9. كيفيّة إنقاذ وحشٍ جريح
عندَ إعلان أصلان الجريء بأنّه يريد إلتهام خطيبته، فغرت فيفيان فمها مذهولة.
‘كنتُ أمزح فقط…!’
لم تتوقّع أنّها ستكون الإجابة الصحيحة.
إذا استمرّ الأمر هكذا، سيَلتهمها. بالتأكيد سيَلتهمها.
لم يكن الطّائر الصغير هو من يجب أن يهرب، بل هي!
بينما كانت فيفيان تتراجع بخطواتٍ متردّدة، اقترب أصلان بخطوة واسعة و رفعها بين ذراعيه.
“لقد تأخّر الوقت. لننم.”
“أنزلني! أريدُ النّومَ بمفردي!”
“عندما أترككِ وحدكِ، تفرطين في التفكير وتصبحين كئيبة. يجب أن أضعكِ للنّوم كلّ يوم.”
هل هو بخيل يريد تعليقها كالسمك المجفّف لينظر إليها كلّما شعرَ بالجوع؟!
قاومت فيفيان بشدّة، لكن أصلان لم يرمش. عاد إلى غرفة نومه و وضعها في وسط السرير.
‘أنا لستُ لذيذة، أيّها الإنسان!’
احتجّت فيفيان بنظراتها، و هي تلمع بعينيها الكبيرتين، مؤكّدة أنّ العالم مليء بأشياء لذيذة أخرى.
“هاه، أنتِ حقًا تجعلينني أجنّ.”
نظرَ أصلان إليها بصمت، ثم مسحَ وجهه ببطء كأنّه يصعب عليه التحمّل. سمعته يتمتم أنّه لا يريد وضعها للنوم.
لا تعرف لمَ، لكن شعرت بإحساسٍ مشؤوم أنّها إذا واصلت جعل عينيها تلمعان ، ستندم.
‘البقاء على قيد الحياة صعب، هك…!’
شعرتْ فيفيان بحزن المواطن العادي وتلوّت إلى زاوية السرير.
تحرّكت المرتبة خلفها بثقل. ثم لفتها يد كبيرة حول كتفها.
“إذا نمتِ هكذا، ستصابين بنزلة برد، فيفيان.”
“آه…”
“الجو بارد. تعالي إلَى هنا.”
كانَ واضحًا من ملابسه الخفيفة أنّ أصلان لا يشعر بالبرد عادةً. لكنّه ادّعى البرد و أغراها بلطف لتغوص في الأغطية الدافئة.
نظر إليها بينما كانت ملفوفة كشرنقة، برضا.
‘عدم انتظام نبضات القلب مرّةً أخرى…’
حتّى مع إغلاقِ عينيها، شعرت بنظرات أصلان بوضوح. في هذا التوقيت بالذات، تفاقمَ عدم انتظام دقات القلب بسببِ مضاعفات السلّ.
فكّرتْ أنّها ستسأل الطبيب غدًا و أغمضت عينيها.
بسبب مداعبة أصلان الهادئة ، بدأ وعيها يتلاشى.
* * *
أثارت أنفاس فيفيان الهادئة دغدغة في صدره.
داعب أصلان جفنيها النائمة بحنان.
خطيبته الصغيرة اللطيفة بشكل مثير للشفقة.
تجمّدت شفتاه المرتخيتان فجأة.
‘رغم أنّه خطيب قاسٍ، بعد انتهاء كلّ شيء، حتّى لو غادرت…’
كان ظهرها وهي تقفُ وحيدةً عند النافذة يبدو هشًا جدًا.
اقتربَ العام الذي تحدّث عنه الطبيب. كما لو كان ينذر بالنهاية، تفاقمتْ نوبات فيفيان.
كانتْ ترتاح في غرفة النوم و فجأة تنزف من أنفها وفمها و تفقد الوعي، أو تسقط في المطبخ أثناء تحضير الحفل، مما تسبّب في ضجّة كبيرة.
