كمواطنة عاديّة، فهمتْ فيفيان مشاعر الخادمات جيدًا. وقد قدّمن أداءً أفضل ممّا توقّعت.
كانتْ قد توقّعت هذا التطوّر و أرسلتهن بعيدًا عمدًا.
‘كنتُ أعلم أنّ إيسيدورا ستنتقدني. عندما تُحاصر، ماذا يمكن أن تفعل؟’
تردّدها المتكرّر في المطبخ أثناءَ تحضير الحفل كان لكسبِ ولاء الخدم هناك.
إذا صدّقَ أصلان ادّعاءات إيسيدورا، كانت بحاجة إلى حلفاء مقربين بما يكفي لمواجهة سيّد القلعة.
“سيّدي، هذا لا يُعقل! كيف تقوم خادمة بإهانةِ سيّدة الدوقيّة؟ يجب قتلها!”
“لكن طلب السيّدة…”
نظرت فيفيان إلى الحشد المتجمّع و أصلان، الذي تجمّد كتمثال، و ابتسمت داخليًا.
كانت الأدوات جاهزة لكشف خلفيّة الجاسوسة.
* * *
في الاجتماع الذي عُقد بعد انتهاءِ الحفل بشكلٍ فوضوي، تقرّر مصير إيسيدورا.
باختصار، لم تُعاقب بأيّ شكل. كان ذلك بناءً على طلبِ فيفيان الحثيث.
بدلًا من ذلك، وُضعَ فارس مسلّح يرافقها على مدار الساعة، و مُنعت من مغادرة غرفتها بعد غروب الشمس.
‘من وجهة نظر إيسيدورا، كانَ من الأفضل طردها.’
خلالَ النهار، ستتحمّل النظرات اللاذعة، وفي الليل، ستستلقي وحيدة، نادمة على وضعها.
حتّى لو كانت قويّة، كم يمكنها تحمّل هذا؟
‘لن تستطيع الصمود دونَ طلبِ مساعدة الكونت.’
اختلفت الأمور عن القصّة الأصليّة. أكبر فرق كان العلاقة بينها وبين سيليا.
في القصّة الأصليّة، لم يكتشف أحد نوايا إيسيدورا، لكن فيفيان عرفت هدفها الحقيقي بفضلِ سيليا، التي لها صلة بألبارو.
‘إذا وجدتُ طريقة تواصل إيسيدورا مع الكونت، ستساعد زوجة الكونت في ألبارو بعد ذلك.’
حتّى تجمعَ أدلّة كافية لإسقاط الكونت.
عندها، سيصبح ابن زوجة الكونت كونت ألبارو الجديد، وسيكون لأصلان حليف قويّ بجوار بلاكفورد.
“آه، يوم متعب.”
ارتدتْ فيفيان ثوب نوم و نظرت إلى الخارج من غرفة النوم، حيث بدأ الظلام يهبط.
رغم أنّ الأمور تسير كما خطّطت، بدا وجهها المنعكس على النّافذة الداكنة حزينًا.
‘عندما استحوذتُ على هذا الجسد، كنتُ في ظلام دامس. ظننتُ أنّه لن ينتهي أبدًا.’
بدأت أهدافها تتحقّق واحدًا تلو الآخر.
نجحت في تغيير سمعة أصلان، الذي كانَ يُعرف بـ”وحش الإمبراطوريّة”، و جذبتْ ليام، مطوّر علاج السلّ، والآن تكشف الجواسيس في بلاكفورد وتتعقّب خلفيّاتهم.
لا يزال الطريق طويلًا، لكن مع ظهور نتائج ملموسة، أصبحتْ مشاعرها معقّدة.
كانَ يوم فراقها من أصلان يقترب تدريجيًا.
“رغم أنّه خطيب قاسٍ، بعد كلّ هذا، حتّى لو غادرت…”
هل بسببِ العواطف المختلطة التي تراكمت بعد قضائهما الوقت معًا؟
تمنّت أن يعيش أصلان بسعادةٍ بعد مغادرتها.
اللعنة قد تكون لا مفرّ منها، لكنها تمنّت أن لا يؤذيه أحد، وأن يكسب احترام النبلاء و الشعب، وأن يجد شريكةً حقيقيّة يشاركها قلبه.
