاجي، فصاروا يضيفون الكلام المعسول الذي يناسب ذوقي.
لكن من أكون أنا؟ أنا المرأة الحديدية التي صمدت أمام الشياطين خمسةً وعشرين عامًا ولم تنجرف!
هيّا، هيّا، ابتعدوا! أخرجت من كمّي زجاجة الزيت العطري المألوفة ورششتهم بها.
“آخ! هذه الرائحة مجددًا!”
تراجع الشياطين متذمرين، لكنني أعلم أنهم سيعودون قريبًا. ربما يجدر بي حتى أن أمدح هذا الإصرار.
“آنسة رايلي، هل استخدمتِ ذلك الزيت العطري مجددًا؟ لا تقولي إن هنا… شيطانًا؟”
كانت الخادمة آنا تمشط شعري، ثم توقفت وبدأت تتلفت.
“لم يعد موجودًا.”
حاليًا على الأقل.
أعدت الزجاجة إلى جيب الكم، فتنفست آنا الصعداء وعادت إلى التمشيط.
“آه، لماذا يحدث هذا لآنسَتنا الطيبة الجميلة؟ ما أظلم السماء!”
أتفق معها. ما الذي اقترفته في حياتي السابقة لأستحق هذا؟!
لقد وُلدتُ وأنا أرى الشياطين. في طفولتي كنت فقط أفرح بوجود رجال ونساء وسيمين حولي، ولم أكن أعلم أن ما أراه هم شياطين لا يراهم غيري.
حين أخبرت أمي بالحقيقة، لم أحصل سوى على تحذير بارد بعدم إخبار أحد آخر. كانت تلك أول مرة أرى فيها هذا البرود منها، فلم يسعني إلا الصمت.
وحين أدركت أن وجودهم يضرّ عائلتنا، بدأت أتجاهلهم، لكن مع تقدمي في السن وتعلمي المزيد عن الشياطين، أيقنت أنه لا يمكنني مواصلة التجاهل.
فالشياطين تمتص طاقة حياة البشر لتقوى، والذين يحيطون بي كانوا يمتصون حياتي.
‘أيها الشياطين الأشرار!’
بعدها بحثت عن السحرة والطارِدين وطلبت المساعدة، لكنهم جميعًا قالوا إن وضعي صعب ومختلف. ومع ذلك لم أستسلم، وجربت كل الطرق المنتشرة لطردهم، لكنهم بدل أن يختفوا صاروا يمكثون حولي لفترات أطول، وكأنهم ينتظرون روحي حين تنفصل عن جسدي… أي موتي.
حتى الآن، كنت أصدّهم بأدوات الطرد، لكنني بدأت أشعر أن طاقتي بلغت حدها.
“آنا، أحضري دفتري من فضلك.”
“حسنًا، آنستي.”
أحضرت آنا دفترًا ضخمًا ووضعته على الطاولة.
على الغلاف كُتب: “طرد الشياطين! سحق الشياطين! ارحلوا أيها الشياطين!”
داعبت الغلاف بحب وبدأت أتصفحه.
الأساسيات أولًا: الصليب والثوم!
البحث عن طارد مشهور وتوظيفه فورًا.
القوة البدنية أساس الطرد، تدريب يومي!
كتابة أسماء الشياطين بالحبر الأحمر لمئة يوم. قد لا تكون الأسماء الحقيقية، لكن لعلها تفيد. سنجرّب.
…
“قوت” طقس شرقي لطرد الأرواح، أحتاج إلى كاهنة، ربما علي السفر شرقًا.
“آه، ذلك الطقس كان مخيفًا.”
قالت آنا وهي تقشعر وهي تتذكر آخر صفحة.
كان هذا نتاج تسع سنوات من البحث والتجربة.
“آنا، لو متُّ وصرتُ شيطانة…”
“لا تقولي هذا!!”
“لكنني أقصد…”
“لا تفكري حتى في ذلك!!”
… كنت سأقول: هل سأصبح جميلة كالشياطين الآخرين؟ لكن لا بأس.