‘حتّى في مكتبكِ، الذي نادرًا ما أزوره، كانت إيسيدورا تدخل ليلًا و نهارًا. لم يكن صعبًا أن أدرك أنّكَ اتّخذتَ عشيقة.’
‘لا يمكنني إظهار الغيرة! ليس لديّ الحقّ، سأبدو مثيرة للشفقة…’
هل أحسّت فيفيان بالمستقبل القادم؟
لم تكتفِ بالحديث عن المغادرة، بل ألقت باللوم على نفسها كخطيبة غير جديرة.
شعرَ بالغضبِ عند رؤيتها. غضبَ من نفسه.
على الرّغمِ من معرفته بأنّها مريضة بالسلّ، ظنّ أنّ توقّف النوبات مؤخرًا يعني أنّها بخير. نسي أنّ الواقع دائمًا قاسٍ.
“شعرت بالعجلة. أردتُ إعطاءكِ اليقين…”
حاولَ احتضانها.
كادَ يرتكب خطئًا لا يمكن التّراجع عنه.
الختم في حالة هشّة بالفعل، و من يعلم كيف سيتغيّر. إذا نُقش نجم الدم الأسود على صدره، لن يستطيع خداعها بعد ذلك.
“لكن لا يمكنني الوقوف مكتوف الأيدي وأنتِ تموتين.”
الختم يربط مصير حامله بالوحش.
إذا احتضنها و أنهى الختم غير المكتمل، ستعيش فيفيان.
حتّى لحظة موته.
‘لكن بعد رؤية نجم الدّم الأسود، هل ستبقين بجانبي؟’
تتفتّت ابتسامتها في خياله بضعف.
تظهر من عينيها نظرة اشمئزاز، وتصرخ خوفًا من لمسته. كما فعلَ مَن رأوا حقيقته.
كانَ الألم لا يُطاق. التفكير بأنّ فيفيان قد تكون مثلهم جعله يشعر بالجنون.
‘لا يمكن أن تكتشف ذلك .لا يمكنني إظهار وجهي القبيح.’
لكن فيفيان ستموت.
خداها المتورّدان كالفاكهة الناضجة سيفقدان لونهما، وبشرتها الناعمة ستصبح قاسية كالخشب الميت.
لن يتركها مهما حدث، لذا أيّ خيار سيؤدّي إلى كارثة.
“مهما فكّرت، لا أرى طريقة تجعلكِ تحبّين شخصًا مثلي…”
غرقَ صوته بهدوء.
أغمضَ أصلان عينيه ببطء. ابتلعه ظلام لا نهائي.
* * *
مرّ خريف مليء بالأحداث، وجاءَ الشتاء حيث غطّى الثلج العالم.
كانت بلاكفورد، الواقعة في أقصى شمال القارّة، تمرّ بنصف أيّامها مغطّاة بالثلج، والنصف الآخر تعصف به الرياح القارسة.
خلال هذه الفترة، كانت فيفيان تجلس على السرير كقطّة على الموقد، تقشر اليوسفي بهدوء.
“رسالة من زوجة كونت ألبارو.”
“شكرًا، هيسيوس.”
تسلّمت فيفيان ظرفين منه.
أحدهما يسأل عن سلامتها، والآخر تعليمات مزيّفة مختومة بختم كونت ألبارو، موجّهة إلى إيسيدورا.
‘هل انتهى الانتظار المملّ أخيرًا؟’
بعد أسبوع من الحفل، وبسببِ النظرات اللاذعة والمراقبة المستمرّة، حاولتْ إيسيدورا، كما توقّعت فيفيان، التواصل مع الكونت.
في القصّة الأصليّة، لم تُكتشف أفعال إيسيدورا التجسسيّة لأنّ بلاكفورد لم تتواصل مع الخارج قبل الغزو.
‘بهذا، عرفتُ قناة تواصل إيسيدورا…’
أزالت فيفيان وسيط الاتصال و استبدلته بأحد رجالها، وودي.
ثم طلبت من زوجة الكونت كتابة ردّ مزيّف لتلبية تواصل إيسيدورا، كدليل للمحكمة على تورّط الكونت.