‘آه، لمَ قلبي يؤلمني هكذا؟’
تخيّلها لامرأةٍ أخرى بجانب أصلان جعلها تشعر وكأنّها تُضرب.
بينما كانت مشاعرها الحزينة تتحوّل إلى مرارة، سمعت صوتًا.
“فيفيان.”
كانَ أصلان واقفًا عند الباب، لا تعرف متى وصل.
رتبّت فيفيان وجهها المنعكس على النافذة بسرعة، دون أن تدرك أنّه يراها.
“يجب أن تكوني متعبة، لمَ تقفين هناك؟ لا يوجد شيء لتريه بالخارج.”
“آه، كنتُ أفكّر في شيء.”
“هل سمعتِ نتيجة الاجتماع؟”
“أخبرني دييغو. شكرًا لتلبية طلبي.”
شعرت فيفيان بالحرج وتجنّبت عيني أصلان. للتوّ، كانت تتخيّل أصلان مع امرأة أخرى، ممّا جعلها تشعر بالغرابة.
‘لمَ الآن؟ لم يسمعني، أليس كذلك؟’
نظر أصلان إلى حركاتها غير الطبيعيّة بصمت. بدا تعبيره غريبًا.
“ماذا تعنين بـ’أغادر’؟”
“مـ، ماذا تقصد؟”
“للتوّ، تمتمتِ عند النافذة. ’بعد انتهاء كلّ شيء، حتّى لو غادرت‘.”
“يبدو أنّكَ سمعتَ ذلك بشكلٍ خاطئ.”
أدركتْ فيفيان خطأها بعد أن تحدّثت.
كان يجب أن تعترفَ بذلك وتبرّر بسهولة، لكنّها تفاجأت جدًا فتوقّف دماغها.
‘يا إلهي، عليّ أنْ أفعلَ شيئًا! كيف سأصلح هذا؟!’
توسّلت إلى عقلها، لكنّه أضرب.
كانَ الصّمت محرجًا للغاية.
جلست فيفيان على السّرير، مفكّرة أنّ النوم مع شبح أفضل، و خطّطت لطرد أصلان والتلوّي تحت الأغطية طوال الليل.
“حسنًا، دعينا نتحدّثْ عن شيءٍ آخر.”
هدأت نبرة أصلان المتوتّرة فجأة.
فرك جبهته ببطء و جلسَ بجانبها.
“لمَ لم تتحرّكي؟”
“ماذا فجأة…”
“لا يمكن أن تفشلي في تفادي صفعة من خادمة. لقد تعلّمتِ فنون السيف و الدفاع عن النفس من أليكس.”
تدفّقَ العرق البارد على ظهر فيفيان. واصل أصلان:
“كنتِ ستقبلين الصفعة عمدًا. كنتِ قادرة على تفاديها لكنكِ اخترتِ تحمّلها.”
لم يقل المزيد، لكن فيفيان أحسّت بذلك.
كان يشكّ.
فهو يسأل لمَ قبلتِ الصفعة التي كان بإمكانكِ تفاديها.
“سمعتُ من أختي. عندما قالت إيسيدورا إنّ دمي قذر و رفضتْ لمسه، أنتَ حميتَها و جعلتها خادمتكَ الخاصّة.”
“..…”
“حتّى في مكتبك، الذي نادرًا ما أزوره، كانت إيسيدورا تدخل ليلًا و نهارًا. لم يكن صعبًا أن أدرك أنّكَ اتّخذتَ عشيقة.”
عضّت فيفيان شفتها السّفلى.
كانَ تبريرًا للتملّص من الموقف، تمثيلًا. في الواقع، كانت تنام و تلعب دون تفكير.
لكن هل بسبب التوقيت؟
كان مشابهًا لتخيّلها للخيانة، فاندفعت مشاعرها دون وعي.
“ماذا يمكنني أن أقول؟ أنا لستُ خطيبة حقيقيّة، ولا أستطيع أن أعطيكَ شيئًا.”
“فيفيان!”
“لا يمكنني إظهار الغيرة! ليس لديّ الحقّ، سأبدو مثيرة للشفقة…”
بينما كانت تتحدّث، عادت إلى الواقع.
نعم، رغم العواطف التي تراكمت، كان مقدّرًا أن يفترقا. للتوّ، كانت تفكّر في الذهاب إلى شاطئ الزمرد.