“كفى كلامًا، انزلي إلى قاعة الطعام.”
لم أنتبه أن وقت العشاء قد حان.
نزلت فوجدت العائلة مجتمعة… وحتى شيطان جالس على مقعدي.
هنا يجب اتباع خطوات معينة:
أولًا، أعتذر للأب وزوجته.
ثانيًا، أخرج الزيت وأرشّ الشيطان.
ثالثًا، ألوّح بيدي لطرده.
“يبدو أنك تحبين هذه الرائحة يا رايلي.”
عائلتي التي لا تعرف أنني أرى الشياطين تظنني فقط غريبة الأطوار.
“مرحبًا يا أخي.”
قلت وأنا أجلس، لكنه تجاهلني كالعادة منذ ظهر قبل ثلاث سنوات.
“إيريك، رد على رايلي.”
وبّخته ناتاشا، زوجة أبي، لكن بلا جدوى.
في البداية ظننته أخرس، لكنني اكتشفت لاحقًا أنه يملك صوتًا عاليًا جدًا، فشعرت بالخيانة. ومنذ ذلك الحين وأنا أكلّمه كلما التقيت به، لكن بلا رد.
‘ربما أطارده طوال اليوم لأجعله يرد.’
“رايلي، أرجو أن تحضري حفل القصر هذه المرة.”
أراد أبي تحويل انتباهي عن إيريك، وقد نجح، فالحفلات تثير غضبي.
“هل علي حقًا الحضور؟”
“إنها حفلة بإشراف الإمبراطورة شخصيًا. وفوق ذلك، عمرك الآن…”
ترددت ناتاشا وكأنها تحاول قراءة الموقف.
منذ ظهوري في المجتمع لم يقترب مني أحد، بل ابتعد الجميع قائلين إنني أنشر جوًا كئيبًا. لم يكن هذا سبب كرهي للحفلات، لكن أبي وناتاشا ظنّا ذلك.
“سنجهز لك فستانًا جديدًا.”
“صحيح، لم نحظَ بحفل منذ زمن طويل.”
“… حسنًا.”
استسلمت حتى لا يواصلا الإلحاح.
“مصيبة… حفلة.”
تمتمت آنا لاحقًا بوجه حزين.
“ستكون مرهقة لك، وهناك شياطين أيضًا.”
هذا هو السبب الحقيقي لكرهي للحفلات، فالشياطين يحبون الموسيقى والرقص!
“لا تقلقي، لن أذهب.”
“هل هذا ممكن؟”
“نعم، سأكون مريضة جدًا يومها.”
“أها! سأستعد لتمريضك إذن.”
لكن…
“سمعتي؟ الدوق الوسيم سيحضر الحفل!”
“دوق مملكة بروكشيل الوسيم؟!”
كنت في مشغل الفساتين فقط لأبعد الشبهات، لكن الضجة حول “الدوق الوسيم” أثارت فضولي.
“من هو هذا الدوق الوسيم؟”
“ألا تعرفينه؟”
هززت رأسي، فزاد ارتباك الفتيات.
“إنه ساحر عظيم، أجمل من الزهور وأبهر من الجواهر.”
ساحر عظيم؟! لا عجب أنني شعرت بالانتباه.
تركت بطاقة الانتظار وخرجت مسرعة إلى المنزل.
“آنستي، ماذا هناك؟!”
جلست إلى مكتبي، وفتحت دفتري.
وجدت الصفحة الوحيدة التي لم يُكتب عليها كلمة “فشل”:
طلب المساعدة من ساحر عظيم؟ … لكن كيف أصل إليه؟
لم يكن فشلًا، لكنه شبه مستحيل، فمثلي من بنات النبلاء الصغار لا تقابل ساحرًا عظيمًا بسهولة، خصوصًا في إمبراطورية بوليتو التي تفتقر للسحر.
لكن هذه الحفلة قد تكون فرصتي الوحيدة…
إذن، علي أن أجعل هذا الدوق الوسيم ملكًا لي!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"