كانتْ هناك حاجة إلى مساعدة الكونتيسة لختم التعليمات بختم الكونت، و كما قالت سيليا، كانت امرأة جريئة وكريمة.
[لحسن الحظ، كاهن منطقتنا بارع جدًا.
سأتواصل مع المعبد لإرساله إلى بلاكفورد قريبًا.]
بالتأكيد لم يكن ذلك لأنّها قدّمت كاهن طرد الأرواح.
‘سأقضي على ذلكَ الشيء شبه الشفّاف.’
هذه الغرفة الآن ملكي.
قرّرتـ تسميتها غرفة نوم فيفيان.
فضلًا عن ذلك، سئمت من شدّ الحبل مع أصلان كلّ ليلة.
كلّما داعب خدّيها أو خصرها بحنان، تفاقم عدم انتظام دقات قلبها، و شعرتْ أنّها ستموت مبكّرًا إذا لم ينفصلا.
“أميرة، هل سمعتِ؟ الدوق سيغادر الإقليم قريبًا.”
“لقد تجاوزتْ مؤامرات كونت ألبارو الحدود. لا يمكن التغاضي عنه، لذا قرّرَ أصلان مواجهته بنفسه.”
كان أصلان قلقًا من تركها وحيدة في الإقليم.
لكن شتاء الشمال قاسٍ. لا يمكن تحريك جيش كبير، لذا كان هذا الوقت مثاليًا لمغادرة الإقليم، وكان عليه قبول ذلك.
ومع ذلك، أكّد مرارًا وتكرارًا أنّه سيترك ديلان في القلعةِ لرعايتها.
كانَ حقًا سيّد الشكّ و أيقونة عدم الثقة.
بعد تأكيد فيفيان، مدّ هيسيوس ذراعيه براحة.
“إذن، أنا حرّ مؤقتًا! كدتُ أختنق من مراقبة الدوق لي ليل نهار، و الآن أستطيع التنفّس…”
“بالمناسبة، أريدكَ أن تذهب إلى ألبارو.”
“ماذا سمعتُ؟”
تجمّد هيسيوس وهو يتمدّد.
ابتسمت فيفيان بهدوء وتابعت:
“بالأحرى، أريدكَ أن تتبع إيسيدورا بعد هروبها من بلاكفورد. الوجهة واضحة على أيّ حال.”
“هل هي هربتْ؟”
“ليس بعد، لكنها ستهرب قريبًا. سأجعلها تفعل.”
“لا، أرفض. أنا مشغول جدًا!”
بينما كانَ هيسيوس يغادر الغرفة بحزم، توقّف فجأةً وفرك شعره بعنف. قفز بنزق، لكنّه عاد بطاعةٍ بشكلٍ مفاجئ.
“لمَ أنا بالذات؟ ريجينا ستفعل أيّ شيء تطلبينه، حتّى لو كان قطع رأس الكونت!”
“ريجينا مشغولة بالتحقيق في الظواهر الغريبة.”
“هل تعتقدين أنّني ألعب؟”
“رأيتُ ريجينا تجرّك من ياقتكَ. قالت إنّها لن تتركك إذا وجدتك…”
“كح.”
تظاهرَ هيسيوس بعدم السماع، محاولًا الظهور بمظهر هادئ، لكن ظهره كانَ مبللًا بالعرق البارد.
توقّفت فيفيان، التي كانتْ تبتسم بثقةٍ على الأريكة، فجأة.
“هيسيوس.”
“ماذا، فجأة…”
“لديّ طلبٌ منك.”
“غير تتبّع الخادمة الهاربة؟ واحد أو اثنان، لا فرق، تكلّمي.”
تظاهر بالتوتّر و هزّ كتفيه، لكن فيفيان لم تضحك هذه المرّة.
هل أحسّ بشيء؟ اقتربَ هيسيوس و أخفض نفسه ليواجه عينيها.
“أميرة، ما الأمر؟ أخبريني.”
التعليقات لهذا الفصل " 99"