‘لا يهمّني من يقع أصلان في حبّه!’
فركت فيفيان وجهها المتصلّب بحرج. كلّما تحدّثت معه، شعرت أنّ التناقضات تتزايد.
“أنا متعبة جدًا. أريد الراحة، فهلْ يمكنكَ المغادرة…”
“من الطبيعي أن تعتقدي أنّني رجل قاسٍ.”
فكّرت فيفيان أنّ أصلان يمكن أن يقفز الحبل بنواياه الخفيّة.
قال إنّه سيتحدّثُ عن شيء آخر، لكنّه عادَ إلى تمتمتها.
“صحيح أنّني تركت تلكَ الخادمة البائسة لبعض الوقت، لكن ليس للأسباب التي تعتقدينها. لا مكان في حياتي لامرأة غيركِ.”
“..…”
“فيفيان، انظري إليّ، أرجوكِ.”
همسَ أصلان بحنان و هو يمسكُ خدّيها.
“لم أتخيّل أبدًا أنّكِ ستشعرين بهذا الذنب. كلّ هذا خطأي.”
عندما لم تتفاعل فيفيان، أسند جبهته على كتفها. ثم فجأة، لمسَ يدها اليسرى.
شعر بخاتم الماس الأزرق.
ارتاح تعبيره قليلًا عندما تأكّد منه.
“عديني ألّا تتركينني.”
“مـ، ما الذي تقوله فجأةً…”
“عندما تتفتّح الزهور في بلاكفورد، ستكتمل سنة وعدنا . ستكونين أجملَ عروس في العالم، و سيحبّكِ الجميع هنا.”
داعب كتفيها بهدوء. كان نفسه المتحمّس يدغدغ رقبتها.
“أطفال لطيفون يشبهونكِ سيركضون في القلعة. لا، ربّما لأنّكِ ضعيفة، قد يكون من الأفضل عدم الإنجاب.”
“..…”
“فيفيان، أعلم أنّني لم أعطكِ الثقة.”
كانَ صوته الآن يشبه الهمس، فرفعت فيفيان ذقنها لتسمعه جيدًا.
عكست عيناه صورتها.
“لكن اعرفي هذا فقط.”
حتّى لو كنتُ أخدعكِ و أكذب عليكِ.
“أنا ملككِ بالكامل. فامسكي بطوقي و لا تتركيني.”
داعبت يده الكبيرة رقبتها بلطف.
مال رأسه، و شعرت فيفيان بأنفاسهِ على شفتها السّفلى، فأغمضتْ عينيها ببطء… ثم استفاقت فجأة.
‘ماذا أفعل الآن؟!’
لم تصدّق نفسها. كادتْ تسقط على السرير، محمولة بدافع عاطفي غامض!
ما سيحدث بعد ذلك… لم تستطع تخيّله.
“آه، أصلان.”
“نعم.”
قبّلَ ذقنها بلطف.
كلّما لامسها، ارتجف قلبها. شعور و كأنّ قلبها سينفجر. لا بدّ أنّه عدم انتظام دقّات القلب بسبب مضاعفات السلّ.
رغم أنّها لا تملك خبرة طبيّة، لكن المثل يقول إنّكِ تعرفين جسدكِ أفضل من أي شخص آخر، و كانت متأكّدة.
“فيفيان؟”
كانتْ القبلات المستمرّة مزعجة… لا، مقلقة.
غطّت فيفيان وجهها بكلتا يديها و تلوّت على السرير.
بعد أن تحرّرت من ذراعيه، رفعت عينيها بحذر. كانت عيناها الكبيرتان كعيني أيل، ترتجفان من الذهول.
أطلقَ أصلان تنهدًّا مكتومًا و هو يرفع جسده.
جذبت فيفيان الغطاء القريب لتغطي نفسها. كلّ مكان تلمسه نظراته كان محرجًا و مدغدغًا لدرجة الموت.
“لمَ تنظر إليّ هكذا؟”
“كيف أنظر اليكَ ؟”
كأنّه ينظر إلى شريحة لحم بقر .
“بعيونٍ تريد التهامي حتّى الجنون.”
“إجابة صحيحة.”
رسمت شفتا أصلان قوسًا مشؤومًا.
التعليقات لهذا الفصل " 98"